زاوية روناهي القاهرة…ضياء روج آفا

العراق المريض… ليتني كنتُ الطبيب المُداويا (1)

رجائي فايد

أوصلتهم طائفية العراق إلى أنهم يتمنون عودة أيام (صدام حسين). فلسان حالهم يقول: “ولا يوم من أيامك يا عز العراق!”. لم يكن هناك في العراق تكريتي ولا معيني ولا عاني ولا برزنجي ولا سامرائي ولا دوري، الكل تجمعهم خيمة واحدة هي العراق. لم يكن هناك إلا جيش واحد وميليشيات حزب البعث، وكلهم في خدمة النظام. كان للعراق مهابة ولا يجرؤ أي جار أن يتجاوزه، (هذا كان حالهم مع صدام) أنستهم القوى الطائفية الحالية كل ما ارتكبه نظام صدام من جرائم في حق الشعب، وكان عصره عصر (وان مان شو).

كان الأمان أمانه الذي يمنحه لمن يشاء، وعليك أن تلتزم بقوانينه وتعليماته وكل ما يَرد في ذهنه من خواطر يجعلها قوانين، عليك بالالتزام بها، وبذلك يتحقق لك الأمان. نسوا أن (صدام) تولى السلطة رسمياً عام 1979وبعد عام واحد دخل في حرب طاحنة مريرة مع إيران مستفيداً من فوضى تداعيات ثورة (الخامنئي) ومصححاً لمن كان قد تنازل عنه من أرضٍ عراقية بموجب اتفاقية الجزائر 1975.

لكن ما حدث كان العكس من ذلك إذ وحّدت الحرب إيران ولم يدرك القوة الكامنة في إيران (الصبر والجلد العجيبين)، (إذا ينسج الإيراني سنين عديدة من أجل أن يصنع سجادة من الحرير وتحفة رائعة) ولذلك كان شعاره في بداية الحرب (العراقي يتقدم)، وفي السنة الأخيرة من الحرب كانت مدينة البصرة محاصرة إيرانياً وبدأ يبحث عن حلول لإيقاف القتال وكفى ما تكبده العراق من خسائر لدرجة أن المواطن العراقي كان ينتظر تابوتاً خشبياً فيه جثمانه ملفوفاً بالعلم العراقي.

اكتشف صدام متأخراً أنه يحارب دولة يقترب عددها من ضعف عدد مواطنيه فلجأ إلى حل كوميدي لمضاعفة عدد سكانه فكانت حملته لزيادة النسل كما لو كان الطفل الذي يولد اليوم سيحمل السلاح على الفور مدافعاً عن البوابة الشرقية للوطن العربي، وتسلم رئاسة العراق وافتتح عهده بمحاكمات طالت معظم رفقائه في النضال، وبالتالي زرع الخوف في كل مواطن يعيش على أرض الرافدين.

فتح الباب واسعاً لمن يُدبّج له القصائد والأغاني، حيث تنتظر الجميع مكافئات سخية، وهتفت له الجماهير المغيبة بوهج قهر السلطة (صدام اسمك هز أمريكا)، وعندما وجدوا أن ذلك الهتاف ليس من اللائق غيروه إلى (صدام اسمك عز وهيبة)، كانت بداية الأغاني المادحة (صدام غالي) وعلى الفور تطوع كردياً ترجم كلمات الأغنية ولحنها إلى (صدام زيرا)، ولم يتوانَ مؤلف آخر تركماني فحوّل كلمات الأغنية (صدام بيزين).

ولأجل المكافئات السخية، انطلق مئات الشعراء من الذين لا يملكون أي موهبة في تدبيج القصائد التافهة التي تعج بكلمات المديح وفي ملتقيات الشعر الذي يكاد لا يمر شهر حتى تواجهنا تلك المهرجانات. كان هذا يتم في بلد حافل بالشعراء العِظام (الرصافي وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة والجواهري وغيرهم)، وهؤلاء الشعراء العِظام هربوا بموهبتهم خارج العراق لأنهم لا يستطيعون تدبيج الشعر الذي يدّبجه أصحاب أنصاف المواهب (شاعر عظيم هو محمد مهدي الجواهري سحبت منه الجنسية العراقية واعتُبر أيضاً أنه لم يكن عربياً) وترك العراق ومات غريباً!

هل نسى العراقيون النفي من مكان إلى مكان هل نسوا المقابر الجماعية التي اكتُشِفت فيما بعد، هل نسوا ما حدث للمكون الشيعي من مذابح بعد فشل مغامرته باحتلال الكويت، هل نسى المكون الكردي ما ارتكبه (علي حسن المجيد أو علي كيماوي) بحقهم والأمثلة كثيرة؟

لكن ما يحدث في العراق اليوم أنساهم كل ذلك، وصاروا يترحمون على صدام وأيام صدام، فالعراق مريض ويا ليتني كنت الطبيب المداويا، وللحديث بقية.