الحرب المعلنة على منظومة المجتمع الكردستاني تستهدف القوى الديمقراطية في العالم

 فوزي سليمان-

 منذ بدء الخليقة وإلى اللحظة يمكن تلخيص تاريخ البشرية بتاريخ الصراعات الدموية، فرغم عمومية هذا التوصيف، كانت ولا زالت منطقة الشرق الأوسط ساحة هذه الصراعات، وإن كان لها مركز فهو كردستان تحديداً، فهل في الأمر مصادفة؟! بكل تأكيد لا.

 فالجميع يدرك الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها منطقة الشرق الأوسط في العديد النواحي بالنسبة للعالم أجمع، وبنفس القدر وربما أكثر تعاني هذه المنطقة من العقد المستعصية التي تتجدد كلما دعت لها الحاجة والمصالح كالصراعات الوطنية والاختلافات الدينية والمذهبية والعقائدية، وبكل تأكيد فإن القوى المهيمنة على السياسة العالمية عملت ولا تزال على تعميق هذه الصراعات والخلافات، والتي تبدو من حيث الظاهر أنها تسعى إلى تقديم الحلول وإظهار نفسها بالمخلص والمنقذ لشعوب المنطقة.

 معتمدة بذلك على سيطرتها المطلقة على المؤسسات الدولية والتي هي الأخرى خرجت عن كونها دولية إلا بالاسم، لأنها فعلياً لا تمثل المجتمع الدولي ككل بل هي أداة لتنفيذ أجندات ومصالح قوى بعينها، وحتى الذين يدعون الزعامة العالمية رغم اختلاف مسمياتهم وتحالفاتهم لا يتجاوزون في سياستهم أطر المصلحة الضيقة والتي ساهمت بشكل كبير في ظهور التنظيمات الإرهابية المتطرفة، والتي باتت تدق أبوابهم من كل حدب وصوب، وأصبحت بلاءً يتهدد الجميع بلا استثناء.

 فرغم جميع المحاولات في جعل ساحة هذه التنظيمات محصورة في جغرافيا معينة إلا أن الأحداث والتحركات على أرض الواقع كلها تشير إلى أن هذه التنظيمات، المدعومة من دول وقوى بعينها، خرجت ومنذ أمد بعيد عن السيطرة، ليكون لهذه التنظيمات موطئ قدم خاص بها، فليس هناك أخصب من منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من الوهن على جميع الأصعدة لتمرير سياساتها، ومع تلقي هذه التنظيمات ضربات قاتلة في عقر دارها (دولتها المزعومة) توجهت إلى اتباع تكتيكات مغايرة جداً لتوسع حربها على مستوى العالم أجمع.

 ولذلك يعتقد بأنها ستشن أشرس الحروب لإنقاذ نفسها، وفعلياً استطاعت أن تتحد في جبهة واحدة غير معلنة ولكنها واضحة وضوح الشمس، وهذه الحرب بدأت فعلياً باستهداف منظومة المجتمع الكردستاني من خلال القوى الرجعية في الشرق الاوسط، وإن تعمقنا في هذه الجبهة المضادة نجد وبكل وضوح أنها تمثل الرجعية العالمية التي تتزعمها تركيا وقطر والعديد من الدول الأخرى التي تجد في الديمقراطية عدواً لدوداً والسبب في زوالها كمنظومة فكرية رجعية بعيدة كل البعد عن العصر.

 هذه المنظومة كانت ولازالت السبب الأساسي في الكوارث والأزمات التي عصفت وتعصف بالمنطقة والعالم، فهل هي مصادفة أن يتم استهداف منظومة المجتمع الكردستاني من قبل داعش والنصرة وتركيا وبتواطؤ إيراني – سوري – عراقي والرجعية الكردية وبعض الدول المؤيدة لهم سراً وعلانية؟! فالحرب القائمة الآن وقذارتها بكل ما تحمل الكلمة من معنى لا تستهدف قوةً أو شعباً بعينه، وإنما هي حرب تخوضها جبهة رجعية لا تستهدف منظومة المجتمع الكردستاني وحسب، إنما تستهدف الإنسانية وقيمها وتاريخها برمته، ومن لا يرى هذه الحقيقة أو يغض الطرف عنها فهو يعيش ذروة الغفلة.

 والتدقيق جيداً في خطابات رؤوس الدولة التركية يؤكد تلك الحقيقة، رغم توهم البعض أنها تحت السيطرة ويمكن كبح جماحها من خلال بعض التنازلات أو بعض الضغوط، فتركيا استفادت في السابق من الصراعات الدولية المعروفة، ولكن تركيا الآن هي من تقود الصراعات وبنفس الشكل هي من تتزعم الجبهة الرجعية والتي ستتمدد بكل تأكيد لتستهدف العالم أجمع، وهناك ملايين الأدلة التي تثبت انغماس تركيا في مستنقع الإرهاب، وهذا ما يمكن رؤيته بوضوح في تحركاتها وفي أكثر من جبهة معتمدة في ذلك فقط على سياسة الحرب والتهديد والوعيد، وبناءً على ما تقدم فإن المقاومة التاريخية التي تبديها منظومة المجتمع الكردستاني هي الدفاع عن القيم الإنسانية برمتها، ولذلك على كل القوى الديمقراطية والمحبة للسلام واجب أخلاقي ومصيري في الوقت عينه، ألا وهو مساندة ودعم مقاومة منظومة المجتمع الكردستاني لأنها هي القوة الوحيدة المتبقية في مواجهة المنظومة الفكرية الرجعية في الشرق الأوسط والعالم.