ثورة الجياع قادمة… فانتظروها أيها الصامتون

رفيق ابراهيم-

شهد القرن الحادي والعشرين حالة من عدم المساواة بين الناس لأن الثروات لا توزع بشكل عادل وأيضاً التغييرات المناخية التي طرأت على الكرة الأرضية خلال العقود القليلة الماضية مستمرة حتى الآن، حيث أثرت على الفقراء بشكل غير مسبوق، وما زاد الطين بلة مجيء جائحة كورونا التي أدت إلى خلل كبير وعمقت الجراح بشكل أكبر.

وتشير آخر الإحصاءات بأن هناك الملايين من الناس سينضمون إلى عشرات الملايين من الآخرين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وفي ذلك يقول المناضل نيلسون مانديلا “طالما أن الفقر والظلم وعدم المساواة موجودة في العالم فلا أحد منا يمكنه أن يوجد حقاً”.

في الأزمان الغابرة كان يعيش الفقراء بكل بساطة حياة سعيدة على الرغم من إمكانياتهم القليلة، أما ما يحدث اليوم وبخاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي يصل إلى كل بيت ليصبح العالم قرية صغيرة يمكن للجميع الاطلاع على كل ما يجري بكل يسر وسهولة، والفقراء باتوا يدركون ما يتعرضون له من ظلم واستغلال من قبل الدول أو الأغنياء الذين يعيشون أمجادهم على حساب كد وتعب هؤلاء.

يصف المهاتما غاندي الفقر فيقول: “أنه أسوأ أنواع وأشكال العنف” ويقول علي بن أبي طالب: “لو كان الفقر رجلاً لقتلته”، واعتبر أرسطو الفقر “أصل الثورة والجريمة”، ويقول البابا فرنسيس: “في هذه الأيام يوجد الكثير من الفقر والفقراء في العالم، وهذه فضيحة مدوية عندما يكون لدينا الكثير من الثروات والموارد تكفي الجميع”، وإذا ما عدنا للتاريخ القديم والحديث سنرى بأن الفقر من الأسباب الرئيسية لقيام الثورات والاحتجاجات والاضطرابات التي تتكرر في العديد من البلدان.

وفي الأعوام الأخيرة الماضية أدى الفقر والارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية إلى ثورات ومظاهرات عارمة في العديد من البلدان العربية والآسيوية، وهناك أزمة وهوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء وإذا ما قامت ثورة الجياع ستحدث أزمة قد تكون مدمرة للكرة الأرضية.

إن التعهد من قبل الدول الغنية بتبني الكثير من الالتزامات إزاء الأزمات التي تعصف بالعالم مجرد كلام لا يتم تطبيقه على أرض الواقع، مسألة التغيير المناخي مثلاً التي أرقت كاهل البلدان الفقيرة وأيضاً جائحة كورونا، لماذا لا يتم تسليم اللقاحات للشعوب الفقيرة، باعتقادي أن أمريكا صاحب أكبر اقتصاد في العالم والاتحاد الأوروبي يتحملون المسؤولية الأكبر في الحد من ظاهرة الفقر والمساواة بين البشر وبخاصة في دول العالم الفقيرة.

ومن هنا أن من الضروري إيجاد حلول لهذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، وعلى دول العالم القيام بمسؤولياتها الكاملة وكاقتراح الإعلان عن منظمة أو مؤسسة تكون مهمتها مكافحة الفقر وتقديم الدعم للفقراء، تمولها الدول الغنية للخروج من هذه الأزمة التي ألمت بملايين البشر في مختلف دول العالم.

ولعل الاقتراح الذي اقترحه الخبير الاقتصادي جيمس توبين الحائز على جائزة نوبل، عندما اقترح ضريبة صغيرة على جميع تحويلات العملات الفورية لردع المضاربة وتمويل الأعمال الجيدة، ولاقت فكرته قبول العديد من الخبراء والاقتصاديين وحتى السياسيين في العالم كالرئاسة الأمريكية ومجموعة العشرين والاتحاد الأوروبي، وفرض ضريبة بسيطة على المعاملات بين المؤسسات في الاتحاد الأوروبي فقط، يمكن جمع أكثر من 50 مليار يورو في أوروبا وحدها خلال عام واحد.

الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يقوم بمعالجة 14 تريليون معاملة مالية يوميًا ما قيمتها تتجاوز مليارات الدولارات سنوياً، ومجرد فرض رسم بسيط على هذه المعاملات المالية الدولية أو التجارة العالمية ستجني من ورائها أكثر من 100 مليار دولار يمكن من خلاله مكافحة الفقر وتغيير المناخ وإعادة الأمور إلى نصابها.

من الأمور المسلمة بها أن الانسان الفقير إنسان قوي البنية قادر على تحمل الصعاب في كل الأوقات وليس لديه ما يخسره، ومع الأسف حزب الفقراء أكبر حزب على وجه الأرض اليوم، وبإمكانهم الوقوف في وجه الأغنياء إن كانوا دولاً وحكومات أو أشخاص، الذين يحاولون أن يصبحوا أكثر ثراءً من خلال جهد وكد هؤلاء الفقراء، الذين بإمكانهم قلب الطاولة على كل من يستغلهم ويعيش من تعبهم وعرقهم، والآن لا بد لقيام ثورة في وجه الطبقة الغنية التي باتت تتمرد حتى على القوانين والمواثيق الدولية.

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول: أما آن الأوان كي يستيقظ الضمير العالمي من ثباته العميق، ويعترف بأن غناهم وبذخهم جاء من خلال استغلال الفقراء في العالم، ومكافحة هذه الآفة باتت ضرورة ومسؤولية دولية ولا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة حول إيجاد الطرق والسبل التي تكفل القضاء على الفقر قبل أن يستفحل الأمر بما لا يمكن السيطرة عليه وتكون العواقب وخيمة وكارثية على الكرة الأرضية