سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

لماذا تحتاج الإدارة الذاتيّة إلى عقدٍ اجتماعيّ جديد؟

يشكّلُ تقويضُ الاستقرار الاجتماعيّ والسياسيّ والقانوني للإدارة الذاتية الناشئة، وفرض ضغط نفسيّ هائل على السكان المحليين، عاملاً مهماً وراء التهديدات التركيّة العسكريّة المستمرة والهجوم بالطائرات المسيرّة على شمال شرق سوريا؛ الهادفة لإضعافِ إرادةِ المواطنين، وإحداث شرخ بين المؤسسات والواقع الاجتماعيّ، وتبديد الآمال المعقودة على بناء نموذجٍ إداريّ يخالفُ في مبادئه النظريّة والعملية صيغة “الدول القوميّة المتطرفة”، والنتيجة -حسب المراهنة التركيّة- ستكون الخلل الذاتيّ واللامبالاة والفساد، بفعل الحطّ من المعنويات وحالة الإرباك بالرؤية السياسيّة والأخلاقيّة والمؤسساتيّة، وتكمن المفارقة في حقيقة أنّ النظام السوريّ، وحلفائه في الإقليم، يطيب لهم هذا السيناريو بطريقةٍ أو بأخرى.
بالضد من هذه الاستراتيجية التي تُعرف بـ”الحرب النفسية” الموازية مع الحربِ الفعليّة، ينبغي منطقيّاً أن ينصبَّ العملُ السياسيّ والمجتمعيّ في شمال وشرق سوريا على فعلٍ مقاومٍ عكسيّ، من خلال تعزيز التضامن الاجتماعيّ والفرديّ المبني على المبادئ الحياتيّة، ومن هنا تأتي أهميّة سن «عقدٍ اجتماعيّ جديدٍ» في شمال وشرق سوريا ينقلها من حالة عدم الاستقرارِ (كما ترغب الأطراف المعادية) إلى نظام مدنيّ يصونُ الحقوق والواجبات، استناداً إلى الشرائع الدوليّة وتماشياً مع الظروفِ المحليّة (كما تنشد الحالة الاجتماعيّة المحليّة).
يكشف المفكر الفرنسيّ آلان باديو، في لفتةٍ بارعة، في كتابه الشهير «شرنا يأتي مما هو أبعد» سياق تفكيك بلدان العالمِ الثالث أو المجتمعات الأطراف، وتبعاً لباديو، لم يعد الأمر يشبهُ انهيار سيادة الإمبراطوريات التقليديّة، مثل الإمبراطورية العثمانيّة، ومن ثم تأسيس دولٍ قوميّة على أنقاضها، فالصراعاتُ الدوليّة التي تخوضها القوى الكبرى بالوقت الراهن تدفعُ إلى تفكيكِ الدول القوميّة وسيادتها، مثلما يجري في سوريا وليبيا واليمن وغيرها، وتركها بلا سيادةٍ وعرضةً لحروبٍ أهليّةٍ طويلةِ الأمد، مسنودة من الجهات الإقليميّة والدوليّة، وجعلها بعد ذلك حقلاً لتجفيفِ الموارد وممارسة شتّى الأعمال غير المشروعة في السوق السوداء. تظهر مؤشراتُ هذه العملية من خلال مبادرات مثل خفض التصعيد، وهُدن مؤقتة، ومفاوضات سياسيّة عقيمة، وخرق تفاهمات متبادلة، واللامبالاة حيال الوضع الإنسانيّ المتدهور، وتجاهل سياسة التغيير الديمغرافيّ، هذه السياسة يمكن إدراجها تحت مسمّى سياسة «إطالة الأزمة» من قبلِ المجتمع الدوليّ، بخلافِ إضفاءِ حلولٍ سياديّةٍ مبنية على قواعد قانونيّة وأخلاقيّة مستدامة.
تجنباً لهذه المخاطر الوجوديّة التي تسري على سوريا عموماً، وشمال وشرق سوريا على وجه الخصوص، تسعى الإدارة الذاتية، من خلال طرحِ مسوّدةِ العقد الاجتماعيّ بنسخها الثلاث على الرأي العام، إلى إعادةِ ترتيب الحياة السياسيّة والأخلاقيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والدفاعيّة. في ضوء ذلك، يمكن اعتبارُ العقدِ الاجتماعيّ بوصفه حامي مصيرِ المجتمع من الاندثار والفوضى العارمة.
