الشاعر سعيد السراج: الحركة الأدبية تسترد عافيتها بالرقة في ظل الإدارة الذاتية

الإمارات/ غزال العمر –

---

سعيد رضوان السراج شاعرٌ تعود أصوله لمدينة النواعير حماه؛ نشأ وولد في مدينة الفرات؛ الرقة ١٩٨٩م؛ فعشقها وتعلق بها؛ دخل كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرقة قسم اللغة العربية ليتخرج في عام ٢٠١٢ م؛ ليعمل مدرساً في بداية حياته وإدارياً للمركز الثقافي بالرقة في الوقت الحالي، وإعلامياً لوكالة إعلامية الكترونية “تراث الفرات” يقدم فيه برنامجاً، ويعمل كمعلقٍ صوتي أيضاً.

يبقى الشعر ملعباً للشعراء فهو الساحة الواسعة المفتوحة للتعبير عن خفايا النفس، وطرح الأفكار والتحرر من القيود المجتمعية بطريقةٍ أدبية حرّة.

الشعر روحٌ وكيان… وإبداع

صحيفتنا “روناهي” وفي مسعى منها للتعريف بالشاعر سعيد السراج، والقاء بعض الضوء على مسيرته، وأعماله أعدت التقرير التالي، ومن خلاله يشرح لنا كيف أن عين الشاعر القارئة، والمستشعرة للقصيدة تختلف عن بقية القُرّاء، وأنّ الشعر مرآة للروح وكيانٌ متكامل، يستطيع من خلالها الشخص أنّ يفرغ أيّ شحنة، أو دفعة انفعالية بداخله، ويعكس صورة الواقع فإما أنّ تُصلحه أو تنوه لقضية اجتماعية أو إنسانية موجودة.

ويضيف السراج: البون شاسع بين المثقف المتعلم، وغير المتعلم، وبين المبدع والخلّاق وسواه، فكل منهما يصنع لنفسه مكانة اجتماعية تلائم، وتتوافق مع فكره وعطائه، وما ينجزه ويقوم به من عمل، ولا شك أن الرقي والخلق سمة المبدع الخلاق، والشاعر قادر على الخلق والابتكار، وإضفاء الحياة على الجامدات، ما يمنح القصيدة روحاً للقارئ وراحة للنفس، وراحة للفكر.

الطبيعة بيت أفكار الشاعر والفرات ملهمي الأول

 البيئة المحيطة بالشاعر، والمتواجد فيّها لها تأثير واضح على أي شاعر، ولا شك أن الشاعر سعيد سراج متأثر بمحيطه، وبكل تفاصيله الجميلة “وجودك بمنطقة فيها نهر وجسر، وأراض زراعية، ومناظر خلابة، ومناطق تراثية تضيف عذوبة للشعر، وترتقي به نحو العُلا” هكذا يصف تأثره بمحيطه، ويضيف: أنّ للمجتمع المحيط أيضاً تأثيراً وغالباً ما يتفق الجمهور بالرأي مع الشاعر، ويتوافق معه لأنّه مرآة المجتمع، الذي يوصل صوته المبحوح، الذي يغص بالأوجاع والأفراح أيضا.

وتطرق السراج في معرض حديثه عن فرات الخير إلى الممارسات التركية المعادية لنهرٍ يعدّ مُلهما عميقا، يفيض شعراً “وجود النهر يؤجج المشاعر والأحاسيس المرتبطة به كمعلمٍ للحياة والحضارة داخل المدينة”.

  ويصف السراج كيف يلجأ الشعراء من أبناء تلك المنطقة الفراتية العذبة للنهر وقت الغروب، للبوح له بأسرارهم ويراقبوا تلاطم أمواجه “لم يسلم النهر من الممارساتٍ الوحشية للاحتلال التركي، الذي يحاربنا بمياهنا الإقليمية، التي لم تسلم من همجيته؛ الأمر الذي يحز بداخلنا كشعراء”.

