قامشلو/ بيريفان خليل ـ
مؤتمر الحوار العربي الكردي، يستمر بمسيرته الهادفة في رسم خارطة مشتركة بين الشعبين، والتي بدورها تذلل مساعي الدول، والسطات الرجعية الهادفة إلى فصلهما، فملامح التلاحم المتجذر من بناء الحضارات بين الشعبين، تطغى على الساحة العربية الكردية في بداية اللقاءات الجوهرية في العديد من الدول.
في الفترة الأخيرة زادت مساعي الشعب الكردي، والعربي، وبخاصة في الدول العربية؛ للتقارب أكثر، وإيجاد سبل لتعزيز العلاقات بين الشعبين، ومن أجل ذلك تنعقد المؤتمرات، والجلسات الحوارية بحضور سياسيين، ومثقفين، وكتاب من دول عربية عدة من العراقيين، والفلسطينيين، والسوريين، والإردنيين، واللبنانيين، والمصريين، ومن غيرها من الدول العربية، وكانت أولى النشاطات المتعلقة بهذا الأمر، هو عقد مؤتمر جمع الشعبين في العاصمة العراقية بغداد بتاريخ 11/12/2021 تحت شعار “نحو حوار عربي كردي ناجح”، وبعد بغداد استضافت الأردن المؤتمر نفسه في العاصمة عمان، وذلك يوم السبت 22 كانون الثاني من العام الجاري، تحت شعار “العرب والكرد، الحوار طريق المستقبل المشترك”.
وعُدّ المؤتمران المنعقدان محاولةٌ لإرجاع الثقة بين الشعبين من خلال مناقشة القضايا، التي تعاني منهما، وخاصة كيفية الخروج من مأزق الدولة القومية المتعصبة، والدينية والطائفية، التي قوضت أواصر العيش المشترك ما بين الشعوب المختلفة.
وانتهى المؤتمران ببعض المخرجات منها: العمل على القبول والاعتراف، بالهويات العقائدية، والقومية، والثقافية، والإثنية، كافة، والتركيز على أن حل القضايا، والتناقضات المتجذرة، يكون بالحوار، وليس بالحروب، أو بالنزاعات المسلحة، وعليه يقبل بضرورة مشروع الأمة الديمقراطية، ودولة المواطنة، وبأهمية اعتماده أساساً في بناء مستقبل واعد للمنطقة، مرتكز إلى السلام، والديمقراطية والحرية، بالإضافة إلى التضامن مع قضية المرأة، ومساواتها مع الرجل في شتى المجالات، وبنبذ أنواع العنف كلها ضدها، والتأكيد على تمكينها، وأن تأخذ موقعها بفعالية في مجالات الحياة كافة، والتأكيد على أن الديمقراطية، واعتماد الفيدرالية واللامركزية الإدارية هي ضمان للتطور الحر في البلاد، وأيضاً التنويه بأنه من مستلزمات دولة المواطنة الحديثة، هي العلاقة المتكافئة بين الشعبين العربي والكردي؛ نظراً لتاريخهما، ولثقافتهما المشتركة وكذلك المصير المشترك.
وبخصوص النقاشات، التي دارت في المؤتمرات، التي انعقدت والتي ستنعقد مثيلا لها في دول عربية أخرى، وعن أهميتها ودورها في رسم خارطة مشتركة بين الشعبين، كان لنا لقاء مع مشاركات من الشعبين العربي، والكردي، حضرن المؤتمرات التي جمعت الشعبين على طاولة واحدة، لمناقشة قضاياهم، والوصول إلى سبيل لتمتين العلاقة بين الطرفين أكثر، بعيدًا عن السياسات الطامعة بزرع الفتن.
التعايش المشترك بوابة نحو حوار ناجح
رئيسة رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية، حنان عثمان من الشعب الكردي، تعيش في لبنان، كان لها حضور وكلمة أيضاً في المؤتمر، الذي انعقد في عمان، تحدثت لصحيفتنا بداية عن النقاشات، التي دارت في المؤتمر قائلة: “تم التطرق إلى التاريخ المشرف للشعب الكردي، وإلى دوره في بناء الحضارات، وبناء الاستقرار في المنطقة، ودور الشعب الكردي في بناء حضارات الشعوب الأخرى، فهو شعب بناء وحضاري”، مشددة على أن الشعب الكردي خلال تاريخه كله، لم يعتد على أي شعب، ولم يظلم أي شعب أبداً، بالعكس تماماً فهو شعب تواق إلى الاستقلال، والحرية، والأمن، والاستقرار المستدام في المنطقة.
