حوار/ دلال جان ـ آلدار آمد –
أجرت صحيفتنا حواراً مع عضو الهيئة القيادية في حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا محمود خلف فتاح لإلقاء الضوء على أخر التطورات السياسية الجارية على الساحة السورية عامة وشمال سوريا خاصة حيث قال: «إن الأزمة السورية باتت بأيدي القوى الدولية وإن لم تتفق تلك الدول لن يكون هناك حل، والسبب الرئيس لفشل المعارضة السورية يعود إلى ارتمائها في أحضان الدولة التركية وبعض الدول الأخرى. إن الإدارة الذاتية الديمقراطية كانت الأفضل والأنسب مقارنةً ببقية المناطق السورية». وأشار بأن المشروع الفيدرالي هو المشروع الأكثر ملاءمة مع التعددية الدينية والعرقية والمذهبية في شمال سوريا وهو الذي سيحقق أهداف شعوب المنطقة، وأن النضال سيستمر للمحافظة على مكتسبات ثورة روج افا وشمال سوريا، وأكد أن الحل العسكري أثبت فشله في سوريا ولا بد من وجود حلول سياسية سلمية تؤدي إلى حل الأزمة السورية في النهاية. وجاء الحوار على الشكل التالي:
ـ كيف تقرؤون المشهد السياسي السوري وهل هناك ما بإمكاننا تسميته بالثورة؟
بالنسبة لمتابع المشهد السياسي في سوريا والأحداث التي تعصف بها نرى بإن زمام الأمور والسلطة قد أفلتت من النظام في سوريا ولم يعد بإمكانها ضبط الأمور السياسية أو غيرها، وذلك بسبب التدخل الدولي المباشر في السياسة الداخلية والخارجية لسوريا من خلال التدخل الروسي والإيراني فيها. لذلك؛ نرى بأن الدول الكبرى مثل أمريكا وروسيا باتت تتمسك بزمام الامور في سوريا وتعمق الأزمة بدلاً من حلها من خلال توزع النقاط والمهام في الأراضي السورية. والروس يحاولون أكثر من أي وقت مضى أن يبرهنوا للعالم بأنهم الأفضل ولديهم رؤى بالنسبة للحلول في سوريا من خلال علاقاتهم مع كل من تركيا وإيران، والمؤتمرات التي تعقد في كل من أستانا وسوتشي والتدخل المباشر والضغط على المعارضة السورية لكي تحضر هذه المؤتمرات من خلال حليفهم تركيا، وتحاول روسيا أن تفرض نفسها بأنهم الأفضل. أما بالنسبة للثورة السورية اعتقد أنها فشلت فشلا ذريعا وذلك بسبب تواجد من مثلوها في الحضن التركي الدائم وجميع مقراتها ومكاتبها في تركيا، والتدخل التركي المباشر في اتخاذ قرارات للمعارضة واتفاقاتها الأخيرة مع الروس وخفض مناطق التوتر في الغوطة الشرقية ومحيطها، وخروج المعارضة وتركها للمناطق التي كانت تحت سيطرتها بموجب الاتفاقات التي حصلت بينها وبين النظام السوري. واعتقد بأن المعارضة قامت بحفر قبرها بنفسها من خلال التنازلات الكثيرة، والأيام القادمة ستبرهن سقوط المعارضة وتنازلاتها كان بمثابة دق المسمار الأخير في نعش الثورة السورية، والسبب الرئيسي لذلك الفشل يعود إلى الرمي بنفسها في أحضان الدول الإقليمية والحصول على الأموال الطائلة منهم وفي مقدمتهم تركيا.
