الشدادي/ حسام دخيل – للعام الثاني على التوالي تتأثر مناطق إقليم الجزيرة بموجة جفاف كبيرة، لم تتعرض لها المنطقة منذ عقود، وأثر الجفاف بشكل كبير على سلة سوريا الغذائية، ما دفع الآلاف من المزارعين إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية، أو البحث عن أعمال أخرى بعد عامين من الجفاف، والتدهور الكارثي للمحاصيل الزراعية.
ويأتي ذلك بعد ندرة الأمطار، وجفاف مياه الأنهار أهمها نهر الفرات، ورافدة نهر الخابور، بعد تعمد تركيا قطع مرور مياه الأنهار إلى المنطقة.
وبدأت تداعياتُ الجفاف، الذي شهدته سوريا في الموسم الزراعي الأخير 2020 – 2021 إضافة للموسم الزراعي الحالي، تظهرُ بشكلٍ جلي، في مناطق إقليم الجزيرة السلة الغذائية للبلاد، وأكبر منتج للمحاصيل الاستراتيجية، والتي يعتاش معظم سكانها على الزراعة وتربية الثروة الحيوانية.
في قرية الحريري شرق الشدادي، والواقعة على كتف نهر الخابور، يحاول المزارع عواد المحمد جاهداً فتح طريق لعبور ما تبقى من مياه في مجرى النهر، الذي بات كمُحتضر يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ويروي المزارع قصته مع المعاناة لصحيفتنا “روناهي” ويقول: “منذ أكثر من عشرين عاماً، لم أر مثل هذا الجفاف يضرب المنطقة، فكل عام، حتى وإن كان المطر قليلاً، تبقى بعض الحفر في نهر الخابور ممتلئة بالمياه، حيث يقوم المزارعون بري أراضيهم، فيسقي مربو المواشي مواشيهم منها، على عكس هذا العام تماماً، حيث بات الخابور كالمحتضر على فراش الموت، حتى الأشجار التي كانت تزين ضفافة جفت، فماتت، والتصحر بات يغزو المنطقة، والأمور كارثية إلى أبعد الحدود”.
ويضيف المحمد: “كان الخابور في السابق يعدّ الشريان الحيوي للمنطقة من مدينة سري كانيه، وصولاً إلى نقطة التقائه بنهر الفرات في بلدة البصيرة شرق دير الزور، أكثر من نصف مليون إنسان من مختلف المشارب والأعراق، كانوا يعتمدون عليه بشكل أساسي، في تأمين المياه، وري مئات الألوف من الهكتارات وسقاية قطعان الماشية، وبعد تعمد تركيا قطع مياهه، أصبح اليوم خاوياً على عروشه، وتحول لمستنقعات لا تحوي سوى الأمراض والآفات”.
فيما يقف المزارع حسين الإبراهيم، على أطلال الخابور، وهو يراقب بعين الحسرة الحال التي وصلت إلية في هذه السنين العجاف. فيقول:
“نحن الآن على أبواب دخول شهر كانون الأول، والأمطار لم تنزل بعد، والخابور جثة هامدة لا روح فيه، وموسم الحصاد في العام الماضي أسوء موسم قد مرّ على المنطقة، الخيارات والحلول كلها نفذت ننتظر رحمة من الله”.
ويتابع: “لم أستطع زراعة أرضي كاملة، زرعت قسماً بسيطاً منها، فزراعة أكثر من 15 دونماُ يعدّ مغامرة، الموسم غير مبشّر، والمعطيات كلها تشير إلى ذلك”.
أما الخمسيني دحام العلي فيقول: “المواشي بدأت تموت جوعاً وعطشاً، فالمنطقة تمر بكارثة كبيرة، الجفاف وصل إلى ذروته، لم نعد نقوى على تأمين المزيد من العلف للمواشي”.
ويتابع: “الهجرة نحو المدينة الآن هي الحل الأمثل، سأقوم –مكرهاً- ببيع ما تبقى لدي من ماشية، وأتوجّه إلى الحسكة، أو قامشلو، برفقة عائلتي، فهناك أصبحت الفرص أوفر، فالشباب هناك قد يحظون بفرص عمل، لم يبقَ لنا شيء هنا”.
وتزداد معاناة السكان يوماً بعد يوم؛ بسبب الأزمات المتلاحقة، التي يعيشونها وتردي الأوضاع المعيشية، ما جعل الهجرة أحد أبرز الحلول لكثير من العوائل؛ هرباً من الأوضاع المتردية، وبحثاً عن ظروف معيشية أفضل.