الإطار الاصطلاحيّ
بخلاف منظريّ العقد الاجتماعيّ التقليديين- توماس هوبز وجان لوك وجان جاك روسو- يقدّم الفيلسوف الألماني هيغل مصطلح Sittlichkeit (الأخلاق) مفتاحاً محوريّاً لاستيعاب مفهومِ العقد الاجتماعيّ، فهو يعني بذلك إنشاء رابطة أخلاقيّة وقانونيّة مشتركة تجمع الأفراد والمجتمعات على قواعد حياتية جوهرية من خلال هيئةٍ سياسيّةِ Police وبذلك، تظهر فكرة المجتمع السياسيّ إلى الوجودِ، فالنقد الذي وجهه هيغل بحق منظريّ العقدِ الاجتماعيّ يتمثل في أخذ إرادة الأفراد فقط كمصدر لتشريع السيادة، بينما يعتبر هيغل مصدر السيادة نابعاً من أخلاقيات الأفراد والجماعات من خلال هيئة سياسيّة عليا. هذه المقاربة تتماهى نسبياً مع مفهوم العقد الاجتماعيّ في شمال وشرق سوريا، التي تسعى إلى تكريس فكرة المواطنة مع احترام حقوق الجماعات بالتوازي، ويخالف ذلك في مضمونه النزعة العنصرية لدى كل من النظام السوريّ والكيانات المعارضة، التي تميل إلى الإقصاء في تكوين الهوية الاجتماعيّة والسياسيّة.
الإطار النظريّ
لكن كيف تظهر فكرة الرابطة المشتركة «العقد الاجتماعيّ» إلى الوجود؟ من المؤكد أنها لا تظهر من المقولات الفلسفية والقانونية الصورية، بل من الصراعات الأهلية والطبقية وحروب السلطة بين القوى داخل المجتمعات، مثلما يشدد عليه ميشيل فوكو في معرض تحليله لنظرية السيادة لدى هوبز في كتابه «يجب الدفاع عن المجتمع»، فالميثاق الاجتماعيّ الرمزي يعكس معركة النضال السياسيّ الاجتماعيّ في نهاية المطاف، وتالياً إظهار ملامح السيادة والشرعية في شكل عقد اجتماعيّ على أنقاض الأنظمة البائدة، ولأن شمال وشرق سوريا بكل مكوناتها تحارب الإرهاب منذ سنوات، وترفض العودة إلى الحياة السياسيّة ما قبل عام 2011، وتقاوم الغزوات التركيّة بشكلٍ يومي، فإن العقد الاجتماعيّ الحالي يفترض أن يكون انعكاساً لهذه الإرادة بكل مكوناتها الاجتماعيّة، ويستمد شرعيته من هذا النضال السياسيّ في المقام الأول.
يخبرنا روسو في كتابه الشهير عن العقد الاجتماعيّ بأن “الإرادة العامة لا تبالي إلا بما هو مشترك وعمومي“، وفكرة الرابطة العمومية المشتركة تتعارض، وفق روسو، مع فكرة الإرادة الخاصة، فمثلاً، الأحزاب السياسيّة والجمعيات المدنية، التي تزعم أنها تعمل من أجل الخير العام، قد تحمي المصالح الخاصة لأفرادها فحسب، ولتجاوز هذه المعضلة، يقترح روسو بوجوب الاكثار من مشاركة الجمعيات والنقابات والمؤسسات المدنية قدر المستطاع، لتكون مرآة للإرادة العامة وحماية المجتمع من الضلال والحيل، ولعل هذا ما يفسر تمسك روسو بفكرة الديمقراطية المباشرة بجوار الديمقراطية التمثيلية والتوافقية، وهي فكرة أُدرجت في متن مسودة العقد الاجتماعيّ في شمال وشرق سوريا من خلال بنودها العامة أيضاً.
عراقيل التطبيق
ومع ذلك، يبقى الحكم النهائيّ مناطاً بمدى تجانسِ الظروف العمليّة مع وثيقةِ العقدِ، ومن أجل ذلك على وجه الخصوص، يستوجبُ إبرازَ التحدياتِ والصعوبات بصورةٍ حاسمةٍ ودقيقةٍ لكيلا ينتهيَ العقدُ إلى قصاصةِ ورقٍ فحسب، ومن أبرز تلك التحديات، التي تعاني منها شمال وشرق سوريا، انعدامُ الأمنِ والاستقرارِ نتيجة التهديدات المستمرة من قبل كلٍّ من تركيا والنظام السوريّ، إضافةً إلى عملياتِ “داعش” الإرهابيّة، وتضارب المصالح الجيوسياسيّة بين روسيا والتحالف الدوليّ. معطوفاً على ذلك، حالة الحصار وتدهور الوضع الاقتصاديّ وانتشار الفقر والبطالة ونزيف الهجرة الجماعيّة، واحتدام المصالحِ السياسيّة بين الفرقاء على الأرض، والتفاوت الاجتماعيّ جراء فساد ثلة من ضعافِ النفوسِ، سواء من خلال الاستهتار بالمالِ العامِ، أو من خلال تسخير المنظمات غير الحكوميّة وعقلية السمسرة التي تفرضها القوى الخارجيّة مع البؤر الطفيليّة المستفيدة من الإدارة العامة. ناهيك عن انتشارِ المحسوبيات على حسابِ سيادةِ القانون، والقضايا الخاصة بالتدهور البيئيّ والأمن الغذائيّ.
