شيرين باران “ابنة الشمس” فنانة التضاد اللوني.. والوضوح

آراس بـيـرانـي_

اللون ذاك الساحر، الذي يمنح الأشياء حقيقتها، يمارس لغته بصمت، وبكثير من الحميمية يتغلغل في حواسنا البصرية دافقاً بعيداً عن أي حيادية.

الإنسان، وخلال معاشرته ألوان الطبيعة، منح لكل لون وقاره وصفاته، وتعابيره، ورموزه، فالأسود المحتشم الوقور، والأبيض الواضح النقي، والأحمر المارق الثائر، والأصفر الغيور، والبنفسج الأنيق، والأزرق المتحفظ، والزهري المتيقظ. ليس ثمة لون أنيق، وليس ثمة لون حزين، أو خلافه.

تلك الحالة من التضاد اللوني، وذاك الخلط أو المزج، وتلك المعادلات التي أنشأها البشر بين الألوان، ما هي إلا جزء من تاريخ اللون، وجزء من فلسفته، وهو بالكلي تاريخ للفن، وفلسفة الفن أيضاً.

تمارس شيرين باران حالة إبداعية ملونة بألوان الشمال السوري الطافحة بالمطر، والعشب، والقداسة، ودماء القرابين.

تنويعات الألوان في صياغتها تأخذنا إلى سبر أغوار المرأة، والإحساس بكينونتها، التي لم تفتقد قسوة الحياة، فألوانها تتميز بالرقة والنعومة؛ فيما أشكالها الأنثوية ساكنة، تنحدر من الأرجواني وتدرجاته، ومن ظلال زرقاء خافتة إلى الرمادي، تلك الظلال الباحثة عن الدفء، والدهشة، والإثارة، وفي تجارب مختلفة نشاهد في أعمالها حالة من المزج بين البنفسج الطاغي، والأزرق المفتوح في دلالات للصراع والتوتر، ومحاولة إضفاء روح الحوار، وخلق مسارب التلاقي للصعود نحو عتبات أكثر بهاءً، وروعة.

وللتيمة اللونية الثلاثية، ومن عمق إشراقات الأحمر، والأصفر، والأخضر المولدة لعناصر ورؤى حياتية وطنية متجذرة في عمق الأسطورة والتاريخ، فالوطن كرنفال، ومهرجان ساحر، إنه بزوغ الشمس في يوم “نوروز” تعلن شيرين باران تيمتها المزركشة بألوان الطبيعة، راية شامخة، مشرقة، رمزية لشعب قدس الشمس والطبيعة بعناصرها الأربعة، ومن تلك العناصر تنبثق أرواح غائبة من مخاض ألوان عبر ظلال وأخيلة تموجات لونية بديعة، تتوزع على مساحة اللوحة، ومن عمق الطبيعة  تمارس شيرين باران اللون فلسفة، ومنهجية وانتماء، بما يملك اللون من تاريخ، وعمق زمني مكاني موغل في التعبير، فالأحمر حرائق لا تساوم على البيادر، فهو لون الحب العاطفي، والإغراء، والعنف، والخطر، والغضب، وتركز على رمزية الأحمر النابعة من ارتباطاته القوية في الماضي كونه لون الدم واللون الأسطوري، ولون العشق في أكثر أطواره هذياناً.

والأخضر قمر طاعن في الحكمة والتجدد، هو حقول القمح، ومروج العشب، وهو الرمز في استمرار الحياة ودفقها الحيوي والأصفر مهرجان للعشق، للضوء للرقص تحت أشعة الشمس، ومن هنا استحقت لقب ابنة الشمس، الشمس كإله قديم متجدد في عقائد أسلافها الكرد، وللضوء مكانته في أعمالها، وكأن الضوء بوابة مفتوحة على العتمة، تصر شيرين باران على اقتحامه، وكشف خباياه وخفاياه.

من البياض النقي تمضي نحو الأسود الوقور بحزنه وسطوته، وبكل رموزه، ومؤشراته من حزن وموت وظلم، وتستخدمه شيرين باران في أكثر من لوحة كرمزية، ودلالة للسيطرة والسلطة، اللتين ترتكزان إلى الطاقة، والقوة الفردية، والهيبة والبذخ، باستخدامها وتعاملها مع اللون، وفي سياقات تبدو غريبة المسار، تعمل وبإصرار على جمع عناصر عديدة في لوحة واحدة، لتثبيت وجهة نظرها أو بيان رؤاها التأملية في الحياة، متعاملة بكثير من اللامبالاة حول أهمية التصنيف المدرسي، أو النقدي لأعمالها، فلا تشغلها قضية صلة الانتماءات إلى مدرسة ما، أو مذهب فني دون سواه.