ركود الحركة الأدبية في الحقبة التي رافقت وجود داعش

ولا تغيب الحقبة الزمنية، التي رقدت فيها المدينة بأكملها تحت سيطرة مرتزقة داعش، حيث يعدّ السراج ابن مدينةٍ توشحها السواد لفترة زمنية، ليست بالقليلة الأمر الذي أثّر على نتاجه الأدبي؛ ويعدّ الشاعر السراج، إن الفترة التي رافقت وجود الدواعش، لم تكن فترة سهلة، بل هي ضربةٌ موجعة لحملة الأقلام.

ويصف السراج الفترة بين عامي ٢٠١٣م ولغاية ٢٠١٧م بالمريرة: “قيدوا الكلمات بالسلاسل والحديد؛ قمعوا الحريات ونالوا من الشعراء، كموا الأفواه، وكسروا الأقلام، وحاربوا حملتها من كتابٌ وأدباء”.

 ويواصل حديثه متأسفاً لعدم رضاه عن نفسه في تلك الحقبة كشاعر؛ فهو لم يكتب كلمةً واحدةً بسبب ظروف الحرب وما رافقها من صعوبات “أصابني توتر شرياني، فتوقفت، وتعطلت مسيرتي الأدبية، لأنشغل بأمور النزوح، والحفاظ على سلامة عائلتي”.

فرحلة النزوح المتواصلة، والتوتر النفسي الناجم عنها كانت كفيلة بإبعاده عن الأدب ومجاله؛ خاصةً بأنّه يعيش ضمن مكانٍ قُلبت فيه الموازين “مكانٌ باتت فيه الحروف مذعورةً، والكلمات مصلوبةً والقصيدة أرملةً منكوبة”.

مسيرة الأدب في ظل الادارة الذاتية

يجزم السراج، أنّ الشعر كان يلفظ أنفاسه الأخيرة أثناء دخول داعش للمدينة، فبدأت المدينة تسترد عافيتها الثقافية من جديد في ظل حكم الإدارة الذاتية، التي تشجع الأدب، وتحترم ثقافة الشعوب؛ لتضج المنابر الأدبية من جديد بالنشاطات الثقافية والأدبية، ويعود صوت الأدب عاليا، وتشرع الأقلام من جديد.

ما مفهوم الشاعر للوطن؟

لا يتناول سعيد سراج الوطن كعاشقٍ محبٍّ، ولهٍ، رغم نظرة التقديس والعشق، التي فُطر عليّهما فقط، بل ينظر إلى تلك التفاصيل، التي قد تغيب عن عين سواه أيضا: “أتناوله كشاعر يقف على قمة جبل وأنظر إليّه بعين الناقد لكلّ من يستغل منصبه ويشوه مفهوم الوطن”. أما الوطن كمفهوم فهو أكبر من أنّ نحصره ونختصر وجعه وفرحه بقصيدة:

” الوطن قصيدة جميلة الوطن أم”.

أما عندما تتغير النبرة الشعرية للشعراء، والمواضيع باختلاف الظروف، التي تحيط بهم؛ فيعدّ السراج هؤلاء شعراء مناسبات، فالشاعر الحقيقي يحبّ أنّ يكتب بعقلانية لا بطريقة السرد، والتقرير المباشر والمخاطبة “النص الشعري وسرّ جماله لا يكمن بالمباشرة، ومحاكاة الواقع لأنّ الشعر نص وليد المشاعر، ولا يندثر باندثار الموضوع الذي يحاكيه ” حسب وصفه.

نصوص الشاعر ولغته الشعرية

ويميل السراج في شعره للشعر، الذي يخلط بين النص السردي، وبين الفلسفة؛ كالشاعر الكبير محمود درويش والشاعر إبراهيم الجرادي، والشاعر الفراتي، وابن كري سبي/ تل أبيض، أما عن اللغة التي يكتب بها الشعر فالسراج يميل للشعر الفصيح، الذي يحتاج لدراسة ولتمعّن؛ فهو لونٌ شمولي أكثر من أنّه شعبي.

