دجوار أحمد آغا
منذ نشوء الخلق، والأم تقوم بدورها الكبير بناء الإنسان، فهي تحمله جنيناً في أحشائها تسعة أشهر، ومن ثم الولادة وما تحمله من أوجاع، وفي الكثير من الحالات، تفقد حياتها خلال عملية الولادة، التي قد تكون في بعض الأحيان غير طبيعية بل عملية جراحية قيصرية، ثم تقوم بإرضاع الطفل مدة سنتين على أقل تقدير بالإضافة الى الاعتناء به في الغسل والملابس والنظافة وغيرها، لتبدأ بعدها رحلة التربية والتعليم مثل الشمعة التي تذوب لتنير دروبنا.
يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم: “الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعباً طيب الأعراق”، نعم الأم مدرسة تقوم بتلقين الطفل أولى الكلمات، بل أولى أحرف النطق الصحيح، كما تقوم بزرع الأخلاق القائمة على المحبة والاحترام والتواضع والحكمة والشجاعة في نفس الطفل الذي يكبر بها، ويتزود في معترك الحياة، صحيح أن من فقد أباه يصبح يتيماً، لكن اليتيم الحقيقي هو من فقد أمه، فالأم لا تتعوض إطلاقاً ومهما قدمنا لها، لا يمكننا أن نوفيها حقها، وقد صح قول الرسول صلى الله عليه وسلم للذي جاءه يستأذنه في الغزو معه، وله أم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الزمها فإن الجنة عند رجلها”.
عيد الأم حول العالم
الكثير من دول العالم خصصت يوماً من أيام السنة عيداً للأم وتقديراً لدورها الكبير وتضحيتها المستمرة والمتواصلة من أجل العائلة بأكملها، معظم دول العالم خصصت أياماً من شهر أيار آخر شهور الربيع (آذار، نيسان، أيار) عيداً للأم، فنرى مثلاً أن (إسبانيا، والبرتغال، والمجر “هنغاريا”، وجنوب أفريقيا)، جعلت الأحد الأول من أيار عيداً للأم، بينما الكثير من دول العالم ومن مختلف القارات مثل (ألمانيا، والنمسا، وسويسرا، وهولندا، وفنلندا، وتركيا، واليابان، وكندا، وأستراليا، والبرازيل، وإيطاليا، وبلجيكا، والدانمارك)، تحتفل بعيد الأم في الأحد الثاني من شهر أيار. بالمقابل نرى المكسيك تحتفل في العاشر من شهر أيار بعيد الأم المكسيكية، بينما الولايات المتحدة الأمريكية تحتفل في 12 أيار يوماً ثابتاً وعيداً للأم الأمريكية، أما الهنود فيختلفون عن بقية دول العالم في الاحتفال بعيد الأم، حيث يستمر هذا الاحتفال مدة عشرة أيام بدءاً من 12 أيار ويطلقون عليه اسم “درجا بوجا”.
تبقى بعض الدول حول العالم التي يختلف تاريخ احتفالها بعيد أو يوم الأم حسب الأحداث التي جرت فيها أو المناسبة، التي أدّت الى اعتبار هذا اليوم عيداً للأم، فمثلاً في بريطانيا يتم الاحتفال به يوم الأحد الأخير من شهر آذار، بينما في النرويج يحتفلون في شهر شباط بعيد الأم، أما السويد فقد جعلت من آخر أحد من شهر حزيران عيداً للأم السويدية، بينما فرنسا جعلته أول أحد من حزيران عيداً للأم الفرنسية.
عيد الأم في البلدان العربية
أما البلدان العربية، فالمغرب وتونس والجزائر تحتفل به في الأحد الثاني من شهر أيار مثلها مثل أغلبية دول العالم، بينما بقية الدول العربية فتعود قصة احتفالها بعيد الأم الى زيارة امرأة مصرية مقر صحيفة “أخبار اليوم” المصرية، التي أُسِّست في العام 1944 على يد الأخوين “علي ومصطفى أمين”، خلال زيارة المرأة المصرية الى مكتب الأخوين أمين، روت لهما قصة حياتها ومعاناتها وكيف أنها ترمّلت باكراً، إلا أنها لم تتزوج وبقيت ترعى أولادها وتهتم بهم الى أن كبروا وتخرجوا من الجامعات، وقتها خطرت للأخوين أمين فكرة تخصيص يوم للأم عيداً لها وعربوناً عن تضحيتها وتفانيها من أجل أسرتها، نشر هذا المقترح في صحيفتهم أخبار “اليوم” الواسعة الانتشار، ولاقى المقترح تأييداً كبيراً وتم اختيار يوم 21 آذار عيداً للأم وتم الاحتفال به لأول مرة في العام 1956، لكن الى الأن لا نعلم سبب اختيار يوم 21 آذار لهذه المناسبة؟ علماً بأن سوريا كانت قد اختارت يوم 13 أيار يوماً وعيداً للأم السورية، وقد صدر طابع بذلك في العام 1955 أي قبل ذلك بسنة.