كما العادة لم تكن المرأة غائبة عن مثل هذه النشاطات، وظهرت ذلك في مشاركتها في المؤتمرين المنعقدين، وأيضاً من خلال الكلمة، التي ألقتها المحاضرة حنان في المؤتمر المنعقد في الأردن، وذلك بالتحدث عن دور المرأة في دمقرطة المجتمع، وتاريخ المرأة النضالي، وشددت حنان على أنه يجب على الشعوب العربية، والأخرى أن تقوم بدارسات عن تجربة المرأة الكردية، وجميع النساء في شمال وشرق سوريا، كيف نظمت نفسها؟ وتقود مجتمعاً، وتمثل الريادة فيه بتنظيم ذاتها، وتنظيم فئات المجتمع.
وللتعايش المشترك السائد في مناطق شمال وشرق سوريا، دور في تنظيم هذه المؤتمرات، كما لفتت إليه حنان، مكملة حديثها “وللتعايش المشترك في ظل الإدارة الذاتية بين الشعوب، دور في الجمع بين الشعبين، حيث كانت بوابة نحو حوار ناجح مستدام، وأصحبت لدينا تجربة فريدة من نوعها، استمرت عقداً من الزمن، وهذه التجربة تعطي بريق الأمل والسعادة، على أنه سيكون هناك تعايش مشترك، واستقرار لجميع شعوب المنطقة”.
وزادت “مناطق شمال وشرق سوريا، وضعت استراتيجية حقيقية على أرض الواقع، ومن منظومة الإدارة الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، تجسدت الأخوة الحقيقة، والشراكة الاستراتيجية”.
قواسم مشتركة ستقلص مساعي السلطات الرجعية
انعقاد مثل هذه المؤتمرات في الظروف، التي تمر بها المنطقة بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص، بما يعانيه الشعوب من ويلات الحروب، ومن انتهاكات، ومن تهجير، وقتل، وتعذيب، واعتقالات، من الشعبين الكردي، والعربي، ومن الشعوب الموجودة في المنطقة كلها، له أهمية كبيرة كما ذكرته المشاركة حنان.
وفيما يخص دور الدول، والسلطات الرجعية في محاولاتهم لضرب الشعوب بعضها، قالت حنان: “الدول الكبرى والسلطات الرجعية، التي تساند، وتدعم هذه الدول، ترسم خرائط جديدة، ووضعت حدوداً اصطناعية بين الشعوب، تناسب مصالحها الاقتصادية، ونفوذها، هذه الخرائط تصب في خدمة هذا النفوذ، وضحية هذه الأفعال، وهذه السياسات، هي: الشعوب والمكونات الموجودة في المنطقة، من كرد، وعرب، وسريان، وشركس، وغيرهم”.
ومحور المؤتمرات كان مستنداً إلى التلاحم التاريخي الكردي، والعربي، والاعتراف، أن القواسم المشتركة، والنقاط التي تجمع الشعبين أكثر بكثير، مما تفرقهما، فقد كان هناك صراع في المنطقة، والشعب العربي والكردي ناضلا وكافحا في مواجهة التحديات، وضحيا بالغالي والنفيس في سبيل الوصول إلى حياة، يسودها الأمن والاستقرار، ودفعا ثمناً باهظاً من أجل ذلك، من دماء شبابها وشاباتها في مواجهة السياسات الاستعمارية الهادفة إلى تقسيم المقسوم، وزرع البلبلة، والفتن بين الشعوب، فكان مؤتمر الحوار العربي الكردي نقطة انطلاق من أجل التركيز على الجوامع، والقواسم المشتركة، التي عليها سيُبنى المستقبل في الأيام القادمة، في أن يكون هناك جسور متينة بين الشعبين؛ لإعادة الثقة، التي زعزعها العدو المشترك لهذه الشعوب، لأن سياسة فرّق تسد، هي التي تُمارس ضد شعوب المنطقة؛ لفرض الهيمنة التي تريدها الدول الاستعمارية، والإقليمية ذات النفوذ الكبير في المنطقة، هذا ما لخصته الرئيسة المشتركة في رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية عن محور النقاشات التي دارت في المؤتمرات.
دمقرطة الأنظمة بمواطنة حقيقية
وأضافت حنان: “من مخرجات المؤتمر، وضع استراتيجية متينة من خلال وضع خطة عمل مشتركة، والاستمرار في هذه مؤتمرات، وعقد جلسات حوار لرسم خارطة طريق مشتركة، والتطلع إلى أهمية العمل من أجل دمقرطة الأنظمة في المنطقة، من خلال مواطنة حقيقية، يتمتع بها جميع أفراد البلد بالديمقراطية، والحرية، بهويتهم، ولغتهم، وكيانهم، وكينونتهم، وألا يكون هناك نوع من الظلم، التي تتعرض له الشعوب، وبخاصة الشعب الكردي”.
