الصالونات الأدبية وإمكانية تحريك الركود الثقافي القائم

دلشاد مراد

حازت مسألة “الصالونات الأدبية” اهتماماً من جانب المؤسسات الأدبية والثقافية المحلية في السنوات العشر الأخيرة، فظهرت عدة صالونات خاصة بقراءة ومناقشة الكتب، إلا أن تلك الصالونات إما توقفت أو تقلصت أنشطتها او أصبحت متقوقعة وخارج التأثير العام على الحياة الثقافية.

وقد تناولنا في متن هذه الزاوية قبل سنتين ونصف تقريباً مسألة “الصالونات الأدبية في شمال وشرق سوريا”، وذكرنا فيها أن نشاط الصالونات الأدبية التي ظهرت في المنطقة قد اقتصرت على قراءة نتاجات الكتب- معظمها خارجية-  ومناقشتها، وفي نطاق ضيق، مما جعلتها متقوقعة على نفسها، دون أن تترك أي أثر معرفي كبير في الحراك الأدبي والثقافي، وقدمنا صالون “ميترا” كمثال على ما ذكرناه، فهذا الصالون قد توقف بعد أشهر من نشاطه نتيجة إدارته “الغير الحكيمة” وتقوقعه وعدم تداوله الشأن العام.

كما أننا في مجلة شرمولا قد اعتمدنا “الصالونات الأدبية” كملف للعدد التاسع في شتاء 2021، حيث تناولنا فيها هذه المسألة من منطلق التأكيد على أهميتها في تنشيط الحياة الأدبية والثقافية والدعوة إلى ضرورة تطوير هذه الحركة من جانب الأوساط الأدبية والثقافية المحلية وكذلك من المؤسسات المعنية في الإدارة الذاتية.

في الأشهر الأخيرة تزايد الاهتمام بالصالونات الأدبية، فبعد إجراء تغييرات في لجنة الأدبيات والتي وسعت من أنشطتها وغيرت اسمها إلى “ديوان الأدب في شمال وشرق سوريا” كان إنشاء “صالون أدبي” أحد مفرزات أو مقررات “الأسبوع الأدبي” الذي نظمته ديوان الأدب في نهاية أيار ومطلع حزيران العام الجاري بمدينة قامشلو. وقد أعلن الديوان بالفعل عن هذا الصالون تحت اسم “ديوان القراءة” والذي سينطلق أولى جلساتها في تشرين الأول القادم. كما أطلق دار نشر آفا في كوباني مؤخراً “نادي آفا للقراءة” والتي تتناول مناقشة بعض من كتبها المطبوعة وإضافة إلى كتب خارجية. فيما بدأت مكتبة مانيسا بديريك باحتضان أولى جلساتها لمناقشة أحد الكتب المترجمة محلياً.

كما أن الندوات والأمسيات التي تعقدها اتحادات الكتاب والمثقفين يمكننا اعتبارها إلى حد ما جزء من حركة الصالونات الأدبية، فبعض من أنشطة تلك الاتحادات أصبحت تأخذ طابعاً أكثر تنظيماً كالأيام الثقافية التي ينظمها اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة، وخميس الكتاب الذي ينظمها اتحاد الكتاب الكرد في قامشلو، وأمسيات اتحاد مثقفي روجآفاي كردستان، إضافة إلى أنشطة بعض المنتديات الثقافية كفسحة حوار في الرقة ومركز انكي للثقافة في الطبقةـ وبعض أنشطة اتحاد مثقفي منبج.

ما يهم هنا هو أداء تلك الصالونات الأدبية وفعاليتها وقدرتها على إحداث التأثير والتغيير المنشود وتحريك الركود القائم في الحياة الأدبية والثقافية المحلية والتي لم تخرج بعد في معظمها من إطار السطحية والتكتلات الضيقة والثقافة الزائفة والأدب الهابط. وهنا أود أن أذكر أن محاولة فاشلة قد جرت مؤخراً لإنشاء كروب أدبي لمناقشة ديوان الشاعر الكبير “ملاي جزيري” والسبب الرئيسي لفشله كان عدم قدرة أعضاء الكروب على استيعاب مضمون ديوان جزيري.

ما أقصد قوله أن هناك ضعف أدبي عام في منطقتنا، ولذلك فإن المسؤولية الملقاة على “الصالونات الأدبية” كبيرة للغاية في تنشيط حركة النقد الأدبي وكذلك في مناقشة القضايا الأدبية والثقافية المحلية، ولهذا لابد من إخراج الصالونات الأدبية من قوقعتها من مجرد قراءة كتاب ومناقشتها من قبل مجموعة صغيرة نحو الفضاء الأدبي الواسع وتناول كافة المسائل والقضايا الأدبية الإشكالية محلياً.