تُسفر هذه الأسباب عن حالةٍ نفسيّةٍ مضطربةٍ وسط العاملين في الشأن العام، الذين يجنحون ضمنياً إلى عدم قبول سلطة قانونيّة وأخلاقيّة تفوق مصالحهم الخاصة، وكأننا أمام أهواء حرةٍ بلا رقيب ولا حسيب، وبذلك يتغلب منطقُ القوةِ واحتكارِ النفوذِ على الوفاق العقلانيّ والسلميّ، وهذه المعضلة تقفُ حجرة عثرة أمام تطبيق فكرة العقد الاجتماعيّ نسبياً.
ما أشير إليه من تلك العوامل المذكورة آنفاً، ليس مبرراً للنزعة التشاؤميّة، فالعقد الاجتماعيّ أساساً هو الانتقال من أهواء حرة بلا قيد إلى العقل الذي يفرض القيد على الجميعِ باسم الصالح العام، فالذي يخسره الإنسان من تبني الحالة المدنيّة هو حقه الطبيعيّ المطلق في كل ما يحاول أن يحصلَ عليه أو يكسبه دون قيدٍ من الثروةِ الاجتماعيّة. فالحرية، كما يقول روسو، هي إطاعةُ الإرادةِ العامةِ. والميثاق الاجتماعيّ وحده ما يمنحُ القوة للآخرين. يحيل هيغل بدوره هذه الإرادة العامة إلى دائرةِ سياسيّةٍ عليا (الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا)، والتي من المسلّم بها، وبحكم طبيعتها العقليّة، أنّ تتجاوزَ الأهواءَ العائليّة والعصبيات الضيّقة والمصالح الماديّة للفئات الاجتماعيّة النافذة، فالقيدُ الأخلاقيّ والقانونيّ، وفق هيغل، يجسّدُ فكرةَ الحرية التي تحمي الأفرادَ والجماعاتِ من النزعاتِ المتطرفةِ واللاهثة وراء المنافع الخاصة غير المحدودةِ.
أَذعِن للقوة أو العدميّة السياسيّة
على مستوى التاريخ السياسيّ، لم يشهد المجتمع السوريّ أي شكل من العقود الاجتماعيّة التشاورية الجادة. بل تشكلت الدولة السوريّة الحديثة، منذ دستور عام 1920، عبر إرادة المستعمر مع مجموعات نخبوية ضيقة. تارةً عبر عمل عسكريّ مفروض من الأعلى، وأخرى من خلال مؤامرات وانقلابات عسكريّة داخلية. غالباً ما كان يواجه التنوع السوريّ بعبارة “أذعِن للقوة“، فقد حوّل قانون الطوارئ الدساتير والمنظومة الحقوقية إلى حالة صورية بلا معنى. بينما كان التنوع السوريّ يُهرس دوماً تحت قبضة الأجهزة الأمنية كوسيلة للحرب والابتزاز والنهب، ويُحرم من ممارسة الحق القانوني من خلال آلة العنف والحرب الداخلية، بينما لم يستطع التمرد الاجتماعيّ الأخير في البلاد اختراق بنية هذا النظام وإحداث القطيعة معها. نتيجة لذلك، تلاشت فكرة العمومية المشتركة التي تجمع الأفراد والجماعات. فدلالة مفردات مثل: الخير العام، السيادة، الحق، الواجب، لبست كلها الزي البعثي، وسُخِّرت لخدمة فئة محددة داخل البلاد. في حين استنسخ الطرف المعارض هذه الخاصية كردة فعل معكوس، بما أخرجت من جوفها تنظيمات إرهابية متطرفة لم تأبه يوماً للخير العام والمصير المشترك لعموم المواطنين والجماعات، وكأن مقولة هوبز الشهيرة “حرب الكل ضد الكل” باتت لسان الحال البلاد. وما تبقى من شكل الدولة، بات كياناً مفتتاً يقوم على العنف وفرض الأمن بشكلٍ قسري على نطاق جغرافيا محددة، وإن تجاهر عبثاً حتى هذه اللحظة، بطريقة دونكيشوتية، التشبث بالسيادة التقليدية.
