سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تل رفعت ومنبج بين المساومات والمناورات السياسيّة وصفقة إدلب

علاء الدين خالد كالو (محامي)_

الأحداث المتسارعة والمتحوّلة في آنٍ واحد، تفرض علينا طرح تساؤلات عدة، من قُبيل: هل تل رفعت ومنبج ضمن المساومات ومقايضات مقابل إدلب، وما هي أهمية تل رفعت لثلاثي أستانة روسيا وإيران وتركيا؟ ثم هل حسمت كلاً من إيران وحكومة دمشق موضوع تل رفعت لاستثمارهما وجود مهجري عفرين والشهباء ومخيماتهم وقوات تحرير عفرين لمصلحتهما؟ وهل التهديدات التركية التي نراها اليوم تشكل خطراً على أمن مدينة حلب بشكلٍ عام؛ وعلى نُبل والزهراء بشكلٍ خاص؟
تُشير التحركات الميدانية لقوات النظام وحلفائه في جبهات إدلب وتل رفعت وشيراوا ومنطقة الباب ومنبج، وبالمقابل استمرار تدفق جيش المحتل التركي؛ إلى احتمالية حدوث تصعيد عسكري آخر وانهيار اتفاق وقف إطلاق النار في الشهباء، كونها منطقة خفض تصعيد بموجب اتفاقية مبرمة بين كلاً من روسيا وتركيا في عام 2018 والتي انقلبت بضغوطات إيرانية في بدايات عام 2019 إلى اتفاق إيراني روسي، وذلك لحرص إيران على مصالحها ومصالح النظام السوري؛ لتبدأ تركيا فيما بعد بالمراهنات على عامل الوقت واللعب على حبال الخلافات والتناقضات الأمريكية الروسية واستغلالها واقتناص نقاط ضعف أي منهما، عبر توجيهها التهديدات المباشرة باقتحام تل رفعت ومنبج وفق تصريحات وتهديدات أردوغان وحكومته؟..
وبالمقابل فإن المعطيات الميدانية التي نجدها ونتابعها على الأرض في كلاً من جبهات منطقة الباب وجبهات ناحية تل رفعت وجبهات قرى شيراوا المطلة على مدينتي نبل والزهراء والتي تعتبر الخاصرة الرخوة لمدينة حلب نظراً لوقوعها تحت سيطرة عدة مجموعات مصنفة إرهابياً والتي تعتبر منطقة خفض تصعيد ووقف إطلاق نار ضمني وهش بين كلاً من روسيا وتركيا مبني على تحقيق المصالح المتبادلة بينهما في عدة أمور لسنا بصدد ذكرها الآن، والتي تقف إيران ضدهما في كلاً من منبج وتل رفعت؟!…
وبالمقابل يتخوف مهجرو عفرين المحتلة القاطنين في رقعة جغرافية “تل رفعت” وما حولها، وأهالي ومهجري الشهباء وشيراوا، من توصل أنقرة وموسكو إلى اتفاق شبيه بذلك الحاصل في عفرين، مطلع عام 2018، حينما سحبت روسيا عناصرها من المنطقة، وفسحت المجال للغزو التركي، مقابل ممارسة تركيا نفوذها وسلطاتها على المجموعات المرتزقة وإجبارها على الانسحاب من الغوطة الشرقية وحمص؛ ناهيك بأن مدينة منبج بشكل عام، وجبهة ناحية عريمة التابعة لمنطقة الباب، بشكل خاص، يتنافس عليهما كلاً من الروس والإيرانيين والأمريكان والبريطانيين والفرنسيين وكل تبعاً لمصالحه!.
