No Result
View All Result
المشاهدات 19
إعداد/ دعاء يوسف_
ماذا إن أصبح عمري ثلاثين، ولم أتزوج، ولماذا علي أن أجري وراء القطار حتى لا يفوتني، أَمِنَ الضروري أن أتزوج؛ فقط كي لا ألقب “بالعانس”؟!، هذه الكلمة التي تحمل في طياتها الإجحاف كله، والظلم لمكانة المرأة، والتمييز بينها، وبين الرجل، الذي إن تأخر في الزواج لا يُقال عنه ذلك، بل توضع له المبررات الكثيرة وراء تأخره في الزواج.
وبالرغم من هذا اللقب، وما يرافقه من نظرة الشفقة والحزن، إلا أن الكثير من الفتيات لا يرغبنَ بالزواج بمحض إرادتهنّ، بالرغم من أن القطار المزعوم لم يفتهن، ومازال الطلب عليهن، فمازلن الأمل المرغوب، ومع ذلك فإنهن يفضلنَ تحقيق طموحاتهنّ التعليمية، والاجتماعية، والاقتصادية، والوظيفية وحدهنّ، لأن الزواج ليس الطموح الأساسي، ولا من الأولويات، التي يفكرنَ بها.
وحتى أن فاتهن قطار العمر، لماذا عليهن حمل لقب “العانس”، الكلمة، التي تحمل في حروفها اعتداء صارخاً على مكانة المرأة في المجتمع؛ لأن الصحيح تسميتها بـ “عزباء” بدلاً من “عانس”، وقد تستغرب، لماذا لا يُوجه هذا اللقب للرجل الذي تأخر زواجه، والاكتفاء بأنه “لا يريد الزواج”؟
لقد وضع المجتمع قيوداً على زواج الفتاة، منها أن تكون متعلمة، ومثقفة، ويجب أن يكون هناك فارق عمر كبير بينها، وبين الرجل لا يقل عن خمس سنوات، فالنساء تكبر قبل الرجال، والفكرة المزعومة المطردة بالأزمنة والعصور كلها ومنذ الأزل: أن المرأة زهرة، لكنها تذبل بسرعة؛ لذلك على الرجل قطفها، وهي صغيرة، وهذا ما شجع تزويج الفتاة قاصراً.
وقد ترضخ المرأة لتكون الزوجة الثانية، أو لزواج مدبَّر من شخص، قد لا تجده فارس أحلامها، إلا أنها تراه أفضل من نيل وسام العانس، فقد أصبحت على مشارف الثلاثين، ولم تتزوج بعد، “ظلّ راجل ولا ظل حيطة”، “الرجّال لو فحمة رحمة”، وغيرها من الأمثال الشعبية، التي تعدها مجتمعاتنا نصوصاً مقدّسة، على المرأة التقيد بها، وعدم دخول السن المحرّم، وهي في منزل والدها عزباء.
تستمرّ حياة الفتاة، التي شارفت بمشارف الثلاثين، بشكلها البائس الذي يسعى للهروب من بؤس إلى بؤس خوفاً من البؤس، ففي زمنٍ تحاول المرأة بشتى الطرق رفض النظرة المشفقة لها، وهنا تساهم كلمات في قواميس اللغة العربية اخترعها المجتمع، حسب عقليته الذكورية في بقائها بمكانها المعهود: غرفة النوم والمطبخ.
ولكن لو أزلنا كلمة عانس من قاموس المجتمع؟ أنها ليست بعانس، فالمرأة لا تذبل، بل تبقى زهرة فواحه، والعمر فيما يتعلق بها مجرد رقم تتجاوزه، وعندما تؤمن بهذه الفكرة، تصبح امرأة حرة من تقيدات المجتمع البالية.
وتظل الفتاة رمزَ الطهر والجمال، ومركزَ سحر الكون، وسرَّ جمال الحياة، وسيرورتها، وفي كمال زينتها، وهذا ما لخصة الشاعر عنترة بن شداد العبسي حيت قال:
وَلـــَولا فَتــاةٌ في الـخِيــامِ مُقيمَةٌ
لَما اِختَرتُ قُربَ الدارِ يَوماً عَلى البُعدِ
مُهَـفهَفَـةٌ وَالسِحـــرُ مِن لَحَظــاتِـها
إِذا كَلَّمَــتْ مَيــتاً يَقــومُ مِنَ اللَــحدِ
أَشارَت إِلَيها الشَمسُ عِندَ غُروبـِها
تَقولُ إِذا اِسوَدَّ الدُجى فَاِطلِعي بَعدي
وَقالَ لَها البَدرُ المُنيرُ أَلا اِسفِري
فَإِنَّكِ مِثلي في الكَمالِ وَفي السَعدِ
فَوَلَّت حَـــياءً ثُمَّ أَرخَـــــت لِثامَها
وَقَد نَثَرَت مِن خَدِّها رَطِبَ الوَردِ
وَسَلَّت حُساماً مِن سَواجي جُفونِها
كَسَيفِ أَبيها القاطِعِ المُرهَفِ الحَدِّ
تُقاتِــلُ عَيناها بِــهِ وَهوَ مُغــــمَدٌ
وَمِن عَجَبٍ أَن يَقطَعَ السيفُ في الغِمدِ
No Result
View All Result