No Result
View All Result
المشاهدات 2
د. علي أبو الخير _
نعلم أن المنتصر الغالب هو من يدوّن التاريخ، وعندما ظهرت الحركة النقدية في أوروبا، بدأت عملية غربلة التاريخ للوصول للحقائق التي تم الكشف عنها، وعندما تحوّلت سير صنّاع التاريخ إلى أفلام ومسلسلات، وجدناها ملتزمة الدقة التاريخية، لدرجة أعجبتنا أفلام تاريخية أوروبية أو أمريكية رائعة فنيّاً بدقة تاريخية نحسدهم عليها، مثل: “الثورة الفرنسية في جزأين – مارتن لوثر مؤسس البروستانتينية – سقوط الإمبراطورية الرومانية – سبارتكوس – كليوباترا – غزو الجنة /عن اكتشاف أمريكا الجنوبية على يد كريستوفر كولومبس/ – إليزابيث – المصري عن قصة إخناتون” وغيرها الكثير الكثير.
الدراما العربيّة التجميليّة
لو تطرقنا للأفلام المصرية أو العربية التاريخية مثل: الناصر صلاح الدين – الشيماء – فجر الإسلام – ظهور الإسلام – خالد بن الوليد – بلال – جميلة ، نجد معظمها كُتب وأُخرج وعُرض بروح الغيرة على الدين والوطنية على حساب الحقائق التاريخية، وبدون أي نقد لشخصية محبوبة شعبياً ممقوتة تاريخياً، فصار كل أبطال الأفلام مثاليين معصومين، لقد كُتبت بروعة الإيمان بدون دقة التاريخ، ربما شذّت أفلام حديثة من المأزق مثل فيلمي “الرسالة” و”عمر المختار أسد الصحراء”، وأيضاً فيلمي “ناصر 56″ و”أيام السادات” نظراً لمعاصرة أجيالنا لأحداثها.
الدراما التاريخيّة العثمانية المزوّرة
لا ننسى مسلسلين مصريين، فيهما روح الحقيقة وبعض الدقة التاريخية، وهما يخصّان الفترة التي تتحدث عن سليم الأول العثماني ومصرع القائد المصري طومان باي شنقاً على باب زويلة، المسلسل الأول اسمه “على باب زويلة” والثاني “الزيني بركات”، ولم يوجد رد فعل عنيف من الباحثين والسياسيين الأتراك عندما عُرضت، ربما رؤساء الأتراك حينها كانوا من حزب الشعب التركي الليبرالي، الذي هاجم بنفسه فكرة الخلافة ذاتها.
ولكن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” صاحب أيديولوجية سياسية عثمانية، يحاول بعث روح الخلافة من جديد، فجاءت مسلسلات تركيّة لبعث روح القومية السلطوية العثمانية السلجوقية، ثمّ إنتاج دراما، توحي للمشاهد المتلقي الكسول، أن بما يراه هو عنفوان قوة الإسلام، وهو وهم تركي في صياغة إسلامية غير نقدية، ولذلك كله فوجئنا بعاصفة من الهجوم على المسلسل المصري بإنتاج إماراتي “ممالك النار”، حتى من قبل بدء عرضه، واتهامات لصنّاعه، وعلى رأسهم كاتبه المصري المؤرخ محمد سليمان عبد المالك، وتم اتهامه بتشويه التاريخ لصالح رؤيتهم الخاصة.
في مسلسل “فاتح 1453” يتعلّق المتلقي بمحمد الفاتح، وفي “حريم السلطان” يشغف بسيرة سليمان القانوني، وفي “عاصمة عبد الحميد” ينبهر بـ”عظمة السلطان “عبد الحميد الثاني، أما في “قيامة أرطغرل” فهو يُذهَل بقوة وكفاح أرطغرل جد آل عثمان، رغم أن المسلسل الأخير فيه من الأحداث التاريخية الكاذبة الفادحة.
وأسوأ أخطاء المسلسل، التعصب للعرق التركي بطريقة فجّة، حيث يوصِل المسلسل رسالة وهو أن الأتراك هم درع الإسلام والأمة، في تجاهلٍ كبير للعرب والكرد والفاطميين والأيوبيين والمماليك الذين قاوموا الصليبين والتتار.
وأغفل المسلسل بطريقة عجيبة، دور “الكرد” التاريخي على ساحة الجهاد، فمثلاً أظهر المسلسل مدينة حلب كبلد تتبع التركمان، ولم يتكلم عن العرب أو الكرد، الذين كانوا أهل هذه البلدة أصلاً، والسبب في ذلك أن حاكمها تركي، كذلك فإن الإساءة المبالغ فيها للدولة الأيوبية والتي تجسدت في مشهدين، لا يرتقيان لمستوى الاحترام، وهو نفس التناول الذي كان للأيوبيين والعرب والدولة العباسية التي كان السلاجقة يحترمونها، وأغفل المسلسل مرحلة جلال الدين منكبرتي وفلول الخوارزميين، الذين قاموا بالجهاد ضد بقايا الصليبيين والتتار في نفس منطقة إقامة قبيلة قايي، وغيرها من أخطاء، حيث جعلوا من سلاطينهم أئمة بالحق الإسلامي، مُقدسين، حتى لو وصلوا للحكم بقتل الآلاف وتصوير الغزو بأنه فتح، رغم أن الفتح يكون لبلد غير مسلم.
ووصل الأمر إلى حدٍ أن لو تجرّأنا نحن المهتمين بالتاريخ المدوّن على نقد شخصية سبق أن قدمت لها الدراما التركيّة صورة لامعة مضيئة، لوجدنا أنفسنا في مرمى سهام المتأثرين بتلك الصورة، بينما أغلبهم لا يعرف شيئًا إلا من خلال مسلسل أو فيلم تركي، وكان المفترض للأمانة العلمية والتاريخية أن يحترم المخرج والمنتج عقول الناس ويقدمون هذه الشخصية أو تلك بصورتها العقلية لا الإيمانية المزيفة، وليست الدراما العثمانية فقط، بل الدراما والأفلام العربية أيضاً.
التاريخ الحقيقي للعثمانيين
التاريخ يُعرّفنا أن غزوات العثمانيين كانت للغزو والنهب والسرقة، وعندما يسيطرون على دولة المماليك، فإنهم يحصلون على شرعية الخلافة العباسية الاسمية، بعد أن يحتلوا أرض الحجاز المُقدس والدعاء لهم على منبر الرسول ومنبر الكعبة، وهي شرعية روحية حصل عليها العثمانيون بعد انتصارهم على قنصوة الغوري في “مرج دابق” وفي الريدانية قرب القاهرة عام 1517.
وقد حاول الأتراك منذ بضع سنين تكذيب مذبحة الأرمن، وأنتجوا فيلماً اسمه “الضابط التركي” تم تصويره في هوليود بأمريكا، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، لأن المتلقي الغربي عموماً يشاهد الأعمال التاريخية بعقله وعينه أيضاً.
وفي النهاية نقول إن التاريخ لا يكذب، قد يتجمل في دراما مصرية، ولكنه مزوّر تماماً في الدراما التركيّة العثمانية.
No Result
View All Result