ـ ما هو منظوركم لما يحدث في سوريا والتدخل الدولي والإقليمي فيها؟
تدخلت دول كثيرة في الصراع على الأراضي السورية لإيجاد كل منهم على حدة موطئ قدم له التدخل الروسي ـ الإيراني ـ التركي ـ السعودي ـ القطري ـ جميع هذه الدول تتصارع من أجل الحصول على قسم من الكعكة السورية، مفهوم لدينا السبب الرئيسي من وراء التدخل الإيراني والتركي فالإيرانيون يحاولون بسط نفوذهم في المنطقة عبر العراق ولبنان وسوريا للوصول إلى مياه البحر المتوسط, تركيا تحاول اقتطاع الأراضي السورية وإلحاقها بتركيا مثلما فعل في الماضي وضم لواء اسكندرون وبالتالي تجزئة سوريا، والروس يحاولون بسط نفوذهم والحصول على المياه الدافئة في البحر المتوسط، وكان التدخل الأمريكي في بداية الأمر لدعم المعارضة السورية ومدها بالسلاح لإسقاط النظام القائم لكن تبين لاحقا إن المعارضة لم تكن بالمستوى المطلوب الذي كان يتمناه الأمريكان لأن السلاح الأمريكي الذي كان يمده للمعارضة سرعان ما وصلت إلى أيدي المرتزقة، ناهيك عن الانشقاقات التي حصلت بين الفصائل المسلحة.
ـ حبذا لو تحدثتم عن الوضع السياسي في الشمال السوري؟
الوضع السياسي في شمال سوريا لا يشبه بقية المناطق السورية من حيث تواجد الكثير من المكونات السورية التي تتعايش بشكل سلمي معاً؛ وذلك بفضل السياسة التي تمارس من قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية لتلك المناطق، حيث كان حزبنا حزب اليسار الديمقراطي الكردي من المؤسسين للإدارة الذاتية الديمقراطية والتي أثبتت للعالم أجمع بأن هذه الإدارة هي الأفضل والأنجح؛ لأنها قدمت الكثير من الخدمات لشعوب المنطقة، بالنسبة لبقية المناطق السورية وذلك لتوحد جميع مكوناتها والعمل المشترك معا ودعم هذه الإدارة من خلال مشاركة جميع الشعوب والمكونات ووقوفها صفا واحدا ضد الإرهاب ما أدى إلى تحرير الكثير من المدن والمناطق من احتلالهم. لذلك نرى بأن الأمان الذي خيم على الشمال السوري كان بفضل سياسة الإدارة الحكيمة في شمال سوريا. ومن ثم كان خيار الفيدرالية والتعايش المشترك بين الشعوب والمكونات، هذا الخيار كان بالتوافق بين أبناء المنطقة لما لها من تنوع في اللغة والديانة، وهناك الكثير من الفيدراليات التي نجحت كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول الكبرى مثل أمريكا وألمانيا وغيرها، والدول التي تتبنى النظام الفيدرالي في حكمها تمارسها فعلياً من خلال سلطاتها الثلاث (القضائية ـ التنفيذية ـ التشريعية)، وبعد اندلاع الثورة المباركة في روج آفا في 19 تموز عام 2012ومن ثم إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية كان لا بد لهذه الإدارة أن تتبنى الشعار اللائق بها، وللتضحيات التي قدمت في سبيل ذلك، وهو شعار «سوريا اتحادية ديمقراطية فيدرالية» لذلك تتبنى أكثرية الأحزاب الكردية والسريانية والعربية شعار الفيدرالية كمطلب للتعايش السلمي المشترك واخوة الشعوب.
