No Result
View All Result
المشاهدات 1
د. علي أبو الخير_
الإيمان والتعصب الإيماني
سؤال مُربك ومُحيّر، وهو: هل كلما زاد إيمان المرء، ازداد تعصباً؟!، وهو ما سنحاول الإجابة عنه، أن الإيمان كلما ازداد يزداد التسامح، لأن التسامح والعدل والإخاء والمساواة هي أهم دعوات الأنبياء والمصلحين، وهذا المفروض أن يكون سلوك المؤمنين، هذا كما قلنا على المستوى النظري، ولكن ما حدث ويحدث في تاريخ الأمم هو أن أخطر الحروب وأعنفها وأكثرها دموية هي التي يُشعلها رجال الدين، الذين يرتكبون إثم القتل بوازع من ضمير المتعصب،، كتلك الحروب طوال ثلاثمائة عام في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت، وهي مثل الحروب الأهلية بين المسلمين، بين السنة والشيعة، وبين الحنابلة والشوافع، جميعاً حروب باسم الإيمان الدموي والعنف المتعصب، البعيد عن روح كل الأديان.
تلك هي الشعرة بين الإيمان والتعصب، أو لا يراها إلا المؤمنون المخلصون، ولكنهم دائماً بعيدين عن صراعات الدنيا، وآثام السياسة.
أصول الفكر الداعشي
لو طبّقنا ما قلناه على داعش الإرهابي الذي توسّع وقتل وسبى وباع النساء والأطفال في أسواق النساء، قبل أن ينتصر عليه الكُرد المؤمنون في سوريا، لوجدنا كل الأوصاف تنطبق على داعش هذا، فهو لم يبتكر الفتاوى الدموية، ولكنه جلبها معه من شيوخ الوهابية السلفية، والكتب الصفراء كما سنرى.
في هذا المقال نكتب عن إحدى الفتاوى التكفيريّة، وهي فتوى وهابية دموية بامتياز، إنها فتوى التترس، لقد أطلق مثلاً الشيخ الإخواني الوهابي الراحل يوسف القرضاوي فتوى بخصوص حكم التفجيرات في تجمعات الأنظمة وسقوط المدنيين ضحايا للعمليات الإرهابية، فقال: “الأصل في هذه الأمور أنها لا تجوز إلا بتدبير جماعي، إنما التفجير فلابد أن تكون الجماعة هي التي ترى أنها في حاجة إلى هذا الأمر، وإذا رأت الجماعة أنها في حاجة إلى من يفجّر نفسه في الآخرين ويكون هذا أمراً مطلوباً وتدبر الجماعة كيف يفعل هذا بأقل الخسائر الممكنة، وإذا استطاع أن ينجو بنفسه فليفعل، إنما لا يترك هذا الأمر للأفراد وحدهم، لا يصح لفرد أن يتصرف بمفرده ويقوم بتفجير نفسه في الآخرين ولازم يتصرف في حدود ما تريده الجماعة ويسلم نفسه للجماعة، والجماعة هي التي تصرف الإفراد حسب حاجاتها وحسب المطالب إنما لا يتصرف الأفراد وحدهم”، ولم يذكر لنا من هي الجماعة، وإن كنّا نفهم ضمناً أنها الجماعة التكفيرية وأخواتها من جماعات التأسلم السياسي، لأن الشيخ القرضاوي يُبيح تفجير النفس وقتل الغير بناءً على طلب وطاعة الجماعة وأميرها، أي بناءً على وصية جماعة المسلمين، وليست جماعة من المسلمين والفرق بينهما كبير، المهم لا يخرج الشاب التكفيري عن الجماعة، ولكن الشيخ القرضاوي لم يُفتِ لنا عن الذئاب المنفردة التي تأخذ قرارها التفجيري بدون إذن الجماعة!

فتوى التترس الدموية
فتوى التترس تعني اتخاذ أسرى المسلمين هدفاً للقتل إذا اتخذهم العدو دروعاً بشرية وتترس خلفهم، وهي فتوى غريبة ودموية، ولكنها متوافرة في فكر السلفيين الداعشيين فالفتوى ليست غريبة، لأنها من توابع فتوى التترس، والتترس أغرب الفتاوى دموية في تاريخ المسلمين، وعرفتها كل الأديان.
وفتوى التترس عاث بها الخوارج في الأرض قديماً، ثم أحياها ابن تيمية، وتلقفها الوهابيون الدواعش في كل أقطار، ومازالت أصداؤها تتردد في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، قال ابن تيمية في كتابه “مجموع الفتوى الكبرى”: “وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترس بمن عنده من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم، والله يبعث الناس على نياتهم”، لم يقل من هم العلماء المتفقون، فالعلماء لم يتفقوا على شيء.
على كل حال هي الفتوى التي تعتبرها داعش وأخواتها المبرر الأول للقتل والسبي.
وهذه الفتوى تشبه إلى حدٍ كبير مقوله البابا أوربان الثاني في جنوب فرنسا عام 1095 م، عندما أعلن شن الحروب الصليبية، فقال :”الرب يريد هذه الحرب”، ولم يسأله أحد من المسيحيين الطيبين عن كيفية معرفة رأي الرب، وعندما سُئل أنه يوجد مسيحيين في فلسطين قد يُقتلون في الحرب، قال: “اقتلوهم وسوف يميز الرب عباده”، هي إذن نفس العقلية التدميرية في كل الأديان، التي تستغل عوام المتدينين وغسل عقولهم، وإشعال الحرب بهم، وهو ما يحدث من فتاوى قتل الأبرياء، مثل فتوى الشيخ الوهابي ابن العثيمين وأخوته، قال ابن عثيمين في فتوى يبيح فيها قتل النساء والأطفال من المدنيين بقوله: “الظاهر أنه لنا أن نقتل النساء والصبيان؛ لما في ذلك من كسر لقلوب الأعداء وإهانتهم، ولعموم قوله تعالى في سورة البقرة/194 : “َمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ”، وتلك رؤية باطلة، لأنه لم يكمل الآية التي تنتهي بـ “واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين”.
ولا يمكن للمسلم بأن يتقي الله بقتل النساء والصبيان والأطفال، وهذا لا يمت لأي دين بأي صورة من الصور، ومن ثم يجب أن نتبرأ من هذا الفكر ونكشفه، ودون ذلك استمرار قطع الرقاب، ولا يُحيق المكر السيئ إلا بأهله، وإن شاء الله لا نكون من أهله.

No Result
View All Result