تزايد منسوب العنف المسلط على النساء والأطفال في تونس، حسب أرقام وزارة المرأة، ما طرح جملة من التساؤلات حول الأسباب، التي تقف وراء استفحال الظاهرة، فضلاً عن مدى جدية هياكل الدولة ومؤسساتها في معالجتها ووضع حدّ لها، وكشف التقرير الوطني حول مقاومة العنف ضدّ المرأة لسنة 2021، الذي أصدرته وزارة المرأة بداية الأسبوع الجاري، أنّ هياكل النهوض الاجتماعي التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، تعهدت بـ 2633 ضحية عنف، منها 1758 إناثاً، و875 ذكورا.
ومثّل العنف المادي الذي يعد أكثر شكل من أشكال العنف الشائعة، يليه العنف المعنوي، ثمّ الجنسي، ثمّ الاقتصادي، وبيّن التقرير، أنّ مستشفى الرازي قد استقبل سنة 2021، 19 امرأة و40 طفلاً ضحيّة عنف للإحاطة النفسية، وفسّر مراقبون تنامي الظاهرة بانهيار القيم المجتمعية، وتراجع دور التعليم، فضلاً عن غياب الرؤى التنموية والاستراتيجيات، التي تضعها الدولة وتهدف إلى معالجة الظاهرة في أبعادها العميقة.
العنف الأسري خطر متواصل تواجهه نساء تونس
وتحدث عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة لصحيفة “العرب” أن: “النساء والأطفال يعدان من الشرائح المجتمعية الأكثر تضرّراً من استفحال هذه الظاهرة، خصوصاً في مجتمع لا زال يعاني من رواسب العقلية الذكورية”.
وتابع: “لئن كانت الحلول العاجلة ترقيعية وموضِعيّة، فإن الحلّ الجذري لا يعدو أن يكون سياسيّاً في البدء، أي على مستوى الدولة، وذلك عبر وضع سياسة اجتماعية – تربوية وتعليمية بالتوازي مع رؤية تنموية جديدة (مجتمع -اقتصاد -بيئة) تجد فيها الاستراتيجيات والبرامج الاجتماعية عموما، والهادفة إلى القضاء على ظاهرة العنف، دواءها الناجع؛ أي لا بدّ من تمشّ استراتيجي يبدأ بالآني، والعاجل، وينتهي بالامتداد على مستوى الزمن”.
وعلى الرغم من ترسانة التشريعات والقوانين في تونس، إلا إن ذلك لم يوقف مسلسل العنف ضد المرأة، وهو ما يضاعف المخاوف بشأن ضرب مكاسب المرأة في البلاد، وانتقدت شخصيات حقوقية وسياسية تقصير الدولة في معالجة الظاهرة، وغياب الآليات اللازمة لذلك، لكنها أشارت إلى ارتفاع مستوى الإشعار بوجود العنف المسلط على النساء والأطفال.
وأفادت الناشطة الحقوقية، بشرى بالحاج حميدة، إن: “هناك مجتمعات لديها هياكل لرصد ظاهرة العنف، ولاحظوا ارتفاعا في كشف حالات العنف، وفي تونس ليس لدينا مرصد العنف الذي يشتغل وفق آليات”.
وأضافت: “عندما نسنّ قانونا ضد العنف في 2017، لا يمكن أن يعطي نتائج منتظرة بهذه السرعة، ولا يمكن أن يقضي على ظاهرة العنف”، مشيرة إلى أن الدولة لا تقوم على التربية لحقوق الإنسان.
وأردفت الناشطة الحقوقية: “العنف ظاهرة قديمة، ولكن لم يعد العنف ضد الأطفال ظاهرة عادية، وأصبح هنالك وعي بأن العنف غير معقول، والتشهير به أصبح واضحاً، ولم يعد هناك تسطيح للظاهرة”.
واستطردت: “ما دام هناك تمييز فيعني أنه يوجد عنف، وهناك تقصير واضح من الدولة”، متسائلة “أين دور وزارة المرأة في التنسيق بين الوزارات، والإدارات الجهوية حول ظاهرة العنف؟”.
وشهد المجتمع التونسي خلال فترة الحجر الصحي تزايدا في عدد حالات العنف الموجه ضد النساء. بدورها، أكدت رئيسة منظمة النساء الديمقراطيات يسرى فراوس، تسجيل ارتفاع في حالات العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي الشامل،
العنف تزايد في الحظر
وقالت في تصريحات صحافية: إن المنظمة تلقت شكاوى من نساء ضحايا عنف زوجي في فترة الحجر الصحي، لم يحظين بمساعدة من بعض مراكز الأمن والحرس وطني”، مشيرة إلى أنه: “تم التعامل معهن بلامبالاة بحجة عدم اهتمام رجال الأمن بهذه القضايا حاليا”.
وحسب مسح أجراه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري في عام 2010، تواجه النساء العنف الأسري بمعدلات مرتفعة في تونس، إذ تتعرض 47 في المائة على الأقل من النساء للعنف الأسري.
