“باب على الدم” فردوس الحرب والحب

 آراس بيراني-

على تخوم بوابات الدم والجحيم البشري دم أنثى هرستها أشفار الرغبة، والشهوة إلى جحيم  الحرب والموت، والقنابل، من مكانية مدن وحارتها، وشوارعها ومقاهيها الوادعة المترعة بالصخب ودخان الاراكيل.. إلى مدينة أو وطن تعالت أدخنة الدمار في سماءه.. من فضاءات كانت تحلق بها فراشات إلى سماء رمادية ترعد فيها الطائرات بحمم القتل..

في غرف ضيقة ثمة امرأة… امرأة أنثى بكل ما تعني الأنوثة من قوة ورقة، حروب بائسة، وجسد مرتهن لنظرات ذكورية.

“فردوس” بطلة الرواية تقف مع القارئ على بوابات جهنم، تتسرب الدماء من بياض صفحات الرواية، دماء تجري ترسم خرائط لمدن نهشتها الحرب منذ حيضها الأول إلى شظية أدمت قدمها مروراً بتفاصيل دقيقة عن ليلة زواجها الأولى ورجل كان يمنحها الحب وهي تسرد اناشيد العشق.

“باب على الدم” ميثاق الأنوثة في عالم يهيمن عليه مجتمع مثخن بالحروب الأهلية والطائفية تسعى فيه المرأة لحماية وجودها المؤنث من تسلط الثقافة الذكورية، وذلك كون نظرة المجتمع لها ما تزال تقليدية الطابع، فهي الطرف الأضعف العاجز عن تمثيل نفسها والتي ينبغي لها ان تمثل شخصيتها وفق إنسانيتها، وليس بموجب تابعية أو آدمية ما تركن في درك معتم هامشي أخرس أبكم.

وعليه كانت المرأة وما تزال الآخر الداخلي، الهامشية والظل، وذلك بحكم هيمنة قيم ومعتقدات وسلطات ومؤسسات وثقافة متحيزة تتعامل مع المرأة جسداً، وصوتاً، وكتابة، بنوع من الحذر والريبة والدونية، وقد تحيز الذكورة لنفسها وتستأثر بالجانب السلطوي، حيث هي المشكلة التي تتحرك في جسد المجتمعات الشرقية بقصد أو دونما قصد، بل ربما بغباء فاضح أيضاً بوصفه اختلافاً جنسياً ودينياً وثقافياً.

 رواية “باب على الدم” رواية مكتوبة بحبر الوجع، والقهر، رواية سورية للشاعرة والكاتبة السورية فريال زيدان تجسد رؤى النساء في ظروف الحرب السورية، وتوضح لنا العلاقة بين عمقها الداخلي وعمق جراحات المجتمع، إذ تفتح لنا الباب على مصراعيه لنولج معاً نحو عتمة قدرية وبيئة ملوثة من الفكر والخداع الذكوري.. عبر شخصية “فردوس” بطلة الرواية وضمير ووعي الرواية حيث الأنثى المقموعة وصورة المرأة المتحررة المهيضة الجناح والتي تجد دوماً من يمنعها عن التحليق، استطاعت الكاتبة فريال في عملها الروائي الأول “باب على الدم” ان تعبر عن  رغبة جامحة في إفراغ المكبوت وكشف المستور، بالتعبير العميق، وبكل جرأة وهدوء، وبعيداً عن الصخب الهيستيري، لتكون الرواية صورة للمرأة السورية ولروحها واحلامها، وانكساراتها، وخيباتها أيضاً.

رواية حاولت منح صفة الأنوثة للأشياء وللمدن وللحرب وللأحلام ولقلم حمرتها.. عبر بطلة الرواية “فردوس” كشخصية محورية وهيكيلة تضاجع النص وتنصهر معه مكونة علائق جديدة عبر مخاض طويل، وولادة جديدة من رحم مجتمع لا يقيم وزناً للعشق إلا ضمن رغبات الذكر وفقط، بينما تعيش البطلة عشقها عبر مونولوج طويل يكاد يكون قصيدة حب، أو ميثاق لحياة حرة، لامرأة حرة تريدها هي وليس الآخر.

الرواية مشحونة بطاقة توتر مضاعفة، حيث خروج لأنظمة السرد وتجاوز لقوانين الذكر، عبر استخدامها الجسد كأداة انزياح.. جسد نفثت بركانه وصواعقه وزلزاله على البياض، حيث جسد “فردوس” يتلاشى عبر الكتابة.. ويشتعل كاملاً… وتتحول إلى رماد..