لماذا يتوجه كرد باشور كردستان إلى بحر المانش وهم على دراية بأنه خاطف أرواحهم..؟!

دجوار أحمد آغا_

الهجرة غربة، يعيشها الإنسان، وبالمجمل يكون خلفها أسباب تدفع بالإنسان إلى ترك وطنه ومسكنه وموطن آبائه وأجداه، ليس عن عبث، من أخطر وأصعب هذه الأسباب، أن تكون الهجرة بحثاً عن لقمة العيش، التي لا يستطيع الإنسان تأمينها في وطنه، والأصعب أن تكون بسبب عدم قدرته على العيش بحرية في وطنه، لا يستطيع أن يُعبِّر عن رأيه، ولا أن يختار الشكل المناسب لعيشه وحياته، هنا في الشرق الأوسط، جميع الأنظمة دونما استثناء شمولية دكتاتورية، تتحكم بزمام الأمور، وتضع إمكانات وثروات وطاقات البلاد كافة، تحت يدها وتتصرف بها كيفما تشاء، ووفق مصلحتها الشخصية، لذا نرى معظم المهاجريين، هم من مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا، التي لا تقل أنظمة حكامها دكتاتورية عن التي تحكم الشرق الأوسط.

الهجرة إلى أين؟! الوجهة المفضلة هي أوروبا (الغربية)، رغم زوال مفهوم ما يُسمى بأوروبا الشرقية والغربية، ولكن معظم المهاجريين يتوجهون الى بلدان أوروبا الغربية، وعلى وجه الخصوص (ألمانيا، فرنسا، هولندا، ايطاليا، النمسا، سويسرا، بلجيكا، الدنمارك، والدول الاسكندنافية “السويد، النرويج، فنلندا”). لكن أن يهاجر المهاجر من إحدى هذه البلدان إلى بلد آخر مثل المملكة المتحدة البريطانية (انكلترا، اسكوتلندا، ويلز، إيرلندا الشمالية) هو أمر مثير للاهتمام.

الحدث الثاني الذي نتناوله اليوم، هو هذا الموضوع: ففي الآونة الأخيرة كثُرت حالات عبور بحر المانش، الفاصل بين فرنسا، والمملكة المتحدة من جانب المهاجرين، وأدت الى فقدان الكثير منهم لحياتهم، لنتعرف على بحر المانش، ومن ثم نستعرض معاً الأسباب التي دفعت بهذه الأُسر إلى الهجرة، بالأساس من موطنهم الأصلي، ومن ثم سبب توجههم إلى المملكة المتحدة على وجه التحديد رغم المخاطر والصعاب.

تقع قناة المَانش عند الفرنسيين، والقناة الإنجليزية، عند الإنجليز، هي جزء من المحيط الأطلسي الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا، وتربط بحر الشمال بالمحيط الأطلسي، يبلغ طولها حوالي 563 كم، أما عرضها فيبلغ 240 كم عند أوسع نقطة، و34 كم عند أضيق نقطة بين “مضيق دوفر” و”حد نيز جريس”.

نعود إلى موضوع الهجرة، تُرى لماذا تهاجر عائلة من موطنها، وتتوجه إلى المجهول؟! برزت في واجهة الأحداث مسألة موت الكثير من المهاجريين الكرد من باشور كرستان سواء على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا أو في بحر المانش، الفاصل بين فرنسا، وبريطانيا، بينما تقطعت السبل بمئات آخرين، ممن يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي، وسط درجات حرارة شديدة البرودة، هذه المآسي جعلت الكثيرين يتساءلون عن سبب رغبة الكثيرين من باشور كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، وبموارد نفطية، ويتميز بالأمان والاستقرار والازدهار النسبي في القيام بمثل هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر.

يقول العديد من كرد باشور كردستان العالقين في المخيمات، المنتشرة على طول الساحل الفرنسي الشمالي، وعلى الحدود بين بيلاروسيا وبولندا:” إنهم يحاولون الهروب من الصعوبات الاقتصادية في الإقليم، والحصول على حياة أفضل”. ويشتكي هؤلاء المهاجرون من “ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الأجور، وعدم دفع رواتبهم فضلاً عن ضعف الخدمات العامة وانتشار الفساد، وشبكات المحسوبية المرتبطة بعائلتي بارزاني، وطالباني، والحزبين التابعين لهما، اللذين يسيطران على الحكم في الإقليم منذ ثلاثة عقود تقريباً”.

