سور منبج من تحفة أثريّة إلى طللٍ

منبج/ آزاد كردي –

سور منبج، أحد أبرز المعالم الأثرية الشاهدة على الحضارات العريقة المندثرة، هذا السور الذي كان ذات يوم أحد أهم التحصينات الدفاعية عن المدينة، بات الآن أثراً بعد عين، وتتبادر للذهن بعض التساؤلات، ماذا حدث حتى أمسى السور طللاً؟، ولمَ أنشئ؟ وماذا حل به في الوقت الحاضر؟

تزين الآثار مدينة منبج، كما تزين زهرة ضفيرة، فبكل بقعة منها لون حضاري يزيدها بريقاً، وبهاء حتى في الأوابد المندثرة، ويعدّ سور منبج من ضمن الآثار التي لاقت مصيراً مشؤوماً بالزوال إلا أننا نحاول أن نسلط إضاءات بسيطة على جوانب من حياة السور حسب ما توارد من شواهد وأخبار.

يبدو سور منبج من بعيد على شكل حدوة حصان، يحيط بها من الجهة الشمالية والشرقية ليمتد بعد ذلك إلى الجهة الجنوبية والغربية، وتتحصن داخل هذا السور قلعتها الشهيرة، وقد أورد ابن جبير ذكر السّور قائلاً: “يحف بها سوراً عتيقاً ممتد الغاية، والانتهاء، وقد تمّ ترميم السّور في الحقبة الرّومانيّة، ويذكر أيضاً أنّ جوستنيان أشاد سوراً حصيناً؛ عجز عن اقتحام منبج كيخسرو ملك الفرس عندما جاء لمهاجمة شمال بلاد الشّام”.

ولعل السور كان ماثلاً قبل السلوقيين، ولشدّة تقهقره رمّمه سلوقس على غرار أسوار المدن الأخرى؛ مّا زاده حصانة، ومتانة، وما أصاب منبج من نهضة سلوقس العمرانية؛ قلعتها التي بقيت داخل السور وهي تنسب للقلاع السّلطانية.

وذكر تاريخ نشأتها الباحث عرابي عبد الحي عرابي في جريدة القدس العربي، أن السور يحيط حول منبج بغية الدفاع والمنعة، وأنها تحوي كنيسة مسيحية عمرها 17 قرناً، بالإضافة إلى العديد من القطع الأثرية على رفات بشرية ضمن مدافن لأشخاص سكنوا المكان.

أما المواد التي بُني بها السور، فقد ذكر ياقوت الحمويّ: أنه سور مبنيّ بالحجارة محكم”. ويوصف هذا السّور، أنه شديد المتانة والأحكام، ولعل الغرض دفاعي بحت وهو لرد جحافل المعتدين على أعقابهم.

ولا شك أن تصميم القلعة المحاط بالسور ليس غريباً في هذه المناطق التي كانت تتعرض للدوام للغزو والقتال من قبل الإمبراطوريات الكبيرة، وكانت تمثل في التصميم نموذجاً يحاكي الأكروبوليس؛ بلغة الآثاريين، أيّ المدينة المصغّرة، وهي قلعة عسكريّة؛ تبنى داخل السّور؛ عادة يحتمي بها الأهالي إذا ما حوصرت بلدتهم، أو تقهقرت أسوارها، وفيها مؤن كافية من الطّعام والشّراب، ويوصف السور لعظمته بأنه يتطلب أكثر من ساعتين للدوران حوله وإلى جانبه خندق عميق على غرار قلعة حلب، وقد قال عنها ابن جبير عندما زار منبج سنة 579هـ (لها قلعة حصينة، في جوفها تنقطع عنها، وتنحاز عنها).

الغريب في الأمر أن ما تبقى من هذه القلعة سوى اسمها، وجثّتها الهامدة؛ الرابضة وسط حيّ يشكّل حيّاً يدعى التبّة. وهي هضبة ردميّة عالية؛ بني فوقها خزّان مياه، والزائر لمنبج يراها، والخزّان أوّلاً، والحديث للباحث حسين بكار، صاحب كتاب منبج سيرة ومسيرة.

ولم يكن حال قلعة منبج بأفضل من السور الذي تعرض للخراب، الذي جره إليها العوامل الطبيعية والعوامل البشرية جراء حروب على امتداد تاريخ منبج أو من الهدم والعبث أيضاً. ومنذ سنوات ليست بعيدة شكل سور منبج مقلعاً واسعاً يستغله السكان لبناء منازلهم الطينية التي تبدلت إلى استخدام الإسمنت والبلوك وقد تكونت بقاياه داخل المنازل أو أسفلها فاندثرت أغلب أجزاء السور وحلت مكانه أبنية سكنية، وفق بحث للكاتب قصي أحمد في موقع الشرق الأوسط الديمقراطي.

وبرغم الاندثار الذي أصاب السور إلا أنه يمكن مشاهدة بعض الأجزاء حيث تتوضع هذه الأجزاء في الجهة الشمالية والشرقية، أما أجزاء السور في الجهة الجنوبية والغربية فهي مخربة بالكامل ولم يتبق منها سوى ما هو ظاهر.