الهوسة الشعبية:” أهزوجة تحفيز الشعوب لمواجهة ولمقارعة المحتلين” 

إعداد/ حسام إسماعيل ـ

---

أسهمت “الهوسات“ الشعبية الحماسية إسهاماً فعالاً في النضال ضد الاستعمار بكافة مسمياته، بدءًا من الاحتلال العثماني مروراً بالإنكليزي، وحتى نهاية الاحتلال الفرنسي عندما صنعت الشعوب السورية ملحمة الجلاء في نيسان عام 1946، والهوسة الشعبية هي الترجمة الحقيقية لانفعالات الثورة، والغضب في المعارك ضد الغزاة.

الهوسة في أصلها أغنية وأهزوجة، تهدف إلى إثارة انفعالات، وأحاسيس وعواطف الإنسان تجاه الحرب، ولإثارته للقتال دون خوف ضد أعدائه، حتى يصل إلى عدم التفكير بالموت، وأكثر ما تستخدم الهوسة عند التلاحم القتالي، وهي وليدة الحدث تثير النخوة في النفوس، وفي المفهوم الشعبي هي الهزة، التي تعتري الرجل في موقف ما، فينتفض، وتثير قواه النفسية والجسدية، لصد العدوان والدفاع عن الكرامة، فيمتلئ ثقة وقدرة على التحدي والمواجهة مهما بلغت قوة المعتدي.

 والفراتيون هم مبتدعو هذا الفن، وكل مقطوعة من الهوسة مرتبطة بحدث معين في الغالب، ولذلك فإن الهوسات جزء من تاريخ سكان وادي الفرات.          

“هوسات” قيلت إبان الاستعمار وساهمت في جلائه

ومن الهوسات، التي استخدمتها الشعوب الثائرة بوجه المحتلين والجلادين:

“يل ترعد بالجو هز غيري: هذه الهوسة قالها أحد ثوار الفرات مخاطباً إحدى طائرات الإنكليز.

همدان بكاعي وحارسها: توقظ هذه الهوسة روح المقاومة والصمود، وتدفع الإنسان على التمسك بتراب الأرض التي عليها وُلد وعليها سيموت، وتؤكد له بالدفاع عن أرضه، وبه يكون الجلاء.

ابداً معطيها إلا أرضيها: يقول “المهوس” إن البلاد لا أسلمها لأحد حتى ترضى عني، والذي يجلب رضاءها دمي ودماء أبناء وطني.

ومن الهوسات الأخرى… (حرشة وعطشانة تريد الشر، ما تهاب طوابك والعسكرـ ما من مزيونة تهلهلي الموت ولا مشي الذلي ـ البارود تمار لجلدي عج الخيل كرنفال ليه ـ ربعي دوم يزيحون الشر، مسجين العدوان من المر).

ومن الأهازيج والهوسات الأشهر على الإطلاق:

“وإن هلهلتي هلهلنالج

صبينا البارود كبالج

والعفن الماهو من رجالج

حرم ما يريد مكابلنا

كل يوم تغيم واش جاها

لو تمطر

دان احنا لكاها

ست تشهر نشرب

مراها

للهوسات ولكوات الشر

حمود الجاعد باللايج

جم ضابط

من جفو طايح

افرح يا ذيب الصوايح

ومعشاك بروس العسكر”

الهوسة… لغة تحدث بها الجميع…!

وترددت الأهازيج كثيراً في عصرنا، وخاصة المتظاهرون العراقيون المنتقدون لفساد الحكومات المتعاقبة، واستمرار تدخلات نظام ملالي إيران في مفاصل الدولة العراقية كافة…وكان الأكثر ترديداً في ميادين التظاهر هي الهوسات والأهازيج الحماسية، التي تطالب بكف يد نظام الملالي، وإقالة الحكومات الفاسدة المتتالية، وهما ليستا بالمستحدثتين، إلا أن الاحتجاجات المتواصلة أنتجت عشرات الأهازيج المواكبة للأحداث والتحركات السياسية في البلاد…منها هوسة (أخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه)، (شلع قلع كلكم حرامية)…وغيرها من الهوسات.

 ومن الأهازيج الأخرى نذكر “نظراتچ تنبض سلمية… كل متظاهر شاف عيونچ… حتماً يؤمن بالحرية… نص الدنيا وأم وقائد، كملتي الموقف يَ بنية“، وهي تتغنى بالشابات المشاركات في التظاهرات، خصوصاً أن هذه المشاركة الواسعة لهن استثنائية مقارنة بالسنوات الفائتة.

 ومع استمرار التدخلات والاعتداءات من قبل النظم الفاشية على شعوب المنطقة، لا مناص من أهازيج جديدة مواكبة، سنشهدها لاحقاً، وتصبح وثيقة تاريخية للجيل القادم، وهذه الأهزوجة الأخيرة من التغني بالنساء أيضاً، قد لا تكون ختام هذا الوعي المتنامي بين الجنسين، بأهمية الشراكة معاً من أجل التغيير، لكنها قد تكون المقدمة… “اللي يكول صوتج عورة… صوتج مفتاح للثورة”.