الثقافة الكردية… والثقافات المجاورة ـ1ـ

رجائي فايد_

التقيت بالأخ (حيدر عمر) فى دار نفرتيتي بالقاهرة، وهي دار النشر المصرية المعنية بنشر الثقافة الكردية، وهي بذلك تسد فراغاّ هامّاً، كان يجب أن يوجد منذ زمن، وكانت مناسبة  لقائي بالأخ (حيدر)، هو قيام المؤسسة الثقافية، التى يمثلها بتكريم الأخ (سيد عبد الفتاح) بمنحة جائزة (عثمان صبري)، وكانت تلك مناسبة طيبة تعرفت من خلالها على بعض جوانبه الثقافية، واستمر التواصل فيما بيننا عبر الشبكة العنكبوتية، إلى أن وصلني منه مؤلفه الموسوعي (الثقافة الكردية، والثقافات المجاورة)، والكتاب معروض فى معرض القاهرة الدولي للكتاب الحالي، وبنظرة سريعة إلى هذا الكتاب، وجدت أن هذه النظرة السريعة قد لا تفيد، لأن مثل هذا الكتاب العمدة، يدخل فى إطار الأطروحات الجامعية الرصينة، وهو بذلك يتطلب جهداّ مضاعفاً للإلمام بمحتواه، وهذا جهد لا يتوفر لدي الآن؛ بسبب وهن سنوات العمر، والمرض اللعين الذى هاجمني مؤخراّ، ولكن يتبقى ما وعدت به مع نفسى أخلاقياّ، أن أي كتاب مُهدى إليّ، خصوصاّ إن كان يستحق، فلا يجب عليّ تجاوزه.

عدد صفحات الكتاب تقترب من نصف الألف صفحة، ولأن قدر الكرد، أنهم يعيشون ثقافياً بين ثلاث ثقافات كبرى، العربية، والفارسية، والتركية، ولأن أصحاب تلك الثقافات، جعلت الظروف منهم متنفذين على الثقافة الكردية، بحكم عامل القوة، وأدى ذلك كثيراّ إلى ظهور نغمة معادية للثقافة الكردية، رغم أن التاريخ يشهد أن أصحاب الثقافة الكردية، كانوا الأقدم مكانيًّا من الناطقين بالتركية، وبالرغم من ذلك، فكانت الشوفينية التركية الأسبق فى محاولات تسعى إلى إنكار تلك الثقافة، ومحاولة اجتثاثها من الألسن الناطقة بها، ففي الأدبيات الشوفينية التركية (لا يوجد فى تركيا إلا أتراك، أما هؤلاء الذين يزعمون أنهم من أعراق مختلفة، فليس لهم مكان بيننا، سوى أن يكونوا خدماً أو عبيداً، ومن يطلقون على أنفسهم كرداً، فقد كانوا أتراكاً، وصعدوا إلى الجبال، وتوحشوا، وأعوج لسانهم، إنهم أتراك الجبل)، كما حاول كتاب إسلاميون (السيد عبد الرزاق الحسني على سبيل المثال) إلصاق الخرافات، والخزعبلات في مأثوراتهم، وكأنهم من طبقة دون مستوى البشر، والتأكيد على أنهم كفرة، وكان التباعد فيما بيننا يؤدي إلى ذلك، فى حين أن التواصل يؤدى إلى كشف الحقائق، وتبيان مدى التعمد فى تزييفها، ولذلك سنحت لي الظروف للتواصل مع الطائفة الإيزيدية أكثر من لحقها التشويه المتعمد، بزيارة مركزهم الثقافي فى دهوك (مركز لالش)، ثم بزيارة معبدهم المقدس (معبد الشيخ عدي بن مسافر الأموي) ولأكثر من مرة، وتحاورت كثيراّ مع مرجعهم الأعلى للطائفة (بابا شيخ)، وأذكر أنني فى أول زيارة للمعبد خفق قلبي بشدة، مما حملته ذاكرتي عما كتب عن هذه الطائفة، خاصة عندما وجدت رسما ضخما على باب المعبد لثعبان ضخم أسود اللون، وعندما سألت عن ذلك، قال لي مرافقي الإيزيدي، أن الثعبان حيوان مقدس لأنه أنقذ البشرية، بسبب ثقب حدث فى سفينة النبي نوح، فكور الثعبان نفسه، وسد هذا الثقب، مضحياً بحياته إنقاذاً للبشرية، إلا أن خفقان قلبي قد انقشع، بعد أن طالعت ملصقات جدارية فى المعبد، وفوجئت أنها تحمل أدعية تقترب كثيراً من أدعية أصحاب الطرق الصوفية لدينا، ويجب ألا أترك هذه الجزئية إلا بعد حديث عابر مع فتاة إيزيدية، كانت لي محاضرة فى جامعة دهوك، وبعد انتهاء المحاضرة تقدمت مني فتاة أنيقة الملبس، وبأدب شديد سألتني (علمت أنك زرت معبدنا بالأمس)، وكان سؤالها الذى من الواضح أنه يشكل إشكالية فهم لطائفتها أمام الآخرين (ترى هل تغيرت نظرتك عن طائفتنا بعد تلك الزيارة) وأحسست بارتياحها عندما قلت (بالتأكيد).

لذلك، فتكمن أهمية هذا الكتاب: في أنه يعطي الثقافة الكردية حقها المتوازن مع ثقافات دول الجوار، وفي الوقت نفسه، يزيل الغبار، الذي تراكم على تلك الثقافة بفعل مؤامرات أعدائها، في حين أن تلك الثقافة قدمت الكثير للثقافات المجاورة، ونحاول لاحقاً التطرق إلى ذلك، إذا أذِنَ لي المولى بذلك.