مائة وواحد وعشرون شهيداً نثروا السلام

سوزان علي_

تعجز الكلمات عن ترجمة ما يجول في النفس من مشاعر، تجاه بسالتهم وما يعتلجها من آلام صوب شهادتهم، وقداسة لصنيعهم، وسمو أخلاقهم، وتأبى إلا أن تخرج غير مكتملة عن وصف بطولاتهم؛ فهم حماة الأرض، والأرواح، عشاق الحرية والسلام، أبوا أن تترك مدينة الحسكة وحيدة بعد هجمات خلايا داعش، النائمة على سجن الصناعة بحي الغويران في مدينة الحسكة بإقليم الجزيرة في شمال وشرق سوريا، في محاولة لتهريب أكثر من خمسة آلاف مرتزق من السجن، فكانت الشهادة ثمرة كدهم وبطولاتهم.. مائة وواحد وعشرون وردة نضرة، غرست في تراب روج آفا؛ ففاح عبيرها الأرجاء، ونثروا السلام والأمان.. مائة وواحد وعشرون شهيداً، ضحوا بأرواحهم حماية للإنسانية، فيما كانت الدول العالمية غارقة في سبات عميق، تغض الطرف عما يدور في مناطق شمال وشرق سوريا، من المقاومة والتصدي لأخطر تنظيم إرهابي متمثلاً بـ”داعش”، وفي هجمات المحتل التركي على ديرك ومناطق كردستانية أخرى شنكال، ومخمور في باشور كردستان.. مائة وواحد وعشرون شهيداً اليوم نعتز بصنيعهم، ونسير على خطاهم في الصمود والتحدي.

أبدى مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية، وقوى الأمن الداخلي، وقوات الحماية المجتمعية بسالة فذة في حملة “مطرقة الشعوب” بالتصدي لهجمات مرتزقة داعش، والقضاء على الخلايا النائمة في الحسكة، وارتقى مائة وواحد وعشرون مقاتلاً إلى مرتبة الشهادة، وزفتهم عشرات الآلاف من أهالي المنطقة إلى مسكنهم الأخير؛ وودعتهم بالدموع والورود، وانتصرت قسد في حملتها تلك، وهذه ليست المرة الأولى التي تهزم قوات سوريا الديمقراطية داعش، حيث سبق وأن هزمتها في آخر معاقلها بالباغوز في حملة تحرير الريف الشرقي لدير الزور عام 2019م. إن هجمات داعش على سجن غويران إنما لإعادة نشاطه، وإحياء ذاته من جديد، وقتل الحياة في مناطق شمال وشرق سوريا، بألوانها المختلفة، ونسيجها المتجانس، مستهدفاً الشعوب الآمنة بأطفالها، وشيوخها، ونسائها، وأراد أن يعتم الحياة في المنطقة، ويظللها باللون الأسود تماماً كعلمه، ويسعى إلى كسر إرادة المرأة الحرة، واستهداف خط نضال حرية المرأة، كما فعل ذلك في إبادة الشعب الإيزيدي بشنكال عام 2014م، واستهدف حينها أيضاً النساء الإيزيديات، إلا أن مخططه هذا باء بالفشل، في الوقت الذي تسانده دولة الاحتلال التركي بالعدة والعتاد، واستكملت ما لم يستطع داعش فعله، بشن هجمات على ديرك وقرى الدرباسية، وشنكال ومخمور بالمسيرات والطائرات الحربية، مستهدفة المدنيين، في حين يغض المجتمع الدولي الطرف عن تعديات المحتل التركي، وجرائم داعش دون أن يحرك ساكناً، أو يستلم مواطنيه ممن انضموا لداعش، الذين باتوا وبالاً على الإدارة الذاتية، التي تحتضنهم بالرغم من أفعالهم كلها، وارتكابهم الجرائم المختلفة، أو يقيموا محاكم دولية لمحاكمتهم..!

المقاومة التي تكللت بشهادة مائة وواحد وعشرين شهيداً ليست مقاومة عادية، إنما مقاومة مقدسة تستحق التقدير والإجلال، فاحتضان تراب كل من ديرك، كوباني، عامودا، قامشلو، الدرباسية، الشدادي، والحسكة، لهؤلاء الحماة المقاومين، زادت من قدسيتها؛ تلك الأرض التي تتحلى بالمقاومة، باتت وجهة كل تائب وعابد!

ففي خضم عظمة هذا الحدث؛ ينبغي على شعوب شمال وشرق سوريا، أن تحافظ على قداسة أرضها بالاستمرار في الحماية الذاتية “الجوهرية” وأن تتخذها ثقافة لها؛ فالهجمات على المنطقة مستمرة، وداعش لم ينته بعد، وأن تتحد لردّ هجمات المعتدين، ولا سيما دولة الاحتلال التركي الطامعة في فرض هيمنتها على المنطقة، وتغيير ديمغرافيتها، وعلى المجتمع الدولي أن يحي إنسانيته، ويقيم محكمة دولية ومحاكمة مرتزقة داعش، واستلام دوله لمرتزقتها، ليعم السلام مجدداً.