ـ حرم الشعب الكردي وجميع شعوب المنطقة من حقوقهم، كيف تقيمون ذلك؟
نال الشعب الكردي في سوريا ما ناله أخوتهم من شعوب المنطقة الكثير من الويلات والحرمان وطبق بحقه كافة الممارسات الشوفينية من قبل الأنظمة المتعاقبة في سوريا، حيث حرم النظام البعثي الحاكم مئات الآلاف من الكرد من جنسيتهم نتيجة الإحصاء الجائر في العام 1962، وحرمانه من لغته الأم وفصل الطلبة من المدارس والمعاهد والجامعات وممارسة سياسة الضغط والتجويع بحقهم. وبعد بدء الثورة السورية انخرط الكرد فيها ولكن بانتهاجهم الخط الثالث الذي اختاروه، فكانت ثورة روج افا في 19 تموز عام 2012، واختار الشعب الكردي في سوريا أن يكون الحل الوحيد هو النضال من أجل الحقوق التي حرم منها في ظل النظام المستبد. استطاع الشعب الكردي خلال سنوات الأزمة التصدي للمرتزقة وتحرير مناطق عدة من شمال سوريا منهم وقدم التضحيات الكبيرة في سبيل ذلك، حيث كانت الإدارة الذاتية الديمقراطية ثمرة النضال الدؤوب والمستمر والرد الحقيقي لكل من أراد النيل من الثورة، ونحن مستمرون في النضال لكي نحافظ على مكتسباتنا وعدم التخلي عن مبادئنا وسنبقى أوفياء لشعبنا ضد كل من يحاول العبث بوطننا.
ـ تركيا هي السبب الرئيسي فيما جرى على الأرض السورية وهي دولة محتلة، برأيكم ما الهدف من التدخل التركي في الشؤون السورية؟
تركيا لها الدور الرئيسي في الحرب الدائرة في سوريا من خلال فتح حدودها أمام المرتزقة وتبنيها للمرتزقة الأجانب ودعمها المباشر للائتلاف السوري، وهي عدوة الشعب الكردي منذ الأزل، ومن خلال السياسة التي اتبعها أردوغان في الدول العربية وتدخلاتها بما سمي بالربيع العربي، كما وعملت على تهجين الاخوان المسلمين لتنفيذ مصالحها وبعدما فشلت أيضاً، تنازلت للروس والنظام عن المواليين لها مما سميت المعارضة المسلحة التي أسسها في سوريا، وكان آخر فصولها المقايضة التي جرت في عفرين مقابل الغوطة والتي أبرمت بين الأتراك والروس لاحتلال مدينة عفرين من خلال سحب القوات الروسية من عفرين وفتح الأجواء للطائرات التركية الحربية لكي يستهدف المدنيين، وكان للأتراك ما أرادوا فكان احتلال عفرين بعد هجر سكانها وتم توطين المرتزقة الموالية هناك، وكان الصمت الدولي يندرج ضمن تلك الاتفاقيات والمصالح.
ـ أنتم كحزب برأيكم ما هو الحل الأمثل للخروج من هذا النفق المظلم في سوريا؟
بعد مرور أكثر من سبع سنوا ت على الحرب في سوريا؛ لا بد من إيجاد حل سلمي يرضي كافة الأطراف المتصارعة والحل العسكري في سوريا أثبت فشله إذاً لا بد لنا في البحث عن حلول أخرى، والصراع في سوريا تحول إلى صراع على المصالح ومتى ما انتهت تلك المصالح ستجد هذه الدول الحل المناسب. ومرور سبع سنوات من الحرب والدمار وقتل الأبرياء المدنيين باعتقادنا كافٍ لإيجاد الحل، والدول الإقليمية مستفيدة من هذا الصراع مثل إيران وتركيا لأنهما تقومان بتصدير أزمتها الداخلية إلى الداخل السوري من خلال تبنيها الميليشيات العسكرية والطائفية الموالية لها. الحل برأينا يكمن في جلوس الجميع وبدون استثناء على طاولة المفاوضات للحوار البناء وبعيداً عن تنفيذ أجندات هذا وذاك؛ من أجل الوصول إلى صيغة ترضي جميع الأطراف بما فيها الشعب الكردي الذي أثبت للجميع بأنهم حافظوا على التراب السوري ودافعوا عنه وقدموا آلاف الشهداء قرابين لذلك، وما نراه مما تحقق الآن كان بفضل ذلك.
