الحرب الخاصة وتأثيراتها على المنطقة

كثيراً ما يلجأ، أيّ نظام يريد التأثير في منطقة ما، يجد فيها غاياته السياسية، والاقتصادية، فينفذ أساليب تمهيدية، لمحاولة التأثير، غير الأساليب القتالية، أو أساليب المواجهة، فيعمد في بداية نظريته، إلى نموذج التأثير النفسي على العدو، قبل احتلال أرضه، بشكلٍ مباشر، ومن ذلك الحرب الخاصة.

أنواع الحروب

لقد تطورت أساليب الحروب، وأدواتها عبر الزمن، كانت في البداية، بأدوات بسيطة وبدائية، ثم تطورت في مراحل لاحقة إلى استخدام السيوف، والرماح، التي تعتمد على المواجهة المباشرة بين الأطراف المتحاربة، وجهاً لوجه، ومع اكتشاف البارود حدثت ثورة، وتغيّر كبير لوسائل الحروب، ولتكتيكاتها، فتم اختراع البنادق، والمدافع، فاستُخدمت القنابل، والدبابات، والصواريخ الموجهة، والطائرات الحربية، والطائرات المُسيّرة (درون)، فدخلت الأقمار الاصطناعية المعمعة أيضاً، حتى أصبحت الحروب تدار عن بُعد.

هناك عدة أنواع وأوجه للحروب، فمن الحرب العسكرية المباشرة، التي تتم بين قوتين متصارعتين بشكلٍ مباشر، وتؤدي إلى الخراب، والتدمير للبنى التحتية المدنية، والحرب الاقتصادية التي تهدف إلى الحصار والتجويع، والحرب الأهلية، والحروب الاستخباراتية، عبر تجنيد العملاء، والجواسيس لتنفيذ الاغتيالات، والعمليات التخريبية، وهنالك الحرب الخاصة، وتستخدم عدة أساليب، وأدوات خاصة، لتحقيق أهدافها.

مصطلح الحرب الخاصة

تُعد الحرب الخاصة، من الأدوات المهمة، لترجيح كفة أي طرف يُحسِن استخدامها وتوجيه أهدافها، وأدواتها، وبداية استخدامها يعود إلى عصور قديمة، ولكنها تطورت، وأخذت زخماً وأثراً كبيراً، بعد التطور التكنولوجي، الذي وصلت إليه البشرية، والبعض يُطلق عليها الجيل الرابع من الحروب، وهذا النوع من الحروب، لا تُشترط فيه المواجهة المباشرة، ولا أن يكون العدو مرئياً، بل يكون مختبئاً خلف الشاشات والأجهزة الرقمية، ومن المحتمل أن تتطور أكثر من ذلك، وأن تأخذ وجوهاً وأساليب جديدة، لا تخطر على بال أحد ، وربما يطلق عليها حرب الأشباح.

ظهور مصطلح الحرب الخاصة حديث نسبياً، لكنه قديم قدم الأزل، نرى ذلك من خلال الرسومات، التي كان يرسمها الإنسان البدائي، على جدران الكهوف للحيوانات، والوحوش، للتأثير في نفس من يراها لأوّل مرة، وبث الرعب في قلبه، كذلك التماثيل للملوك، والآلهة، التي نجدها عند معظم الحضارات القديمة، والتي تصور الآلهة المجنحة، وبعض الملوك، نصفهم بشري، والنصف الآخر حيوان مفترس، كالأسد، والنسر، وحتى ثور، للدلالة على عظمة الملك، وقوته، وقدراته الخارقة؛ لبث الرعب في قلوب الشعب، في الديانات السماوية، نلاحظ  تعظيمها للإله الواحد، والأنبياء إلى درجة عدّ بعض الأنبياء؛ (أنهم أبناء الله)، ويمثلون صورته على الأرض، وقيامهم بالمعجزات الخارقة للعادة، والقدرات البشرية؛ لإقناع البشر باتباع رسالاتهم، كذلك امتلاك الأولياء، وبعض الرهبان قدرات خاصة مثل قدرة الشفاء من المرض، وفك السحر، ومعالجة العقم، إلى جانب القدرة بإنزال اللعنة على من لا يؤمن بقدراتهم الخارقة .

