سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

روحٌ واقفة

عبد الرحمن محمد_

ما تزال قصة الشاب القطري “غانم مفتاح” ذي العشرين ربيعا، تتداول وبشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو شاب من ذوي الهمم، يعاني منذ ولادته من مرض نادر، يعرف باسم “التراجع الذيلي” ويؤدي إلى ضمور وغياب للأطراف السفلية، بسبب عدم اكتمال العمود الفقري.
 الشاب مفتاح عرف كأحد أبرز الشخصيات تأثيرا في بلده، وهو الذي تحدى الإعاقة وعرف بتفوقه على المرض، وتلقى تعليمة وهو يتجول على يديه ثم على كرسي متحرك، وأنشأ جمعية خاصة لمساعدة ذوي الهمم، وبخاصة فيما يتعلق بالكراسي الخاصة، وأصبح سفيرا للنوايا الحسنة في بلاده، وسفيرا دعائيا لمركز قطر للمال، وسفيرا رسميا لبطولة العالم لكرة القدم 2022، وافتتح مونديال قطر وخطف الأنظار والقلوب بعد مشاركته في مشهد تمثيلي بين الشرق والغرب مع الممثل الأمريكي الشهير مورغان فريمان، تلا فيها آيات قرآنية، ولغانم عدة كتب في الإرشاد، والدعم النفسي لذوي الهمم وقد كتب في مقدمة أحد كتبه “غانم الرابح دائما”، وأدرجت قصته في المناهج التعليمية.
أما الشاعر جاسم الصحيح، فقد كتب قصيدة شعرية قال في إهدائها للغانم، إلى الشابّ القطري، الذي يعيش بنصفِ جسده العُلويّ، وقلبٍ كامل، وإيمان راسخ بالحياة (غانم المفتاح) هذه القصيدة بعنوان “روح واقفة”:
“وَفَّتْ لكَ الروحُ لمَّا خانَكَ البدنُ
فانهضْ فمِثْلُكُ لا ينتابُهُ الوَهَنُ
في (نصفِ جسمٍ) حَمَلْتَ الشمسَ كاملةً
حتَّى تركتَ بكَ (الأضواءَ) تُفتَتَنُ
فإنْ سُجِنتَ بما أُوتِيتَ من جسدٍ
فالناسُ أَجْمَعُ، في أجسادِهِمْ سُجِنوا
فانهضْ بأجنحةِ الأحلامِ مُرتَفِعًا
عن كلِّ ما هُوَ للأقدامِ مُرتَهَنُ
واستلهمِ النَّهْرَ يسعى دونما قَدَمٍ
سعيًا تقومُ على أكتافِهِ المُدُنُ
وما يضرُّ (القوافي) إنْ أَلَمَّ بها
داءُ (الزحافِ)، وفيها الشِّعرُ (مُتَّزِنُ)!
والمُقعَدونَ بهذي الأرضِ مَنْ قعدتْ
أرواحُهُمْ فتساوَى الجِسمُ والكفنُ
فـدَعْ سؤالَ: لماذا؟!.. إنَّهُ قَدَرٌ!
ولن يُجيبَكَ إلا الهَمُّ والشَّجَنُ
ونحنُ لم نأتِ للدنيا نُفَسِّرُها..
لكنْ أتينا نُؤَاخِيها ونحتضنُ!
يا كاملَ العزمِ والإيمانِ، مُدَّهُما
للخَلقِ فالخَلقُ بالنُّقصانِ مُمتَحَنُ!
بالأمسِ قامتْ لكَ الدنيا مُهَلِّلَةً
وأنتَ تصنعُ معناها وتَمتَهِنُ
نجمٌ تلألأَ تاجُ (المونديالِ) بهِ
حيث النجومُ تلاشَى ضوؤُها الحَسَنُ
جَلَسْتَ.. والروحُ في جَنْبَيْكَ واقفةٌ..
لا تجلسُ الروحُ أَنَّى يجلسُ البدنُ!
لم تفتتحْ مهرجانًا… كُنتَ مُفتَتِحًا
عصرًا بإِلهامِكَ الرُّوحِيِّ يَقتَرِنُ !
تقتادُ للأملِ الزاهي سفينتُه
وتقتفيكَ إلى المستقبلِ، السُّفُنُ
وجهُ العروبةِ قد ألقَى ملامحَهُ
عليكَ حتَّى تجلَّى وَجْهُكَ الوَطَنُ
وجهٌ من الفَرَحِ الممتدِّ خارطةً
عنها يتيهُ الأسى واليأسُ والحَزَنُ
بَشَّرتَ بالحُبِّ والإنسانِ، فانتصرتْ
لك الحياةُ، وغنَّى بِاسمِكَ الزمنُ:
 يا (غانمَ) الحُلْمِ يا (مفتاحَ) أمنيةٍ
للطامحينَ إذا حَفَّتْهُمُ المِحَنُ
المُقعَدُونَ بهذي الأرضِ مَنْ جَحَدُوا
أمانةَ الروحِ فالإِنسانُ مُؤْتَمَنُ!