رجائي فايد-
أزعم أنني كنت من أوائل المصريين الأقحاح الذين توحدوا مع المسألة الكردية، ومن سبقتني إلى ذلك، كانت المرحومة (درية عوني) وهي من أصول كردية، وأزعم أيضاً أن المصادفة وحدها وترتيب الأقدار كان وراء هذا التوحد، إذ كانت حياتي تسير في اتجاه آخر قبل ذلك، كنت قد اجتذبت منذ بداية شبابي لحب الأدب (قراءة وكتابة)، ونتيجة لذلك أهملت دراستي العملية والتي ستترتب عليها حياتي المستقبلية من أجل هدف وربما سراب وهو تحويل هذا الحب إلى إبداع.
ومن أجل ذلك كنت ألهث وراء الصالونات الأدبية لمتابعة الحركة الأدبية، وعرض بعض ما أكتبه على كبار نقادها، وأزعم أنني كنت أصغر من حضر صالون (العقاد) الأسبوعي، حيث تمكنت قبل وفاته بسنوات من اللحاق به في مسكنه بحي (مصر الجديدة)، وفي عدد من صالونات يوم الجمعة قبل رحيله، كما جلست إلى (نجيب محفوظ) في مقهى (ريش)، وداومت بانتظام على معظم الصالونات والمنتديات الأدبية في القاهرة، ولكن منذ أن تحول اهتمامي إلى المسألة الكردية (وتلك حكاية طويلة عن أسباب هذا التحول)، التقيت بشخصيات أخرى سياسية كان لها نصيب في توجيهي وإمدادي بما يتيسر لها من مطبوعات عن المسألة الكردية. في وقت كانت تلك المطبوعات غير متوفرة حينئذ في مصر، وتلك المسألة لم تكن تلقى اهتماماً مصرياً رغم أنني عرفت فيما بعد أنها كانت سبباً في مخاطر عدة على منطقتنا، بسبب غياب الاهتمام بها.
كان هناك شخصيات لها دور في توجيهي للاهتمام بمسألة الرأي والمطبوعات الخاصة المتخصصة بتلك المسألة، وكان الأستاذ بابكر رسول البشدري (وهو شخصية كردية عراقية ينتمي إلى عشيرة كردية معروفة) من أهم تلك الشخصيات.
كان لقائي الأول به في مقر منظمة العمل العربية بالقاهرة وكان يشغل منصب مدير تلك المنظمة، وعندما علم بمدى اهتمامي بقضية شعبه الكردي قدم لي كل ما لديه من مطبوعات عن تلك القضية، والتي كانت تعتبر حينئذ نادرة في مصر، بل أعطاني ما هو الأهم، وهو ضبوط ومحاضر جلسات المجلس التشريعي لمنطقة الحكم الذاتي في ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، تمكنت من خلال تلك الضبوط التي لم يطلع عليها أحد من دراسة القضية واستخلاص نتائج تلقي الضوء على فترة هامة في تاريخ الشعب الكردي كما سأوضح ذلك فيما بعد.
وأذكر أنه ساعدني في ترتيب لقاء مع الزعيم الكردي (جلال الطلباني) عند زيارته للقاهرة في أواخر عام (1987)، وشكل حواري معه أهمية خاصة، وقد علمت أن زيارته كانت للتنسيق مع السلطات المصرية لفتح مكتب لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في القاهرة، وبفتح هذا المكتب وتواصلي مع المسؤول عنه (عدنان المفتي)، انفتحت لي نافذة جديدة عن المسألة الكردية. لذا كان من واجبي أن أنوّه بالدور الهام للبشدري في مجال مساعدتي للتعرف على تلك المسألة، ورغم أن الحديث في هذا الأمر سبق أن أكدته كثيراً، إلا أنه قد وصلني خبر رحيله عن عالمنا منذ شهور، دون أن أعلم في حينها بسبب ظروف المرض، لذلك كان من اللائق أن أقول تلك الكلمات في حقه لتكون في وداعه.