قامشلو/ دعاء يوسف –
امرأة تعيد صناعة القش المنسية، وتحيي صناعاته اليدوية، حرفة تراثية تتحدى الزمن، فتعود للظهور في معارض الأعمال اليدوية في قامشلو، فمنذ ولعها بألوان خيطان الصوف في الصغر، بدأت قصتها مع صناعة القش التي تمرست في العمل بها، في محاولتها مقاومة اندثاره.
ازدهرت خلال فترات سابقة في سوريا بعض الصناعات اليدوية، التي صارت منتجاتها جزءاً من التراث الشعبي السوري، وغدت مهناً تتوارثها الأجيال، ويبدو أن موجة العودة إلى القديم، أعادت إحياء منتجات شارفت خلال العقود الأخيرة على الانقراض.
ضمن هذه المنتجات الحرفية العائدة إلى الساحة مصنوعات القش، ولكن من خلال أشكال مستحدثة لتتناسب مع الحياة العصرية، بعدما حوّلتها أيادي صناع مهرة إلى أطباق ملونة، وأدوات منزلية جذابة، وفي الآونة الأخيرة برزت حرف يدوية عدة متصلة بالقش، تتميز بأشكالها الإبداعية، وقد عادت هذه الحرفة القديمة إلى الظهور من جديد في معارض الأعمال اليدوية، ومنها تلك التي كانت سائدة في معظم الأرياف السورية، وفي أحياء المدن العتيقة.
حيث شاهدنا هذا الفن يزين صفوف المعارض المقامة لنساء في إقليم الجزيرة، فقد نشرت سلال، وأدوات الزينة على طاولة صغيرة في معرض ضم منتجات لصناعة القش، تعرضها امرأة في الأربعين من عمرها، فكان لجريدتنا “روناهي” لقاء مع “ذكرى نواف حسين”، امرأة أحيت أناملها حرفة شارفت على الاندثار.
صناعة القشِّ حرفة الأجداد التراثية
تعلمت ذكرى حياكة الصوف منذ نعومة أظفارها، فقد عشقت ألوان خيوط الصوف الزاهية، فصنعت الملابس الصوفية، ولكنها شغفها لم يتوقف هنا، فعندما سنحت لها الفرصة بتعلم حرفة القش، تعرفت على أسرارها خلال مراقبتها لجدتها، وهي تصنع من عيدان القش سلالا جميلة، بادرت في المشاركة في الدورات التعليمية، التي تنظمها المنظمات، لتتعلم حرفة تراثية شارفت على الاندثار.
وقد حدثتنا “ذكرى نواف حسين” عن تعلمها صناعة القش: “عندما تواجدت في معارض عدة للأعمال اليدوية، والمهن التراثية لاحظت غياب صناعة القش، مع العلم، أنها من الحرف التراثية، التي اشتهرت بها المنطقة، لذلك عندما سنحت لي الفرصة بتعلم القش في دورة تدريبية نظمتها جمعية البر والإحسان، فكنت من الأوائل في التعلم، لأني كنت أشاهد جداتي تصنع السلال في الماضي”. وقد كرمت الجمعية ذكرى بمقدار من القش، الذي ساعدها في صناعة الحرف اليدوية المعروضة.
هذه الصناعة التي يمكن القول: أنها انقرضت بفعل دخول الحصادات، وصعوبة إيجاد القش، بقيت طريقتها محفوظة في أذهان الكثيرات، ومنهن ذكرى التي هيأت العدة، وباشرت منذ عامين عملها، بعد أن سنحت لها الفرصة بتعلم ما كانت تشاهده في الصغر، وتقول: “في تجربة أولى صنعت ما يسمى قفة، وهي وعاء يشبه السلة مصنوعه من القش الطبيعي، رائحته زكية؛ لأن عيدانه طبيعية لم تخلط بأي مادة كيماوية، وأحرص أن تكون رطبة لسهولة اللف، حيث أجمع سيقان القش وفق الرغبة، والحجم وأصبغها، و ألف عليها عيدان أخرى للحصول على الشكل الجميل، والمتين بعمل دائري أصممه وفق الحاجة، وعلى طريقة الجدات، التي كنت أشاهدها منذ قرون مضت”.
مَعلمٌ تراثي
وتبين ذكرى، أن هذه الصناعة اليدوية تعد تراثاً شعبياً دائماً تتناقله الأجيال، ليصبح تحفاً فنية أثرية نادرة في المتاحف والبيوت: “تشكل صناعة سلال القش جزءاً من هذا التراث، الذي يمزج المهارة، بالكد، والتعب، والعرق مقدماً هذه المنتجات الجميلة، التي تفوح منها رائحة التاريخ”.
ونوهت ذكرى إلى أن عدد العاملين في هذه الصناعات حالياً قد انخفض كثيراً؛ بسبب؛ انخفاض أسعار هذه المنتجات، وقلة من يقتنيها، وعدم توفر القش اللازم لصناعتها في مناطق إقليم الجزيرة.
الأيادي الماهرة تحافظ على المهنة
إلا أن هذه الصناعة أي أعمال القش، فنّ يمكن عمله في المنزل، كقطع للزينة، وسلال للحلوى، والكعك، والورد، والضيافة، وأيضاً سلال للنفايات، والألعاب، وعلب للأقلام، وحقائب، وعلب مكياج، وغيرها من الإنتاج، الذي لا يخلو منزل منها.
وقد أوضحت ذكرى أن صناعة السلة الواحدة تستغرق منها أربع ساعات، حيث يتم تجميع الخيوط من القش، وتنظيفها، ليتم تشكيل السلال بدقة عالية لتظهر بالشكل المناسب، وتعمل على تزيينها بخيطان الصوف، والألوان الزاهية، فتناسب العصر الحالي.
وذكرت ذكرى أنها تصنع السلال بأحجام مختلفة حسب الطلب، لتناسب جميع أذواق الزبائن، الذين يحرصون على شراء المشغولات اليدوية التراثية، بالرغم من قلت زبائنها، تؤكد ذكرى في ختام حديثها، أن العمل في القش يبقى على الوتيرة نفسها في حياتها اليومية، “لو بقيت أصنعها لبيتي فقط”.
يذكر أن الكثير من الشبان، والشابات يحاولون إعادة إحياء بعض الأعمال، والحرف اليدوية، التي أصبحت مهددة بالزوال، ولا تجد محاولاتهم أي دعم، باستثناء بعض المحاولات الخجولة، التي لم تتمكن حتى اليوم من تخطي حاجز التسويق، وتأمين مستلزمات الحرفة الأولية بالأسعار المناسبة.