مما لا شك فيه، هو فشل الأطيافِ المعارضة والنظام المركزيّ بدمشق في إنتاج حلولٍ جذريّة لتراجيديا السوريّين وخلق شروط للعدالة الانتقاليّة. إذ ظلّ خطابُ كلّ منهما حيال العقد الاجتماعيّ والدستور حبيس جلساتٍ تفاوضيّةٍ عقيمة، وصالونات حواريّة فارغة، وكتابات نظرية مجردة، في وقت تستنزف البلاد بشريّاً وماديّاً وتسبحُ في دائرةِ الفوضى والتشظّي على كافةِ الأصعدةِ. لم يتوقفِ الأمر عند هذا الحدِّ فقط، بل أصبحتِ النخبُ السوريّة، التي احتكرتِ الشأن العام، تروّجُ لخدعةِ إيديولوجيّة مفادها: دعنا ننتظر القوى الدوليّة والإقليميّة لتحسمَ خلافاتها الجيوسياسيّة في البلاد، ومن ثم، وبقدرة العصا السحريّة، ستُحل كافة القضايا من تلقاء نفسها، وفي مقدمتها، قضية العقدِ الاجتماعيّ الجديد والهوية الوطنيّة والدستور وشروط المرحلة الانتقاليّة. الحجة المذكورة أعلاه تعتاشُ بصورة واضحة على رؤيةٍ بلا سند واقعيّ وعقلانيّ، وتكمنُ المفارقةُ بأنَّ هذه المقاربة تطرحُ صيغة عدميّة تشير إلى الفكرة التالية: لطالما هذه الشروط غائبة في الوقت الراهن، فكلُّ الحلول السياسيّة المقترحة ستكون هدراً للوقتِ والطاقاتِ، وبذلك تطلقُ رصاصةَ الرحمة على الإرادة السياسيّة والقدرة الذاتية، وبالنتيجة، تسليم قدرِ المجتمعِ إلى ما يسمى “السياسة التشاؤميّة”.
ميثاق اجتماعيّ واجب
يقيناً أنّ شمال وشرق سوريا، من خلال مسودةِ العقدِ الاجتماعيّ، لا تطرحُ ميولاً بمنأى عن السيادةِ السوريّة مستقبلاً، لكنها تشترط وجوبَ تحقيقِ العدالةِ الانتقاليّة وفق صيغةِ الصفحِ والتعهّدِ، وإنجازِ دستور ديمقراطيّ يحترم إرادة جميع الأطراف الفاعلة، وريثما يتحقق هذا الشرط، ستسعى الادارة الذاتيّة إلى رسمِ منظومتها الأخلاقيّة والحقوقيّة كضرورةٍ ملحّةٍ، سيما أنّ نوعيّةٍ القضايا التي تواجهُ المجتمعَ لا يمكن علاجها من خلال مقاربة “إنقاذ اليوم“، أي عبر مراسيم وقوانين طارئة وأنظمة داخليّة للمؤسسات فحسب، بل تتطلب أيضاً شيئاً من العقدِ الاجتماعيّ الذي يوفّق بين القوى المدنيّة والسياسيّة للتصدّي للقضايا البنيويّة واحترام المبادئ الحقوقيّة العامة، وهو أمر يشترط بالضرورة تنشيطَ الحقلِ السياسيّ وتفعيلَ خاصيّة الإيمان بالقدرات الذاتيّة لدى المجتمع، مع الضغط على الجهاتِ الدوليّةِ المعنيّةِ لتقديم الدعم والمساعدة اللازمتين، مشروطاً مع طبيعة المجتمع وأهدافه المصيريّة.
وعليه، تبدو أهداف العقد الاجتماعيّ في شمال وشرق سوريا بمثابة بذرة ترصّف الأرضية لفكرة عقد اجتماعيّ جامع للسوريين عموماً، وتلزم إعادة صياغة الكثير من القضايا البنيوية مثل توحيد الإرادة العامة للمواطنين عبر إشراك كافة شرائح المجتمع في عملية الحوار والبناء والاعتراف بالتنوع الديني والقوميّ ضمن هوية وطنية جامعة وحل كافة القضايا المتراكمة خلال أكثر من مئة عام، فالعقد الاجتماعيّ في شمال وشرق سوريا، قد يؤسس لحل وتوافق تاريخي بين السوريّين في نهاية المطاف، ويشكل مدخلاً لتحقيق السلام الدائم والمشرّف، بعد ما شهدت المنطقة الكثير من الحروب وصراعات محليّة مدمرة.
