ما بعد الهزائم التركية

سليمان أبو بكر (كاتب)-

صعّدت قوات الكريلا من وتيرة المقاومة ضد هجوم الاحتلال التركي الأخير على مناطق الدفاع المشروع في كلٍّ من (زاب وآفاشين ومتينا)، وإن ما سينجم عن هذه المقاومة من انتصار محتوم سيؤثر بشكلٍ مباشر على الخارطة السياسية والعسكرية على الصعيد الكردستاني بشكلٍ خاص وعلى عموم المنطقة بشكلٍ عام، لذا تعتبر مقاومة الكريلا في هذه المرحلة مقاومة استراتيجية وتاريخية حاسمة ضد الطغيان التركي على الكرد وشعوب المنطقة عموماً.

بالطبع الدولة التركية لها حساباتها القذرة ومكائدها من هذه الحرب، إنها تخوض حرب إبادة ضد الكرد، وتأتي ضمن السياسات الرعناء التي تمارسها ضد الكرد وحركة التحرر الكردستانية منذ حوالي نصف قرن.

الحرب التركية على مناطق الدفاع المشروع ليست حرباً آنية أو تكتيكية وليست هجوماً على حزب العمال الكردستاني فقط، إنما حرب لها أبعادها التاريخية والمستقبلية، إنها مسألة وجود بالنسبة للأنظمة الفاشية، كما هي مسألة مقاومة بالنسبة للنضال الديمقراطي للشعوب.

فالمشروع الفاشي الذي يقوده نظام العدالة والتنمية يستند على مزاعم وأوهام تاريخية للسلطنة البائدة، وتدخلها في كلٍّ من سوريا والعراق وليبيا وقبرص واليونان وأرمينيا ودول أخرى يأتي في هذا الإطار من الذهنية الطورانية، تركيا العضو الرئيسي في حلف الناتو لا تُقدم على أية خطوة من دون ضوء أخضر من الحلف لما لها من تجارب سابقة في حربها القذرة على الشعب الكردي وشعوب المنطقة وتحت ذرائع واهية.

في سوريا على سبيل المثال لولا الضوء الأخضر من روسيا والناتو لما تجرأت تركيا في الهجوم على عفرين واستخدامها كافة صنوف الأسلحة في العدوان عليها، إنها حاربت بأسلحة الناتو وأخذت موافقة الحرب واستخدمت الأجواء السوري بموافقة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر ذاته حصل خلال الهجوم التركي على سري كانيه وكري سبي والقصف المتكرر لعين عيسى ومنبج.

العالم يدرك تماماً أن الحروب التي تفتعلها تركيا في المنطقة ليست من أجل حماية أمنها القومي كما تدعي، فمعظم الحروب التركية تتزامن مع التطورات والأزمات التي تحدث في الداخل التركي وتعكس مدى تهاويه وضعفه.

الحروب الخارجية واعتقال المعارضين وسياسة كم الافواه والاعتقالات؛ كلها تشي بأن السلطة الفاشية المتمثلة بحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية تبحث عن وسيلة لإطالة أمد بقائها في السلطة، وهذه الوسائل تستخدمها الأنظمة الفاشية التي تصل لمرحلة الانسداد والانهيار.

أما هزيمة النظام الفاشي بالتأكيد ستكون بداية مرحلة جديدة ليس فقط بالنسبة لتركيا وكردستان والمنطقة عموماً إنما على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربي أيضاً، انهيار النظام الفاشي بلا شك هو انتصار للمقاومة التي تبديها الشعوب، إنه انتصار للديمقراطية، فحرب تركيا على آفاشين وعموم مناطق الدفاع المشروع تأتي في إطار القضاء على حركة التحرر الديمقراطي الوحيدة في المنطقة التي تكافح من أجل تحرر الشعوب من الأنظمة الديكتاتورية السلطوية، لذا فالانتصار الذي يتحقق في مناطق الدفاع لمشروع هو انتصار لقوى الديمقراطية في الشرق الأوسط عموماً.

ومقاومة الكريلا في وجه الترسانة العسكرية المتطورة للدولة التركية يثبت أن الحرب حرب إرادة تقدم فيها تضحيات عظيمة، إن الانتصار في كاري وحفتانين وآفاشين وزاب انتصار للنهج الديمقراطي الذي يقوده القائد عبد الله أوجلان لأجل احلال السلام في الشرق الأوسط، والهزائم التي تكبدتها تركيا ستنعكس على واقع المنطقة عموماً التي تعيش أزمات بنيوية حقيقية منذ قرنٍ من الزمن.