رجائي فايد-
في مساء 29ـ30 من شهر شعبان من كل عام، يعيش المصريون مع احتفال دار الإفتاء المصرية، بمناسبة التحقق من رؤية هلال شهر رمضان، ويترقبون نطق المفتي، بعد خطبته الطويلة بإجابة على السؤال (هل ثبتت رؤية هلال شهر رمضان أم لم تثبت؟)، ليتحدد يوم الغد من حيث الصيام من عدمه، وبعد انتهاء الحفل يصدح في كل مكان صوت (محمد عبد المطلب) بأغنية (رمضان جانا.. أهلاً رمضان)، وتعلق في الشوارع الزينات، كما تتلألأ بالأضواء، والحقيقة أن من شهد مدينة القاهرة في هذا الشهر، يؤكد أنه لا يوجد مثيلاً لها في أي مكان في العالم، ورغم أن مدينة القاهرة، عرف عنها أنها المدينة التي لا تنام، ففي أي ساعة في الليل، تجد حاجياتك من مأكل ومشرب، إلا أن هذا الوضع يتضاعف خلال شهر رمضان، خصوصاً في مناطق (الحسين) و(السيدة زينب)، حيث تنتشر المقاهي والسرادقات، التي تعج بروادها، وبالفرق الموسيقية الشعبية والمنشدين، وهذه المناطق هي التي شهدت روائع نجيب محفوظ (بين القصرين والسكرية وقصر الشوق وخان الخليلي… إلخ) كما شهدت رائعة (يحيى حقي) (قنديل أم هاشم).
في رمضان يمضي روّاد تلك المناطق، ليلهم في هذا الجو الساحر المعبق بروائح البخور، وأصوات المنشدين المختلطة بأصوات الباعة، وباعة السبح وزجاجات العطر (بركة من سيدنا الحسين وأم هاشم)، وبهلوانيات صانع (الفطير)، كما تنظم وزارتا الثقافة والأوقاف سرادقاً ضخماً، يحفل بندوات ثقافية ودينية، وتنتشر سرادقات أخرى لمختلف الطرق الصوفية، حيث يتحلق المريدون لهذه الطرق في حلقات الذكر، ويتمايلون على أنغام صوت المنشد.
ولأن التحية في رمضان هي (رمضان كريم)، فإنه بالفعل شهر الكرم، فقبيل مغرب كل يوم، تنتشر (موائد الرحمن)، الذي يقدم فيها الطعام مجاناً، ويتبارى الأثرياء فيما بينهم (وبعضهم هناك شبهات في مصادر ثروتهم) في التسابق على من هو الأكثر كرماً.
ومن النوادر المعروفة، وبالرغم من أن شهر رمضان هو شهر الصوم عن الطعام والشراب ولغو الحديث، بمعنى أن يتقلص استهلاك الشخص من الطعام، لكن الواقع على العكس من ذلك، إذ يتضاعف استهلاك الأسر المصرية في رمضان، وتأخذ الوزارات المعنية في الحكومة عدتها لمواجهة الارتفاع الحاد في استهلاك المواد التموينية، ومن التناقضات الأخرى خلال هذا الشهر، هو التسابق المحموم بين القنوات الفضائية، في تقديم مسلسلات وبرامج ترفيهية، تشد المشاهدين بعيداً عما يجب من أعمال تعبدية.