قرابين الشرف المزعوم

 هيفيدار خالد-

أن تولد شرقياً يعني أنك يجب أن تقاومَ كافة أساليب الحياة القاسية التي يفرضها عليك الغير، وثم عليك أن تواجه المستحيلات في مسيرة حياتك؛ أن تكون شرقياً يعني أنك ستحيا طيلةَ حياتك في صراع دائم مع ذاتك ومع كل مَن حولك، يعني أن تموت قبل أن يأتيك الموت.

 ففي معركة الحياة الإنسانية، وتحديداً في الشرق الأوسط، تعاني الكثيرَ من الآلام والمعاناة، هذه المعاناة تبدأ من أن تكون امرأةً في مجتمع أصبحت فيه المرأة آلةً للإنجاب فقط، وقتلها مباحٌ في وضح النهار وتحت شتى المسميات. وكأنها ليستْ إنسانةً ولا تستحق الحياةَ في هذا الكون.

نعم، ازدادت حِدَّةُ جرائم القتل بذريعة الشرف في سوريا وخاصة في مناطق شمال وشرق سوريا في الفترة الأخيرة، رغم العديد من المناشدات من قبل المنظمات النسائية والحقوقية إلا أن هذه الجرائم مستمرةٌ لا تتوقف.

جرائمُ القتل التي تُرتكَب بأيدي الرجال اليوم هي وتحتَ مسمياتٍ عديدة جرائمُ كثيرةٌ يقشعرُّ لها البدن وتُسَدّ لها الأذنُ حالَ الإصغاء إليها، أكثرُ من ثلاث حالات قتل في أقلَّ من أسبوع، جريمةٌ بحق الإنسانية، ودليلٌ قاطعٌ أنكَ مولودٌ شرقياً.

إنها المنظومة الذهنية الذكورية الرجعية سببُ كُلِّ جرائم القتل بحق النساء، وليستْ بمعزل عن العادات والتقاليد البالية وخاصة العادات العشائرية والقبلية الطاغية على المشهد لتكونَ تلك الأخيرة محركاً ومَوقداً لزرع الرجعية أكثر في النفوس.

عيدة الحمودي السعيدو تلك الطفلة آخرُ القرابين التي قُدِّمت لإلاههم المزعوم (الشرف)، إنها ابنة مدينة الحسكة السورية، تلك التي قُتِلَت وبدم بارد على يد أشقَّائها ووالدها، بعد رفضها الزواجَ من ابن عمِّها وهروبِها مع شابٍّ كانت تحبه، والذي بدوره تقدم لخطبتها مراتٍ عديدة، إلا أنه قوبلَ بالرفض من قبل عائلة الضحية ولأسباب عشائرية واهية ومريضة. وبعد أن هربتْ في وضح النهار ولاحظت عائلتها غيابَها لحقوا بها ثم قتلوها.

المؤسف في الأمر أنَّهم وثقوا جريمتَهم البشعةَ والتي لا صلةَ لها بمبادئ الإنسانية، ففي الفيديو يظهر مجموعةٌ من الرجال وشبان وهم يسوقون الفتاة إلى بيت مهجور، وهي تصرخ مستغيثةً وسط تهديداتِ الشباب زاعمين أنهم يريدون غسل عارهم بدمها، فقتلوها رمياً بالرصاص، ووثقوا جريمتهم التي شارك فيها بحسب ما ظهر في التسجيلات المصورة أكثر من عشرة أشخاص بالإضافة إلى والدها وإخوتها.

كلُّ هذه الجرائم والانتهاكات تبعثُ لنا برسالة واضحة بأنَّ أغلبَ المنازلَ لم تَعُدْ آمنةً للنساء، إنَّها لم تعدِ المكانَ الذي تستطيع فيه حمايةَ نفسها ومواصلة حياتها. فما الذي أوصل إلى عقولهم المريضة أن جسد المرأة دليلٌ على شرفهم؟ جسد المرأة ليسَ شرفاً لأحد، شرفُ الرجل ليسَ بجسد المرأة ليتذرعَ بذلك فيقتلها متى شاء وكيفما شاء، شرفُ الرجل في ضميره وأخلاقه وصدقه وحسن معشره.

 لقد أصبح قتل المرأة آفة القرن، وما دامت تُقتَلُ في القرن الحادي والعشرين؛ فإن ذلك يعني أنها ستبقى مستعبدةً للفكر الذكوري السلطوي، فعلى النساء جميعاً تكثيفُ نضالهنَّ وجهودهنَّ لحماية أنفسهنَّ من الأوصياء، وليرفعنَ بصوتهنَّ شعاراً أنَّ جسدي ودمي ليسا قرباناً لذكورتكم المتخلفة. ولتقلْ جميعُ النساء المطالباتِ بالحرية من أجل المرأة بأنه لا توجد جريمة شرف، بل توجد جريمة قتل بالعمد، ويجب عليهنَّ تصعيد نضالهن ضد جرائم قتل النساء.