 ويعزز الشاعر وجهة نظره مقارناً بين الشعر، والأغاني، التي غُنيت بالفصحى نجد بأنّ “الغناء الشعبي أقل عمراً من الفصيح المغنى، وذلك مقارنةً بأغاني أم كلثوم الفصيحة، والغناء الشعبي العراقي من بقي ودام أكثر؟” ومضيفاً أن الشعر الشعبي يُطربه، ويُغذي عنده نقص العاطفة بألفاظه السهلة المتناغمة، لكن لا يشبع ذائقته الأدبية، كالنص الفصيح حسب تعبير السراج.

المرأة ينبوع الشعر والجمال الروحي

 يثني السراج على دور الأنثى كملهمة للشعر، وإيحاء جميل له، بكلّ ما تحمله من مكنوناتٍ أنثوية داخلية، كالحبّ والعطف والحنان، وخارجية كجمال شكلها المرتبط بجمال روحها “الأنثى شيء روحاني، وخاصة حين تقف بجانبك وقريبة منك، تشعر وكأنّها قطعة منك في مكان آخر”.

واسترسل قائلاً: أنّه لا يتناول المرأة بشكل مباشر، وإنّما بشكل عذري؛ فهي تمثل الروح والقداسة، وهي آلهة الخصب والجمال” الأرض أنثى والجنة أنثى، والحياة أنثى، والمرأة أنثى”.

هل يموت الشعر ويفنى أم يُخلّد؟

الشعر برأي شاعرنا لا يموت، ولا يُخنق إلّا إذا تأطر صاحبه، وحُكم بإيديولوجية معينة تكبل أفكاره؛ فالمبدع لا تحكمه تلك الإيديولوجية، إلّا إذا كان شاعر بلاط يمدح الملك وحاشيته، أما الشعر الذي يحوي رؤية حقيقية وتناولاً للواقع وصدق بالعاطفة من المستحيل أنّ يندثر لأنّه سيجد جمهوراً وشريحة واسعة من القُراء، ستردده وتخلده فرسالة الشعر كرسالة النبوة رسالة إنسانية بجب أن تُخلد.

ما أجمل وأول ما كتبه السراج؟

يعدّ السراج نصه النثري الذي يحمل عنوان: “موسيقا بلون الماء، الى أنثى تسكنني، وأرى الحزن بعينيها” تلك هي أجمل قصائده بحسب وصفه، ويستذكر السراج أن أول قصيدةٍ كتبها: ” كنت في الأول الثانوي حين أسمعت أستاذي لمادة اللغة العربية “عمر الصالح” قصيدتي ليكون رده الجميل لا يزال مطبوعاً بذاكرتي” هذا الكلام ليس هباءً هذا شعرٌ على البحر الكامل، وموزون”. وللسراج ديوانٌ مطبوع خاص لكنه طور الإنجاز لم يرَ النور بعد.

ويكمل السراج حديثه موضحا إن ما يثير الجمهور ويجعله يصفق بحرارةٍ وحماس هو النص، الذي يلامس مشاعره فقصيدته “من ماءٍ وحبق” كانت مهداة لمدينته الرقة التي يعشق جمهوره سماعها:

“يا رقتي الروح قد فاضت

إليّكِ هوىً

فهل يُخبّأ فيض الروح بالورقِ

يا رقتي، الوجدُ أشياءٌ أمرُّ بها

كما تمرُّ طيور الشوكِ بالغسقِ

نامي حماماً على صوتي

فنصف دمي

نزفُ الفراتِ وأجراسٌ

من الحرقِ

كأننا لغةٌ بيضاءُ ينثرها

صوت الكمنجاتِ من ماءٍ

ومن حبقِ”.

يبقى لنا أن نشير إن للسراج مواهباً إلى جانب كتابته للشعر: “مواهبي كثيرة من أهمها صيد السمك وصيد الطيور؛ موهبةٌ تحتاج للصبر والتأني تماماً كما أنّك تكتب قصيدة”.