الإمارات/ غزال العمر ـ
بتأشيرة دخولٍ سياحية، وبطاقة طيران استلفت تكلفتها، جاءت من قريتها الجبلية التي تبعد عن بيروت ١٣٥ كم، من جهة الشمال إلى الإمارات العربية المتحدة، إنّها جنى شحادة ابنة عكار، شابةٌ في عامها التاسع عشر أتعبها وضع البلاد الذي ضاقت الأحوال ذرعاً به.
تمر لبنان بموجةِ نزوحٍ تُصنف بالأكبر في تاريخها، شبابٌ يفعلون المستحيل، ليغادروا بعد أنّ استنزفت الأوضاع الاقتصادية السيئة طاقاتهم، فقلة فرص العمل، والارتفاع اللامنطقي للأسعار، وانهيار الليرة اللبنانية، وعدم استقرار الوضع السياسي، أسبابٌ مجتمعة تحمل الشباب على حمل حقائب سفرهم بيد، وجواز السفر باليد الأخرى، دون أن يلتفتوا للوراء.
ظروف أرغمتها على ترك الوطن
جنى شابةٌ صغيرة في المرحلة الثانية في الجامعة كلية العلوم والبيولوجية، لم تعد قادرة على دفع أقساط جامعتها، فحزمت أمتعتها، وقررت السفر مع ابن أختها الذي يكبرها بعامين.
ابنة الضيعة البسيطة، تبهرها أبراج الإمارات، وسوق عملها المفتوحة لكنها متفائلة، فثلاثة أشهر فقط لها في بلاد الاغتراب، فالرحلة في بدايتها، والمشوار طويلٌ طويلٌ، فالمدة لا تعدّ عمراً في سنوات المغتربين الطويلة، حسب كلامها. تصف الشابة لحظة إقلاع الطائرة من مطار بيروت في بلدها: “قلتُ للطائرة اقلعي كفانا تعباً، فقد سئمنا من عيشة الأموات، ونحن على قيد الحياة”.
وتكمل حديثها لصحيفتنا “روناهي”: “عائلتي كبيرة، وأبي تعب من الركض والسعي دون فائدة بأعمالٍ بسيطة، لا تكفي ثمن أدوية لعلاجه” حسب وصفها.
رغم ألم الغربة رحلة الكفاح بدأت
جنى الشابة النحيلة ذات العينين العسليتين اللامعتين، والشعر المتطاير على كتفيها، كما أحلامها المبعثرة، التي نجت بها من براثن الفقر والجوع، والانهيار الاقتصادي والسياسي، تتطلع للكفاح والمقاومة لتتغلب على الفقر والفاقة ومساعدة أهلها ما أمكن.
تتعامل بصبرٍ مع ضغوطاتِ العملِ
تعمل جنى في كافتيريا بإمارة عجمان، تحمل اسم “المنئوشة” تقدم الطلبات للزبائن، تبدأ بساعات العمل من الساعة الرابعة عصراً، إلى الثانية بعد منتصف الليل: “أصل منهكة ومتعبة جداً، وكم من ليلةٍ نمت بها بثياب العمل”.
تستيقظ جنى في الصباح لتذهب لعملها الآخر، حيث تقف كبائعةٍ في محلٍ للألبسة من التاسعة صباحاً إلى الثالثة: “الحياة صعبة، وتحتاج الكفاح”.
تتحمل جنى ضغوطات العمل، والغربة برضا وقناعة، أنّها قادرة على مواصلة تعليمها، وتحصيلها الدراسي، وتتطلع لحياةٍ أفضل، ترسم خطوطها بيديها رغم مرارة الغربة، وحنينها لوطنها بنظراتٍ لا تخلو من العتاب، بتنهيداتٍ تعقبها حسرات لوطنٍ تحبّه، رغم المحن مرددة بأسى: “وطني لو شُغِلتُ بالخلدِ عنه… شغلتني إليّه بالخُلدِ نفسي”.