يُحسب لمسودة مبادئ العقد، إنها استطاعت، ولو بصورةٍ غير مقصودة، إلى تضمين مبادئ الأجيال الأربعة من منظومة حقوق الإنسان في النص. تشمل هذه المبادئ الأربعة: الحقوق السياسيّة والمدنية، والحقوق الاجتماعيّة والاقتصادية والثقافية، والحقوق الجماعية والفردية، وحقوق البيئة، وهي بذلك تقدمت على غالبية أطروحات المعارضة والنظام، التي عادةً تقتصر على الجيل الأول “الحقوق السياسيّة والمدنية” والجيل الثاني “الحقوق الاجتماعيّة والاقتصادية والثقافية”. ناهيك على أن نوعية القضايا المتفجرة في المنطقة تفرض بالضرورة صيغة “الأجيال الأربعة من حقوق الإنسان”.
بناءً على ما سبق، يبدو أنه من المُلّح أن يتعامل العقد مع مفاهيم الأمة والهوية والوطن المشترك والنظام الإداري المزمع إنشاؤه والدستور والحقوق الفردية والجماعية وحماية المرأة والبيئة وقضية الدفاع ومبادئ العدالة الانتقالية، بعقلية مرنة تستوعب صيغة “الوحدة في الاختلاف“، على قاعدة الاعتراف المتبادل، وذهنية مشتركة قائمة على مبادئ رئيسية تُغلّب الأهداف العامة على نزعات هوياتية ومناطقية ضيقة، مع احترام وقبول الخصوصيات الفردية والجماعية في آن معاً.
ثمة ملاحظة أخرى بخصوص ماهية العقد، على أنها لا تقر فقط في طبيعتها بالحقوق، بل بالواجبات أيضاً. إذ أن العقد لا يشير إلى احتياجات الآخرين وحقوقهم فحسب، بل أيضاً إلى استدامة الروابط مع الآخرين على مدى الزمن. ذلك أن حقوق المرأة على سبيل المثال تُحدَد عادةً في استقلال هويتها الذاتية، وليس في التزاماتها تجاه الآخرين، ويشمل هذا أيضاً علاقة القوميّات والأديان حيال بعضها البعض، فالواجب يعني ضمناً التعهد بالتضامن الاجتماعيّ مع الآخر في لحظة الحاضر والمستقبل، خاصة أنّ الحالة السوريّة برهنت على انقلاب التفاهمات اللحظية بسبب الجنوح نحو المصالح الذاتية الأنانية.
إجرائياً، ينبغي مناقشة مسودة العقد وفق مفهوم المداولة أو ما يسمى بـ “ديمقراطية الحوار” كأفضل أسلوب لخلق تضامن اجتماعيّ حول القضايا المصيرية. ما يعني التأكيد على الطريقة التي يجري بها الحوار الصريح ليشمل جميع وجهات النظر، والاستماع إليها لضمان شرعية النتيجة حين يظهر للمتحاورين أنها تعكس حوارهم فيما مضى، كما يقول المفكر البريطاني الشهير، أنطوني غيدنز. على نفس المسار، يجدر التحاور مع مؤسسات الإدارة الذاتية والمجالس والكومينات والأحزاب السياسيّة ومؤسسات المجتمع المدني الجادة، فلم يعد كافياً اليوم أن يستفتي الناس بقضايا تخص مصيرهم من خلال ورقة التصويت، فالحوار مع الآخر يخلق ثقة نشطة لتنظيم العلاقات الاجتماعيّة في الزمان والمكان، ويسمح للأفراد والجماعات أن ينعموا بحياتهم مع وجودهم في علاقة اجتماعيّة مع الآخر، خاصةً إذا كان هذا الحوار يعبر عن مصيرهم من خلال عقد اجتماعيّ.
محصلة القول، تُعتبرُ الثقة والواجب المتبادل والتضامن الاجتماعيّ المبني على الاختلاف والتمايز الموجّه لتقييم الوحدة التكاملية، بمثابة لب ماهية العقد الاجتماعيّ المنشود في شمال وشرق سوريا، وترصف بنيان المقاومة الوجوديّة ضد سياسات الجهات المعادية.
المركز الكرديّ للدراسات
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle