ثقافة الأخلاق وأخلاق الثقافة

مثنى عبد الكريم-

إن أهم ما يفتقد له المجتمع اليوم هو الوعي الحقيقي بمعنى الثقافة الأخلاقية وأخلاق الثقافة بل الافتقاد لجوهر ماهيتها، فلو أردنا أن نعرف الثقافة لخطرت على بالنا مئات التعاريف، سواءً عبر تجارب حياتنا أو عبر ما تناقلته صفحات الكتب وآراء المفكرين والفلاسفة، الثقافة ليست وثيقة تعطى أو شهادة تعلق على حائط بل هي أسلوب حياة قائم بذاته.

 فلا يمكن على سبيل المثال أن تسيطر على مجتمع مثقف ومسلح بالعلم بل على العكس تماماً ستجد نفسك تصارع أمواجاً عاتيةً، ولكنها إذا اصطدمت بصخور الجهل أثرت فيها، وهنا نجد دائماً أن الثقافة ترتبط طرداً بالأخلاق وهي حالة فلسفية عظيمة، إذ لا يمكن القول بأن هناك شخصاً أو مجتمعاً مبنياً على الأخلاق لا يكون مثقفاً، وعلى العكس يمكننا القول إنّ المثقف إنْ لم يتمتع بالأخلاق سيكون كجرة خاوية، فالمجتمع الأخلاقي هو العلاج لكل آفة من آفات عصر الحداثة التي نعيشها.

وحيث تسود الأخلاق وثقافتها تجد العدالة الاجتماعية تطبق بحالة جميلة منتظمة وفق منظومات أخلاقية متوازنة، وهذا ما نحن بحاجته اليوم ويجب أن نسعى لتطبيقه، وعلينا نشر ثقافة الأخلاق الحميدة على أساس بناء المجتمع الحي بذاته الأخلاقية المتسلح بثقافته والمتمسك بتراثه وأصالته رغم هجمات الحداثة العصرانية التي نعيشها وانجراف المجتمع وكثير من أركانه نحوها.

 فإذا بدأنا نحلل الحالات المرضية التي يعيشها المجتمع ويعاني منها والتي أدت إلى شبه تفكك في منظومته الاجتماعية لوجدنا أن سببها أولاً انتشار الجهل وليس فقط فيما يخص التعليم، بل الجهل في تطوير التعليم الذاتي وتطوير الذات، فكثير منا يمر مرور الكرام على صفحات كتاب أو مقالة مكتوبة في جريدة أو مقال منشور على صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي، دون أن نكلف خاطرنا ولو بجزء بسيط لنقرأ ما هو مكتوب أو نقيمه، فلربما استفدنا منه مع الأيام، وهذا ما يسمى البعد عن ثقافة القراءة والتحول شبه الكامل إلى رجل آلي يتحرك وفق الأوامر فقط بدون أدنى درجات المشاعر بما ينشر أو يكتب.

ولو قيمنا أيضاً انتشار المخدرات والسرقة وغيرها من آفات لوجدنا السبب هو ابتعادنا أيضاً عن المنظومة الأخلاقية للمجتمع أولاً وللبيت ثانياً، أي المرموز لها بالعائلة، والتي تعتبر جزءاً من الكون أو يمكن القول إنها الكون فعلاً.

وهنا يأتي دور المثقف الخلوق الذي يجب عليه أخذ دور ربان السفينة التي تحاصَر بين أمواج متلاطمة عاتية والحفاظ على مسار السفينة وتصحيح مسارها إن أمكن، وهكذا سيصل بهذه السفينة إلى بر الأمان لتكون سفينة نوح الجديدة وليكون مجتمع جودي مجتمع الخير والعطاء.

الكثير منا يقرأ ويقول ما هذا وماذا يكتب، وربما قال إنه من المستحيل أن يحدث ما كتبه الكاتب فهو يتحدث عن المدينة الفاضلة، وأنا أقول إنها ليست حلماً وإن تحقيقها ممكن إن توفرت الإرادة لذلك والقوة في التطبيق، وهذا ما يعني أن مشروعنا الأممي الديمقراطي يحمل بين جنباته قواعد المدينة الفاضلة التي طبقت وفق أفكار القائد بالشكل الصحيح، فستنجح حكماً وسنكتب معاً حكاية وطن.