فصل من فصول هذه المأساة جرت الخميس الماضي، 25 تشرين الأول، والذي راح ضحيته 27 شخصاً جميعهم من كرد باشور كردستان، منهم مريم نوري محمد أمين، البالغة من العمر 24 ربيعاً، والتي كانت تستعد لملاقاة خطيبها، غير أنها بدل أن تلبس الفستان الأبيض للزفاف كفنت بالكفن الأبيض، بعد أن انتشال جثتها من بحر المانش، إثر غرق الزورق، الذي كان يقلهم.

رحلة الموت هذه خطفت إلى جانب مريم، ست نساء أُخريات، إحداهن حامل، وثلاثة أطفال إلى جانب 17 رجلاً.

قال شاب في مخيم بـ”دانكيرك” لموقع “بشتي نيوز” الكردي مؤخراً: “لا أمل في كردستان، على كل شاب أن يهاجر، باستثناء أولئك المدعومين من قبل الأحزاب الحاكمة”.

وقالت امرأة في المخيم نفسه: إن زوجها خدم في قوات البيشمركة الكردية لسنوات، لكنهم غادروا إلى أوروبا، بعد أن توقفت حكومة الإقليم عن دفع راتبه، وقالت: “لدينا أمل في حياة أفضل بمجرد وصولنا إلى المملكة المتحدة، وضمان مستقبل أفضل لأطفالنا”.

يُذكر أن عدد سكان إقليم كردستان يبلغ أكثر من خمسة ملايين نسمة، يعمل حوالي 1.3 مليون منهم في المؤسسات، والجهات الحكومية، وهذا يعني أن العديد من العائلات عانت بشدة عندما خفّضت الحكومة رواتب موظفي القطاع العام، بنسبة تصل إلى 21٪ في أوائل العام الماضي.

وانتعشت أسعار النفط الآن، ويتعافى الاقتصاد، لكن قلة فرص العمل، وضعف الأجور، والفقر المنتشر في الإقليم يثير احتجاجات متكررة.

ونزل الآلاف من طلاب الجامعات الأسبوع الماضي إلى شوارع مدينتي هولير والسليمانية؛ للمطالبة باستعادة المنح الشهرية، التي تم وقفها في عام 2014 بعد تراجع أسعار النفط، وبدء الحرب ضد داعش.

وقال أحد الطلاب لوكالة الأنباء الفرنسية: “هناك طلاب لا يستطيعون دفع تكاليف السفر إلى مسقط رأسهم، وآخرون لا يمكنهم دفع تكاليف ثلاث وجبات طعام في اليوم”.

رزكار واحد من العديد من الكرد الذين يحاولون معرفة مصير أفراد عائلاتهم، الذين لم يسمع عنهم أحد منذ مأساة الخميس في القنال الإنجليزي.

غادرت زوجة رزكار، كجال حسين (45 عامًا) مع ابنتها هادية (22 عامًا) وابنها مُبين (16 عامًا) والابنة الصغرى هيستي (7 أعوام) من بلدة كردية في باشور كردستان.

يقول رزكار: إنه لم يكن يريد أن تغادر أسرته إلى أوروبا، وأنه كان سيفقد وظيفته، كشرطي، إذا انضم إليهم وفشلت الخطة.

لكن عائلته كانت مصرّة على رغبتهم في محاولة الوصول إلى بريطانيا؛ من أجل حياة أفضل، لقد وعدهم بالانضمام إليهم، إذا نجحوا في ذلك.

ويقول رزكار: “لقد أرادوا الذهاب، الجميع يريد العيش بحياة كريمة، وأن يتمتع بقلب وعقل هادئين، ولكن هنا، اسأل أي شخص من سن السابعة إلى الثمانين – لا أحد يشعر بالرضا”.

يقول: “إذا كان الوضع جيدًا، فلن يهاجر الناس، من يريد أن يغادر بهذه الطريقة؟ لا أحد”.

السؤال الأخير الذي يتبادر الى ذهن الإنسان، هو لماذا يصر المهاجرون السفر من فرنسا الى بريطانيا رغم المخاطر؟!

يكمن الجواب فيما تقدمه بريطانيا للمهاجر، مجرد أن يتقدم الشخص بطلب للجوء، يحصل على مساعدة سكنية ومالية، إذا لم يكن لديه الوسائل اللازمة لإعالة نفسه، إلى حين البت في طلبه.

إذا ما حصل شخص ما على صفة اللاجئ، يمكنه هو ومن يعيل البقاء في البلاد لمدة خمس سنوات، بعد مرور هذه المدة، يمكنه التقدم بطلب للبقاء الدائم في المملكة المتحدة.

نكتفي بهذا القدر من الكتابة ونترك لكم التعليق