الدلالات الأمريكيّة والتبريرات العربية في حضور “زيلينسكي” القمة العربية

د. علي أبو الخير_

استغرب ودُهش الجميع بسبب حضور الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) مؤتمر القمة العربية الذي عُقد في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، والاستغراب والدهشة بسبب الميول الشعبية والرسمية العربية للجانب الروسي من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم إغفال حاجة بعض الدول العربية للقمح الأوكراني، وبسبب ذلك جاءت مواقف معظم الدول العربية على الحياد، وهو حياد سلبي كما تراه روسيا وأوكرانيا معاً، وربما تفهّم الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) هذا الأمر، وتفهّم أكثر حضور الرئيس الأوكراني مؤتمر القمة العربية، وقدّر مدى قوة الضغط الأمريكي على دول الجامعة العربية.

والحقيقة المسكوت عنها (كما نرى) أن الدولة الأمريكية ضغطت على السعودية لحضور (زيلينسكي) بشخصه، ليبدو للعالم بأن كل دول العرب تقف مع الشعب الأوكراني ضد العدوان الروسي، ونلاحظ أن الرئيس الأوكراني ألمح إلى هذه الحقيقة، عندما اتهم في المؤتمر الرئيس الأوكراني بكل صراحة، بعض القادة العرب بـ “غض الطرف” عن الغزو الروسي لبلاده، وهو اتهام مُقنّع، وربما هو يقصد سوريا والعراق والجزائر، لكنه في النهاية استفاد معنوياً وإعلامياً وسياسياً من حضوره المؤتمر.

التبرير السعودي/ العربي لحضور زيلينسكي

من المؤكد أن أمريكا تضغط على كثير من دول العالم لحضور زيلينسكي مؤتمرات عالمية، حضر مؤتمر حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ثم القمة العربية في السعودية، ومنها لقمة الدول السبع في اليابان، وهو تسويق إعلامي أمريكي قبل أن يكون سياسياً، وذلك أيضاً محاولة لحصار روسيا والرئيس بوتين بصورةٍ خصوصية، وتركت الولايات المتحدة لكل رئيس قمة بتبرير دعوتها لزيلينسكي.

من هذا المنطلق الأمريكي، حاولت المملكة العربية السعودية تبرير موقفها من دعوة زيلينسكي، عندما أوضح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أن دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لحضور القمة العربية في جدة، كان من باب “سماع وجهات نظر جميع الأطراف في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا”، وقال وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحفي أعقب أعمال القمة: “دعوتنا لفخامة الرئيس زيلينسكي، هي من باب سماع وجهة نظر جميع الأطراف… واتخذت الدول العربية منذ بداية الأزمة موقف الحياد وليس الحياد السلبي بل الحياد الإيجابي… كنا منخرطين في فتح الحوار مع الطرفين، أملاً في أن نستطيع الوصول إلى سبيل يفتح الباب للحل من خلال الحوار… وقناعة كل الدول العربية أن هذه الأزمة لن تُحَل إلا بالحوار، والحوار بالتأكيد بين طرفي النزاع الرئيسيين وهما روسيا وأوكرانيا، وهذا يستوجب التواصل مع الجميع والسماع من الجميع… ولا شك أننا حريصون كل الحرص على علاقتنا مع أوكرانيا، وكل الدول العربية تقريباً لديها علاقات ممتازة مع أوكرانيا، تسبق هذه الأزمة، كما أننا حريصون ومهتمون بالحفاظ على علاقتنا مع روسيا، التي أيضاً أغلب إن لم يكن كل الدول العربية لها علاقات مهمة مع روسيا… والواقع أن هناك أزمة، هناك حرب لا بد أن نجد سبيلاً لإنهائها، وهذا لن يكون إلا بالانفتاح على سماع جميع الأطراف وجميع الأصوات… وأن الرئيس الأوكراني أُتيحت له الفرصة لمخاطبة الجامعة العربية وقد كان حريصاً على الحضور ليسمع منه العرب ونحن كنا حريصين على أن نسمع منه كما أننا حريصون على أن نسمع من الجميع…”، انتهى ما قاله وزير الخارجية السعودي بعد اختصاره، ومن الغريب أن كل الدول العربية وغير العربية تعرف المطالب الأوكرانية، ومنها وقف روسيا الحرب، والحقيقة أن شخصية زيلينسكي تُبدي الظهور للرئيس الأوكراني كمدافع فقط عن حرية الشعب الأوكراني… بغض النظر عن الحلم الأمريكي في إسقاط الدولة الروسيّة كما فعلت مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان…

ومن أجل عدم إغضاب الرئيس الروسي، حيث تحاول السعودية وقف الغضب، تلقت رسالة من الرئيس بوتين لمؤتمر القمة، قال فيها إن موسكو مهتمة بتطوير “العلاقات الودية مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، وأن بلاده مهتمة بـ “تعزيز الشراكة” مع الجامعة العربية، ولقد رحب وزير الخارجية السعودي برسالتي بوتين والرئيس الصيني (شي جين بينغ)، الموجهتين إلى القمة، في المؤتمر الصحفي نفسه.

ولكن نلاحظ في رسالة بوتين أنه قال إن موسكو مهتمة بتطوير العلاقات مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي عبارة مطاطة، لأن الشرق الأوسط يضم دولاً غير عربية، مثل تركيا وإيران، أي أن بوتين لم يقف عند نقطة النظام العربي وحده، وهو ما نراه يكتم غضب الدب الروسي.

وملاحظة أخرى، أن الوفود العربية لم تُرحب الترحيب الكافي بالرئيس الأوكراني، كما فعلت مع الرئيس السوري بشّار الأسد، وتركت تبرير حضور زيلينسكي لوزير الخارجية السعودي بصفة أن السعودية هي رئيس مؤتمر القمة العربي الحالي..

وفي النهاية خرجت القمة العربية بتوصيات وقرارات أهمها دعم العمل العربي المشترك وإطفاء الفتن والحروب داخل بعض دول العرب… وكان الله في عون المظلومين في فلسطين وسوريا وكل الشعب الكردي، لهم الله، ومنّا الدعاء.