أهمية تل رفعت بالنسبة لمحور أستانة الثلاثي روسيا وإيران وتركيا
تقع مدينة تل رفعت شمالي مدينة حلب، والتي تبعد عن الحدود التركية حوالي خمسة وثلاثين كيلو متراً؛ في مثلث تتوزع فيه قوات ضامني آستانة؛ أي كلاً من روسيا وإيران على الأرض السورية، إضافة للوجود الكردي المتمثل بأهالي الشهباء وبمهجري عفرين والذي يبلغ تعدادهم في تلك الرقعة الجغرافية المعروفة بالشهباء وشيراوا أكثر من مئة ألف نسمة….
وتتوزع على نقاط مراقبة روسيّة وسط انتشار قطعات لقوات النظام المطعم بقوات إيرانية، ومجموعات محلية موالية لهما، وقوات تحرير عفرين على طول جبهات الباب والشهباء وشيراوا، مع الجيش التركي ومرتزقته المسلحة.
وتشكل تل رفعت والجبهة الممتدة من بلدتي نبل والزهراء، وصولاً لريف الباب ومنبج، منطقة استراتيجية لكلاً من إيران وروسيا وتركيا معاً، لذلك تحاول روسيا إعادة فتح الطرق التجارية والسيطرة على معبر باب السلام في إعزاز؛ وهنا يشكل طريق غازي عنتاب – حلب أهمية قصوى لها.
في حين تحاول إيران الحفاظ على نفوذها في مدينة حلب وريفها بشكل عام؛ وفي بلدتي نبل والزهراء اللتان تشكلان نقطة ارتكاز لها، للتغلغل في حلب والوصول لإدلب بشكل خاص.
أما فيما يخص تركيا فإنها تراوغ وتحاول قدر المستطاع، عبر ترويجها المتكرر لمهاجمة تل رفعت، لإعادة شحن المرتزقة الموالية لها، والتي شاركت في غزو عفرين وسري كانيه؛ وكري سبي/ تل أبيض، وشاركت في التدخل في كل من ليبيا وأذربيجان مقابل إعادة تركيا سيطرتها على مناطق بريف حلب وشمال وشرق سوريا، وضرب المشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا ومحاولة إبادته بكل السُّبل الممكنة بغض النظر عن مشروعيتها؛ وتصدير أزماته السياسية والاقتصادية الداخلية إلى دول الجوار.
تداخل مصالح ثلاثي أستانة في ريف حلب الشمالي وإدلب
 يفتح تداخل مصالح ثلاثي أستانة الباب لاحتمالات عدة في شمال غرب وشرق سوريا؛ وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال الذي يفرض نفسه علينا ألا وهو:
 ما هو موقف الحكومة السورية وإيران من مخاوف أهالي الشهباء، ومهجري عفرين قسراً وقوات تحرير عفرين ونبل والزهراء من جراء التهديدات التركية؟
إن الوضع في الشمال السوري تُسيطر عليه توازنات مُحكمة ودقيقة مبنية على تبادل المصالح فيما بين روسيا وتركيا وإيران؛ لذلك أستبعد كل الاستبعاد حدوث أي مساومات بين أطراف الصراع في إدلب على حساب مناطق أخرى، وخاصةً تل رفعت نظراً للمصالح السياسية والعسكرية التكتيكية، التي تجمع هذه القوى لمواجهة التمدد التركي ومرتزقته، الهادف لتنفيذ بنود الوثيقة المليّة وإعادة أمجاد الخلافة العثمانية….
وبما إنني من أهالي الشهباء ومطّلع على أرض الواقع ميدانياً وقريب من تل رفعت؛ فإنني أرى بأن إيران والنظام السوري هما المستفيدتان من وجود مهجري عفرين والشهباء في تل رفعت وما حولها من جهة! ومستفيدتان من مخيمات النزوح الخمسة في الشهباء من جهة ثانية! ومستفيدتان من تواجد قوات تحرير عفرين من جهة ثالثة!
