“نبع السلام” والحلم الضائع

آلان محمد-

عملية نبع السلام كما أسماها أردوغان، حين قرر الزحف إلى مدينة سري كانيه السورية التي تقع شمال غرب مدينة الحسكة، لتحقيق أطماعه الاستعمارية في تطبيق الميثاق الملي وإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية البائدة والسيطرة على الشرق الأوسط برمته دفع ثمنها الأبرياء.

بعد تهديداتٍ دامت سنوات ومفاوضات باءت في كل مرة بالعقم والفشل، تدخل المحتل التركي بشكل مباشر مستعيناً ببعض السوريين من المرتزقة والمتواجدين على الأراضي التركية، لاقتحام المدينة عسكرياً في تشرين الأول عام 2019، محققةً بذلك تهديداتها واصفةً العملية بتطهير المنطقة الحدودية من الإرهاب الذي كان يهدد أمن تركيا على حد قولها، رغم أن الهدوء كان يسود المدينة الصغيرة التي كانت تضم في أحضانها عدداً ليس بقليل من خليط سكاني متنوع شُبِّه في كثير من الأحيان بلوحةٍ فسيفسائية قل نظيرها، حيث العرب والكرد والأرمن والآشور والشيشان والتركمان، طوائف وقوميات تعايشت عبر الزمن بكل ودٍّ ومحبةٍ حتى أصبح للمدينة نكهة مميزة.

الكذب والتدليس في استخدام الذرائع

كان أردوغان ينادي في خطاباته الكثيرة حول العودة الآمنة للسوريين الذين لجؤوا إلى تركيا هاربين من ويلات الحرب وظلم النظام في سوريا، وعندما شن هجماته الاحتلالية على مدينة عفرين ضمن ما سمي (غصن الزيتون)، برر تلك الهجمات بفتح الطريق أمام اللاجئين للعودة إلى بلادهم، ولكن منذ عام 2018 وحتى اليوم لم يعد سوى المرتزقة وعوائلهم الموالين له، كما يفضل الكثيرون البقاء خارج سوريا بعيداً عن ساحة الصراع المستمرة.

السيناريو ذاته تكرر في سري كانيه بعد العملية المشؤومة التي سميت “نبع السلام”، حيث ادعى بإقامة منطقة آمنة لعودة المهجرين، وعلى الرغم من فشل الأولى تم الإصرار على الثانية، لتتضح هنا أمور كثيرة أهمها مساعي أردوغان لتغيير ديمغرافية المنطقة بإسكان عوائل المرتزقة في مناطق شمال وشرق سوريا واستبدالهم بالسكان الأصليين.

فلتان أمني واختطاف وانفجارات

 تعيش مدينة سري كانيه اليوم على صفيح ساخن، فتارةً تنشب اشتباكات عنيفة بين المجموعات المرتزقة المسيطرة هناك، وتارةً تحدث انفجارات وعمليات اختطاف مجهولة الهوية في حالةٍ أقرب إلى الجحيم إذا جاز التعبير، بينما كان من المفترض أن تعيش المدينة اليوم وبعد مضي عامين على احتلالها حالة من الازدهار الاقتصادي على جميع الأصعدة كما كان يقول أردوغان، الذي صور الأمر بصورة مغايرة تماماً، فبمجرد ما أدخل إليها ما يسمى بالجيش الوطني السوري الذي عاث فساداً وخراباً، لم يعد يُعنى بما يحصل هناك من فلتان أمني وعدم استقرار ولو بشكل مؤقت.

 وما تزال عمليات تهريب البشر إلى الداخل التركي من المنطقة مستمرة، بل ونشطت أكثر من قبل بكثير، كون العلاقات أصبحت بين الجانبين متينة بعض الشيء أو يطغى عليها التفاهم، وما يزال الكثيرون من كافة المناطق في شمال وشرق سوريا خاصة وسوريا عامة يتهافتون على الدخول إلى الأراضي التركية التي تعتبر الخطوة الأولى للوصول إلى أوروبا، إذن هل هذا هو الأمان الذي كان يريد أردوغان الوصول إليه؟

الحرب بين الشرعنة والإدانة

شنّ جيش الاحتلال التركي وأدواته العميلة من المرتزقة السوريين العديد من الهجمات الاحتلالية التي تندرج تحت جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بحقِ شعبٍ أعزل مسالم، ومارس بحقهِ العديد من الجهات أبشع أنواع الإرهاب ابتداءً بما يسمى بالجيش الحر وضربات الطيران السوري التي وقعت على رؤوس المواطنين وهدمت منازلهم، مروراً بمرتزقة داعش وجبهة النصرة الإرهابيين، وصولاً لعدوان جيش الاحتلال التركي ومرتزقتهِ. فمع كل هذهِ الفصائل وحجم إجرامها وإرهابها وتوثيق ممارستها كان يجدر بالأمم المتحدة إرسال قوات حفظ السلام لضمان سلامة المدنيين الأبرياء على أقل تقدير، ولكن كان الانقسام سيد الموقف في الجمعية المصونة، حيثُ ذهبت بعض الدول للإدانة الخجولة خدمةً لأجنداتها في معاداة الدولة التركية، ووحدهُ التاريخ سيسجل إجرام المحتل التركي والمتواطئين معهُ في قتل الشعب السوري، لتكون وصمةَ عارٍ على جبين كل من صمت بحق ما يعانيهِ الأطفال والنساء والمسنين وشوه صورة العالم المتحضر.