بدأ ظهور الحرب الخاصة كمصطلح مع الحرب العالمية الثانية، خلال الحرب الباردة، وقد استخدمه ونستون تشرشل ويعد أول من أنشأ غرفة للحرب الخاصة في بيته، خلال الحرب العالمية الثانية، وخلال الحرب الباردة، أنشأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) قسماً خاصاً، أطلق عليه قسم الحرب الخاصة، وأصبح له فروع في معظم دول الناتو، وتركيا أنشأت الاستخبارات قسماً للحرب الخاصة، لممارسة التخويف، والاغتيالات، والتشهير، وارتكاب المجازر، والتهجير، والتغيير الديمغرافي، وفيها يتم تقييد جرائم الاغتيالات كلها ضد مجهول، ودون ترك أي دليل للفاعل.

 لقد اهتم القائد عبد الله أوجلان، وحزب العمال الكردستاني منذ نشأته، بمصطلح الحرب الخاصة، والتعريف بها، وكشف ممارسات النظام التركي له ضد الشعب الكردي، لتهجيرهم وقمعهم، ومحو تراثهم العريق، وإقامة المشاريع الضخمة في مناطقهم، من سدود، ومشاريع زراعية، لترحيلهم، وجلب مواطنين أتراك إليها للتغيير الديموغرافي، إلى جانب حرمانهم من الاحتفال بأعيادهم الخاصة، والتكلم بلغتهم الأم.

وسائل الحرب الخاصة

الحرب النفسية، يصعب ذكر تعريف، واضح للحرب النفسية، ولكن يمكن تعريفها إنها: هي الأعمال التي يمارسها طرف ضد جهة حكومية، أو فرد، أو طائفة معينة، بهدف، إضعاف ايمانهم بقضيتهم وإرادتهم الخاصة، والتشكيك بثقتهم بأنفسهم، تُستخدم فيها الإشاعات، وغيرها من الأخبار الكاذبة، الملفقة، والاغتيالات للشخصيات العامة، وذات الشأن، والحرب النفسية تم استخدامها منذ القدم، لكن تطورت في العصر الحالي، بحيث أصبح لها أثر يضاهي الحرب التقليدية من ناحية زعزعة الاستقرار، والأمن في الطرف المعادي، وقد استفادت من التطور التكنولوجي، وخاصةً في وسائل الاتصال الحديث، والإنترنت وأصبح من السهل الوصل إلى الطرف المستهدف بأقصر الطرق، وأقلها تكلفة، لكن التأثير أكبر.

الحرب الإعلامية، تعدّ وسائل الإعلام من أهم وسائل الحرب الخاصة، حيث يتم استخدامها لنقل الأخبار الكاذبة عبرها، والمعلومات المضللة بهدف التأثير في الحالة النفسية للمستهدفين، لتوجيههم إلى الهدف المرسوم من قبل الطرف المتحكم فيها، كما تستخدمها الجهات الحكومية، وغيرها من الجهات ضد شعبها، تستخدم الحرب الإعلامية ضد العدو بهدف التأثير فيه، يمكن أن يكون الطرف المستهدف طائفة، أو ديناً، أو فكرةً، أو أثنية، بهدف تغيير المعتقدات.

الحرب الأيديولوجية، ظهر مصطلح الحرب الأيديولوجية بقوة، في القرن العشرين، خاصةً في الحرب الباردة، بين المعسكر الغربي، الذي يدّعي الديموقراطية والليبرالية، وتمثله الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي المتهم بممارسة الاستبداد، والديكتاتورية، وقمع الحريات الفردية، ويمثله آنذاك الاتحاد السوفييتي، تطور هذا المصطلح أكثر، وازداد استخدامه، مع ظهور الجماعات الدينية المتشددة على الساحة الدولية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، والقاعدة، و داعش، حيث تتبنى جماعة معينة أفكار، ومعتقدات مشتركة تعد  قواعد أساسية فيما يتعلق بها، تميزها عن غيرها، لكن أخطرها التي تحاول نشر أفكارها في العالم عن طريق القوة، وتعدّ كل ما هو مخالف لأيديولوجيتها، ليس له قيمة، ويجب عليه أن يتبنى فكرها، وعقيدتها.