وعن اختيار الأردن كبلد لعقد المؤتمر بعد بغداد، أوضحت حنان شاكرة المملكة الأردنية، التي أتاحت لهم الفرصة ليجتمع الشعبان على طاولة واحدة، تم خلالها تبادل الأفكار والنقاشات، والتي بدورها ستساهم في تقلص الحواجز والفروقات، والهموم، التي يتبادلها الشعبان “اختير الأردن نظراً لأهمية هذا البلد من الناحية التاريخية، ووجود عدد كبير من الأردنيين ذي أصول كردية موجودين فيه، وأصحبوا جزءاً من النسيج الأردني، علماً أنهم لا زالوا يتمتعون بخصائص وتقاليد وهويتهم الكردية”.
رسم خارطة تمحو سياسة الطابع الواحد
ووجهت حنان رسالتها للشعب العربي، كاشفة أن المؤتمرات، والحوارات ضمن السياق نفسه، ستستمر: “فعلى الشعب العربي العمل مع الشعب الكردي، لتغيير المفاهيم الموجودة ضمن الأنظمة السائدة، كما ذكرنا آنفا من خلال دمقرطتها وهذا الشيء، يحدث بجهود المثقفين، والكتاب، والذين لهم ريادية بالمجتمع، فعليها القيام بواجبها، وعدم تعتيم الحقائق التاريخية، بل إظهارها، والكتابة عنها، والنقاش حولها، لكي تتعرف الشعوب والفئات غير المدركة بتاريخ غيرها من الشعوب، ودورها في بناء الحضارات، والتضحيات التي قدمتها في سبيل أن ينعم الجميع بالأمن”.
وقالت أيضاً: “إن العمل بين الشعبين يستمر بكل أبعاده، ومجالاته من أجل تبديد المخاوف، وتقريب وجهات النظر أمام التحديات، التي تقف حجر عثرة أمام علاقات استراتيجية منها الداخلية، ومنها الخارجية، كالفكر القوموي الضعيف الإقصائي، والإسلاموي، والجنسية، التي لا تعترف بالآخر، والتي تحول دون فهم واقع الطرف الآخر”.
واختتمت رئيسة رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية، حنان عثمان حديثها بالتنويه، إلى أن مشروع الأمة الديمقراطية، الذي يتبناه الكرد، والذي طرحه المفكر عبد الله أوجلان من خلال مرافعاته الخمسة، وهو معتقل في جزيرة ايمرالي، هذه المرافعات التي تعدّ مانفستو للشعوب كافة، من خلالها رسم خارطة الطريق، لتكون حلاً شاملاً لجميع المشاكل، في أن يعيش كل مكون وشعب بطابعه، وبقومية، وباللغة التي تناسبه، لأن هذا المشروع عابر للقوميات، عابر للون الواحد، وهو الطراز الأنسب للموازيك الموجودة في الشرق الأوسط، وبهذه الطريقة سيكون الحل للأمور العالقة التاريخية، والجغرافية الماضية والحاضرة.
الشعب الكردي له تاريخ عريق
والدكتورة هبه حدادين؛ المديرة التنفيذية لمؤسسة الجنوسة للدارسات، والاستشارات في الأردن، أيضاً كانت إحدى المشاركات في المؤتمر، فكشفت لنا أن الأردن كساحة جمع الكرد، والعرب في لقاء جوهري على طاولة واحدة؛ لمناقشة ما يهم الشعبين، ويساهم في زيادة الارتباط بين الشعبين، لاندماج الشعبين مع بعضهما بالكامل، لغة، وثقافة، وانتماءً، مشيرة إلى أن الشعب الأردني، احتوى الكرد، الذين بدورهم اندمجوا مع المجتمع الأردني ثقافة وسياسة.
وعبرت عن رأيها بالمؤتمر المنعقد في وطنها، أنه عكس تاريخ، ونضال الكرد، وقضيتهم بشكل جيد مشيرة إلى أهمية التجربة لبناء مستقبل واعد خالٍ من العنف، ومتسلح بالحرية، والديمقراطية، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية بين الشعوب، ملفتة إلى ضرورة الاعتراف بهويات الشعوب أجمع “فالشعب الكردي يحمل تاريخاً عريقاً، لذا يجب الاعتراف بكافة الهويات العقائدية، والقومية وقبول الآخر، وإرجاع الثقة بين شعوب المنطقة”.