وللعلم؛ فإن انتشار قوات الحكومة السوريّة في تلك المنطقة جاء بفضل الدعم الإيراني العلني، عسكرياً وسياسياً ولوجستياً، واستقوائها على أهالي عفرين والشهباء المهجرين قسرياً والذين تشبثوا بصمودهم في مناطق الشهباء، بالقرب من عفرين ومن باقي مناطق الشهباء المحتلة، رغم عدم رضاء الروس بذلك في بداية الأمر؛ إضافة لتهرب تركيا من التزاماتها بتنفيذ بنود ومخرجات أستانة بما يخص منطقة خفض التصعيد في إدلب؛ لذلك أرجح بأن مسألة أمان وسلامة تل رفعت ومحيطها قد حُسمت منذ بداية عام 2019، لأن إيران وسوريا قد غيرتا الاتفاق التركي الروسي في تل رفعت؛ إلى اتفاق إيراني روسي من خلال استثمارها لوجود مهجري عفرين وأهالي مناطق الشهباء وقوات تحرير عفرين كعوامل لتقوية وجودهما في المنطقة والحصول على ضمانات روسية تمنع تركيا ومرتزقتها من أي تصعيد عسكري في تل رفعت وبلدتي نبل والزهراء الشيعتين لاعتبارها خط دفاع لمدينة حلب وريفها من جهة، وأمن واستقرار مدينتي نبل والزهراء الشيعيتين من جهة ثانية؛ لذلك وصلت روسيا إلى قناعة بأن أي مقايضة أخرى مع تركيا سوف تجلب لها الكثير من المتاعب والمصاعب؛ أكثر بكثير من المكاسب التي ستحصل عليها من تركيا؛ وعلى هذا الأساس من المستبعد كليّاً إقدام روسيا إجراء أية مقايضات أو أية صفقات جديدة قد تؤدي لاندلاع حرب مباشرة بين كلاً من إيران وتركيا من جهة.
وتفسح المجال لقوى دولية أخرى الولوج والدخول إلى مناطق الشهباء، والروس بغنى عنها من جهة ثانية؛ لأن أي تقدم تركي في الأراضي السورية يعتبر إنجازاً لحلف الناتو عامةً على حساب التواجد الروسي والإيراني في الشهباء وفي منبج….
ولهذه الأسباب ليس من المرجح أي هجوم تركي على تل رفعت أو منبج نظراً لتغيير التوازنات محلياً وإقليمياً ودولياً وأممياً من جهة.
ولعدم حصول تركيا على ضوء أخضر روسي وأمريكي وإيراني إلى هذه اللحظة من جهة، وكون أن للإيرانيين دور بارز وهام في تل رفعت ومنبج من جهة ثانية، ولعدم ثقة كلاً من إيران وسوريا بانسحاب جيش الاحتلال التركي من الأراضي السورية مستقبلاً كون هناك عداء تاريخي بين إيران وتركيا؛ وإن الخلافات السوريّة التركية أعمق وأكبر بكثير من التقاربات الأمنية السوريّة التركية من جهة ثالثة!
وأستبعد كل الاستبعاد الانسحاب الإيراني من سوريا حالياً؛ أو على الأقل من حلب ومحيطها رغم كل الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية والرضى الضمني لروسيا من جهة رابعة!
وربما… أقول وربما ينقلب السحر على الساحر؛ ويحصل هجوم معاكس ضد تركيا وتحرير الأراضي المحتلة وعودة المهجّرين إلى ديارهم من جهة خامسة!
وفي الختام… ومن خلال متابعتي وقراءتي واستقرائي إلى هذه اللحظة فإنني أرى بأن إيران هي التي تقف بحزم وبقوة في وجه التهديدات التركية بما يخص منبج وتل رفعت من جهة، وعقبة في وجه تحقيق مصالح الدول الأخرى في كل ما يتعلق بمنبج وتل رفعت من جهة ثانية.
ومع كل ذلك؛ يجب أخذ كل وسائل الحيطة والحذر؛ لأن سياسات تبادل المصالح الدولية لا دين لها ولا مذهب ولا أخلاق ولا إنسانية.