الحرب الاستخباراتية، وتستخدمها أجهزة الاستخبارات الدولية ضد شعوبها، أو ضد جماعات حقوقية مدنية اجتماعية سياسية، أو ضد دول أخرى، عن طريق جمع المعلومات عن نقاط الضعف والقوة لديها، وتسخير تلك المعلومات الاستخباراتية لصالحها، فتسعى الدول إلى تحقيق اختراقات في صفوف العدو، وتهديد الأمن، والاغتيالات، وغيرها من الأمور التخريبية، ولكن بدون أن تترك أي دليل على الجهة المنفذة، أو دليل يثبت تورطها، بينما الطرف الآخر المستهدف يعرف عدوه، والجهات  التي لديها مصالح باستهدافه، ولكن ليس لديه دليل يدين أحداً قانونياً، وأمثلة ذلك كثيرة، مثل ما يحدث في الساحة السورية، واللبنانية، والعراقية و مناطق شمال شرق سوريا، وغيرها من الساحات.

الحرب الخاصة في شمال و شرق سوريا

تعدُّ مناطق شمال وشرق سوريا، التي طبقت مبدأ الإدارة الذاتية الديمقراطية في إدارة شؤونها، من أبرز الساحات المستهدفة بأساليب الحرب الخاصة، من قبل الدول القومية المحيطة، النظامين السوري، والتركي، وأدواتها من المجلس الوطني الكردي، والحزب الديمقراطي في شمال العراق، وذلك بعد عجزهم عن ضرب الإدارة الذاتية والقضاء عليها عبر الحروب المباشرة، والاعتداءات، يلجؤون إلى الحرب الخاصة لضرب الوحدة، والتماسك الداخلي بين مكونات الشعوب في المنطقة، ومنع اصطفافهم مع الإدارة الذاتية وتأييدهم لها، بهدف ضرب النسيج الاجتماعي، ووحدة المجتمع، وهويته التاريخية، ذلك عبر أدواتهم من المرتزقة، والعملاء، والخونة الذين استغلوهم لتلك الجهات، في اختراق النسيج الداخلي المتماسك، عن طريق نشر الإشاعات، وفبركة الأخبار الكاذبة، والتحريضية، والتشكيك بالإنجازات، التي حققتها الإدارة الذاتية، في المنطقة، لضرب وحدة الصف الداخلي، وقيم المجتمع ومبادئه، واستهداف المناضلين، والرموز المقاومين، ومن أبرز الشخصيات المستهدفة بهدف التأثير في الشعب الكردي، القائد عبدالله أوجلان، عن طريق اعتقاله، ومن ثم محاكمته، التي كانت بمثابة، محاكمة شعب كامل، مازال متمسكاً بهويته وجذوره، والمطالبة بحقوقه المشروعة، وتم استهداف المرأة، ووجودها ودورها المحوري بالثورة، وتحرر المجتمع.

الحرب الخاصة، التي تمارس ضد الشعب الكرديّ، تستهدف بالأخص كيانه، والتأثير فيه، للقضاء على روح المقاومة لديه، وفرض الاستسلام، والخضوع عليه، كل هذا يمارس في الحرب العسكرية المباشرة، وعن طريق الحرب الخاصة، بنشر الإشاعات، والأخبار الكاذبة، والقيام بعمليات استهداف المناضلين في المنطقة واغتيالهم بواسطة الطائرات المُسيّرة، والسيارات المفخخة، بغية نشر الخوف والهلع، وبالتالي الاستسلام، والخضوع للقوى الاستبدادية.

 الاعتداءات التركية على المناطق الكردية، تهدف لتغيير هويتها الديمغرافيّة، ومحو تاريخها عبر سرقة الآثار، التي تثبت ارتباط الشعب الكردي بها، لذلك يجب علينا التصدي، والمقاومة، وأن نكون واعين لهذه الحرب، وخطورتها، والتأكد من الأخبار المتداولة قبل تصديقها، خصوصاً إذا كانت تصدر من جهات مجهولة، أو معروفة بعدائها للإدارة الذاتية، وخاصةً تلك الأخبار، التي تتحدث عن الأوضاع المعيشية، والعسكرية والتي تقوم على زعزعة الثقة بين الإدارة والشعوب في المنطقة، والتحريض للشباب على الهجرة من المنطقة.