كوباني/ سلافا أحمد ـ
مدنية كوباني كانت، ولا تزال هدفاً حاسماً في مخططات تركيا الاحتلالية والتخريبية، فمنذ انطلاق ثورة 19 تموز، ودولة الاحتلال التركي تصر على احتلال مدينة كوباني، التي تأتي أهميتها لوجودها على الحدود التركية، والتي تقع على بعد 30 كيلوا مترا غرب نهر الفرات، فيما تبعد عن محافظة حلب حوالي 150 كم، وتعدّ صلة الوصل بين مناطق شمال وشرق سوريا، وتعدّ إحدى المدن الكردية القديمة في سوريا.
كوباني المدينة الصغيرة، التي كانت إحدى المدن المنسية في سوريا، كانت لها البصمة التاريخية في الأزمة والصراع السوري، ففي تلك المدينة بدأت شعلة ثورة تموز التاريخية في روج آفا، ومن ثم لتشمل مناطق روج آفا، وشمال وشرق سوريا.
كوباني التي حطمت إرهاب مرتزقة “داعش”، التي كانت أداةَ لمخطط تركيا باحتلالها، وكانت نقطة التراجع والاندحار، حيث سطر أبناء كوباني، ومقاتلو ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة، ملحمة كبرى، لتكونَ كوباني نقطة انقلاب موازين القوى المهيمنة في سوريا، ولتبدأ بعدها حملة القضاء على داعش في مناطق شمال وشرق سوريا كافة.
استهداف كوباني انتقام لهزيمة داعش والإرهاب
ومنذ ذلك الحين تحاول دولة الاحتلال التركي احتلال مدينة المقاومة للانتقام لربيبتها داعش، لكن مقاومة وإرادة النصر كانت كافية لدحر الإرهاب، ولتخيب آمال كل من تربص بكوباني وأهلها، بأن “المدينة ستسقط لا محالة”.
وبعد الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية، زادت دولة الاحتلال التركي هجماتها على كوباني، لإفشال تلك التجربة في الحرية والمقاومة، وضرب الإرادة الحرة لأبناء كوباني، ففي عام 2013 حاول الاحتلال التركي عبر المجموعات المرتزقة فيما يسمى الجيش الحر، للسيطرة على مقاطعة كوباني عبر شنهم لهجوم فاشي على القرى الشرقية، لكن مقاومة وصمود وحدات حماية المرأة، ووحدات حماية الشعب أحبطت تلك الهجمات، وألحقت بالمرتزقة خسائر فادحة، وبخاصة أن الهجوم جاء بعد أشهر قليلة من الإعلان عن الإدارة الذاتية في كوباني ومن ثم في عفرين والجزيرة، والذي عدته أنقرة خطراً على سياستها الاحتلالية في المنطقة.
ومع اندلاع الأزمة السورية خططت تركيا لاحتلال كامل سوريا بدعمها وتمويلها للمجموعات المرتزقة؛ المتمثلة بالمعارضة، ومرتزقة داعش وجبهة النصرة، لكن فشل هؤلاء بتنفيذ مخططها الاحتلالي بالسيطرة على كامل شمال وشرق سوريا، ومن ثم باقي المدن السورية، ولكنها مع ذلك واصلت تقديم الدعم اللوجستي والعسكري بأشكاله لمرتزقة داعش وخاصة فيما يسمى الجيش الوطني السوري.
وفي 15 أيلول 2014 هاجم مرتزقة داعش وبدعم مباشر وعلني من دولة الاحتلال التركي مدينة كوباني وقراها، بعد حصارها من جهاتها الثلاثة، الجنوبية، والشرقية، والغربية، مستخدمين عبرها معداتهم وأسلحتهم الثقيلة، معتقدين أن مصير مدنية كوباني سيكون كباقي المدن السورية، التي سيطر عليها مرتزقة داعش خلال ساعات قليلة، لكنهم صدموا بمقاومة ونضال تاريخي، أبداهما أبناء كوباني ووحدات حماية المرأة والشعب، دامت 134 يوماً ليكون النصر حليف المقاومين في النهاية.
المخطط التركي فشل بهزيمة داعش في كوباني، ومن ثم تتالت الانتصارات حتى قُضي على داعش عسكرياً في بلدة الباغوز في 23 آذار عام 2019، لتغير تركيا استراتيجيتها بالتدخل المباشر واحتلال الأراضي السورية، فاحتلت جرابلس، ومن ثم مدينة الباب في الثاني والعشرين من شهر شباط لعام 2017، ومع ذلك فإن الرأي العام العالمي واصل سياسة غض النظر عنها، تفاديا لمصالحها مع تركيا.
وفي العشرين من كانون الثاني لعام 2018، كان العدوان الغاشم على عفرين، والذي استمر لـ 58 يوماً خاض خلالها أبناء عفرين مقاومة عظيمة أمام ثاني أكبر قوة عسكرية بحلف الناتو، والتزم العالم الصمت حتى تم احتلال عفرين بالكامل في الثامن عشر من آذار من العام ذاته، وفي التاسع من تشرين الأول عام 2019 شنت دولة الاحتلال التركي عدواناً على مدينتي سري كانيه، وكري سبي، أدى لاحتلال المدينتين، وأيضا حدث ذلك كله تحت أنظار، ومسمع العالم الصامت.
ولا زالت دولة الاحتلال التركي تنفذ هجماتها وتهدد كل يوم بأنها ستحتل المزيد من الأراضي السورية، والمجتمع الدولي يتفرج دون تدخل، وتواصل تركيا عدوانها شبه اليومي على كوباني، وقراها وبلدتي عين عيسى، وتل تمر وريفهما، والشهباء، ومنبج، وغيرها من مناطق شمال وشرق سوريا، عبر القصف المدفعي والطائرات المسيرة والحربية، مع تهديداتها المستمرة ببدء عدوان جديد في كل من كوباني، وتل رفعت، ومنبج، سعياً لاحتلال المزيد من الأراضي السورية لتحقيق حلمها العثماني.
