“وداع الناسك الأخير” الديوان الثاني للشاعر والكاتب عبد الرحمن محمد

روناهي/قامشلو-

---

تراتيل وداع، وآهات غربة، والكثير من الوجع، يمتزج مع أنات جرح موغل في الألم، تحملها أوراق ديوان “وداع الناسك الأخير” للشاعر والكاتب عبد الرحمن محمد، ثلاث كلمات حملها العنوان؛ وربما حمَّلها الشاعر الكثير من المعاني، قاصداً في ذلك التلويح بعذابات ما فتأت تحاصر الشاعر وتلون الأفق المحيط به، فيلوذ بالشعر خلاصاً ومقصداً، ورسولاً من لدنه، لعله يوصل رسالته المشبعة بالألم والحنين والغربة لكل من يبحر عبر دفتي ديوانه.

أول كلماته، وداع، وما أكثر ما تتردد هذه الكلمة الفاجعة في يوميات يعيشها الشاعر، وبات يعيشها كثيرون، وداع بأثواب شتى وبهيئات متعددة، وداع يأتي موتاً وهجرة، وخصاماً وقتلاً، بألف لون ولون.

وثانيها، الناسك، ذاك الهارب المنعزل، الذي يحاول جاهداً العودة إلى نفسه، إلى طبيعته البكر المفقودة، وكل ما حوله هلاك وفقد وضياع.

 وثالث كلماته، الأخير، وأين الفصل الأخير تلك المآسي والآلام، وأين من قال “إن خير الأمور في خواتيمها” وما للأخير من قدوم، وهل للألم من آخر، آخر يسعى إليه، حتى لو كان آخر العمر.

 الديوان، هو الديوان الشعري الثاني للإعلامي والكاتب عبد الرحمن محمد بعد ديوانه الشعري الأول، “عشق الأزمنة الممنوعة”، وهو العمل الأدبي الرابع المنشور له، وفيه قرابة ثلاثين نصاً شعرياً يحمل الكثير من الغربة وآلام النزوح والتهجير، والقتل على هامش الحياة، إنها مفردات الحياة اليومية، التي باتت تخيم على سوريا منذ عقد ونيف من السنين، السرد الداخلي جاء بأسلوب ممتع من اللغة الشعرية السلسلة بصور إبداعية مبتكرة، تحمل الكثير من الحداثوية، وما بعدها من نصوص تحمل أحياناً تكثيفاً في الصورة الشعرية، التي تزدان بصور ناطقة، تنم عن شاعرية رصينة المبنى، عميقة المعنى، وفي نصوص تتنوع بين الوجدانية والعاطفية المجتمعية، والوطنية الصادقة، تحمل صوراً جذابة، رغم كم الوجع والغربة الداخلية، التي طغت على الديوان.

 فنياً؛ يبدو إن الشاعر عبد الرحمن محمد، أراد أن يخرج الديوان بصورة فنية متميزة، إذ جاء الديوان في مائة وثماني عشرة صفحة من القطع الوسط، تجمع مزايا فنية وأدبية متفردة، بدءًا من لوحة الغلاف للفنانة التشكيلية العالمية السورية نضال السواس، وتصميم الغلاف خليل إبراهيم، والتقديم والتدقيق اللغوي للأديب البحريني عبد الحميد القائد، والتنضيد والتصميم الداخلي، والمراجعة، الكاتب والناقد عبد الوهاب بيراني، ودار الأيقونة للترجمة والنشر، ومن مقتطفات الديوان:

” روح”

نثرتُ جِراحي

على الماءِ

وأسرجتُ الريحَ

لأفلاكي

طافَ الملحُ

على مدائنِ الوجعِ

وأوغل في الجُرح

وما كفّت

عن الطعنِ سكاكيني

……

مَن سيغتالُ قامتنا

إذا عدنا إلى

دفء مواقدنا

إلى وطنٍ

لم يبق لنا فيه

سوى أسماء تذكِّرنا

وأشلاء من

الجدرانِ تبكينا

غنائم من الوهم

تقاسمنا ولائمها

مع فتاتِ مدائننا

إلى حيث منابعنا

إلى الإنسان…

مات في ضمائرنا

ومن ذا سيسمعنا

ونحن نسردُ للريحِ

حكايتنا

خيبتنا المائة بعد الألفِ

وما نخفيه من أسرار

هزائمنا

……..

كبرنا يا أمي

وباتت أكبر منا

خسائرنا

كبرنا كثيرًا

يا أمي

يوم أدرنا لك

الظهر….

وأبقيناكِ

أسماءً في دفاترنا”