عيد الأم السورية
سوريا مثلها مثل بقية دول وشعوب العالم اختارت يوم 13 أيار ليكون عيداً للأم السورية، هذا اليوم الذي يأتي في سياق متناسق مع معظم دول العالم التي جعلت من أيام شهر أيار عيداً للأم، وقد قامت الحكومة السورية في عهد رئيس الجمهورية السورية هاشم الأتاسي خلال ولايته الثالثة عام 1955 بإصدار طابع بريدي بتاريخ 13 أيار 1955 مكتوب عليه في الأعلى الجمهورية السورية وفي الوسط صورة لأم تحمل طفلها ومكتوب على أسفل الصورة يوم الأم السورية، وتحته تاريخ 13 أيار 1955 وثمن الطابع وقتها 35 قرشاً سورياً.
أحداث 1986 في دمشق
والكرد في مختلف أرجاء العالم سواء داخل الوطن المقسّم، أم خارجه، يحتفلون كل عام بيوم 21 آذار عيد النوروز الذي هو العيد القومي، وفي كل عام كانت دوماً هناك اضطرابات وأحداث عنف وهجوم من قوى الأمن في معظم المناطق داخل الوطن من جانب قوات الأنظمة المحتلة لكردستان. سوريا لم تكن استثناء، ولكن كان فيها هامش صغير يسمح بالخروج الى الاحتفال ضمن حصار من جانب القوى الأمنية ووفق أماكن هم يحددونها.
ليلة 20 آذار 1986 وفي العاصمة السورية دمشق، خرج الآلاف من الكرد من مختلف المناطق باتجاه قصر الرئيس من أجل المطالبة بالسماح لهم بالاحتفال بعيد النوروز دون مضايقات أمنية. ولدى اقتراب المتظاهرين من القصر، تم إطلاق النار عليهم من الحرس الجمهوري؛ ما أدى الى استشهاد الشاب سليمان أدي وجرح العديد من المتظاهرين. حمل الكرد شهيدهم وساروا في شوارع دمشق، هيئة الاذاعة البريطانية الـ BBC وإذاعة مونتي كارلوا الدولية وصوت أمريكا تحدثوا عن الواقعة التي جرت في دمشق. ورغم محاولة السلطات إرضاء الكرد وتخصيص باصات النقل الداخلي لنقلهم إلى مكان الاحتفال، إلا أن الكرد رفضوا ذلك ولم يردوا على نداءات السلطات السورية.
إصدار مرسوم جمهوري باعتبار 21 آذار عيداً للأم
النظام السوري العنصري بحق شعوب سوريا والكرد على وجه الخصوص، وكما قام من سبقه من البعثيين الشوفونيين الذين أقاموا “الحزام العربي” وأجروا “إحصاء 1962” في الحسكة وحدها حيث جرّدوا عشرات الآلاف من الكرد من الجنسية السورية، قام بدوره بإصدار مرسوم جمهوري تحت الرقم 104 عام 1988 باعتبار يوم 21 آذار عطلة رسمية في البلاد، ولكن ليس عيداً لنوروز القومي للكرد، بل عيداً للأم! أي أنه نقل عيد الأم السورية من 13 أيار الى 21 آذار من أجل تمييع هذا اليوم، وإلهاء الناس بمناسبة عيد الأم بعيداً عن عيد النوروز العيد القومي المقدس لدى الكرد.
سيبقى النوروز نوروزاً
لن يستطيع أحد أن يُفقد النوروز قيمته لدى الكرد بالدرجة الأولى، وبقية شعوب الشرق الأوسط الذين تعرّفوا على قصة عيد النوروز ومعاناة الشعب الكردي من ظلم الطغاة وكيفية التحرر من هذا الظلم والاضطهاد. النوروز هو ميلاد يوم جديد وانبعاث الحياة مرة أخرى بعد أن سعى الطغاة إلى إبادتها وإنهاء وجودها.
الكرد يلتفون حول شعلة النوروز الخالدة مثل نار “بابا كركر” في كركوك، مثل النار التي أشعلها كاوا الحداد فوق قصر الظالم والطاغية ضحاك معلناً قتله لترتفع النيران فوق قمم الجبال إيذاناً بميلاد فجر جديد. مثل ألسنة اللهب التي أشعلها كاوا العصر “مظلوم دوغان” في جسده الغض بثلاثة أعواد ثقاب. سيبقى النوروز نوروزاً ما دام هناك كردي واحد يعيش في نطاق هذا الكون.
ويوم الأم عيد للأم
فعلينا جميعاً أن ندرك جيداً ونعي خطورة أن نعايد أمهاتنا في عيد النوروز باعتباره عيداً للأم، أساساً كل أيام السنة يجب أن تكون عيداً للأم ولا تكفي لرد أفضالها علينا، يجب أن ننظر الى الأمر من ناحية السعي لطمس معالم الهوية الكردية، وإفقاد الرمز الكردي القومي “عيد النوروز” قيمته وتفريغه من محتواه المقدس.
وعلينا أن نعيد زرع يوم 13 أيار عيداً لكل الأمهات السوريات من مختلف الشعوب، وأن نعيد الاعتبار لهذا اليوم الذي كانت الجمهورية السورية تحتفل به منذ العام 1955 وإلى أواسط ثمانينات القرن الماضي. عيد الأم ويوم الأم السورية هو 13 أيار، وليس 21 آذار، لا بد لنا جميعاً من التركيز على هذا الأمر، وإعادة إحيائه من جديد.