أرادوه طُعماً لاستهداف قسد… فابتلعه صانعوه

رامان آزاد_

---

لم يكن مقصوداً من تدفق البيانات التضامن مع نصرة المدعو “أبو خولة الخبيل”، بل مجرد ذريعة لتكون مدخلاً لانقلابات في المشهد الميدانيّ خطّط لها البعض، وأرادوا توريط العشائر العربيّة بها، والتي لطالما كانت محل الرهان في دعم الأمن والاستقرار. إذ لا تستدعي إقالة أيّ قياديّ عسكريّ أو مسؤول مدنيّ كل هذا التحريض والاستنفار، إلا أنّ الخطة كانت أوسع جغرافيّاً، ومنبج كانت ميداناً لهجومٍ، لتصعيدٍ وعدوان تركيّ جديد فشل.

تعزيز الأمن مستمر

شهدت بلدات وقرى بريف دير الزور مؤخراً توتراً أمنياً وحالة استنفار أمنيّ لقوات سوريا الديمقراطيّة، بعدما أعلنت البدء بحملة “تعزيز الأمن” لتطهير المنطقة من خلايا “داعش” النائمة، ولتشمل أيضاً قيادات من مجلس دير الزور العسكريّ وتجار المخدرات، وتزامنت هذه الأحداث مع وضع نهاية لقائد مجلس دير الزور العسكريّ المثير للجدل، لتستثمر قصته في تجييش العشائر العربيّة وتحريضها لزيادة التوتر.

تؤكد الحوادث الأمنيّة التي تقع من وقت لآخر أنّ “داعش” ما زال يُشكّل تهديداً أمنيّاً عالي المستوى، وانتقاله من طور الظهور العلني إلى الكمون والتخفي لا يعني نهايته، إذ لا يلبث أنّ يطل أفعوان الإرهاب برأسه من حين لآخر ليسفك الدماء ويختفي، فيما يتحين الفرصة للظهور مجدداً ويعيد بناء نفسه. وبالمجمل هناك جملة معلومات أمنية واستخباراتيّة أخذت على محمل الجد، ولتعلن قوات سوريا الديمقراطيّة حملة أمنيّة باسم “تعزيز الأمن”.

وذكر بيان قسد أنَّ الحملة جاءت استجابةً لمطالب شيوخ العشائر بتطهير المنطقة من خلايا “داعش” التي ترتكب جرائم كل حين، بدأت الحملة بدعم ومساندة التحالف الدوليّ لمنع مرتزقة داعش من ارتكاب جرائم وعمليات تخريبية أخرى محتملة، كما استهدفت الحملة أيضاً شخصيات ساهمت بتوتر الأوضاع، وتم إعلان توقيف قائد مجلس دير الزور العسكريّ المنضوي ضمن صفوف “قسد”، المدعو أحمد حامد الخبيل المعروف باسم “أبو خولة” والمنحدر من دير الزور.

 في 30/8/2023 أعلنت “قسد” عزل “أبو خولة” وأربعة قياديين آخرين من مجلس دير الزور العسكريّ بناء على أمر اعتقال من النيابة العامة في شمال وشرق سوريا، بسبب ارتكابه العديد من الجرائم والتجاوزات المتعلقة بتواصله والتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة، وارتكاب جرائم جنائية بحق الأهالي والإتجار بالمخدرات، وبسبب سوء إدارته للوضع الأمنيّ ودوره السلبيّ في زيادة نشاط خلايا داعش، واستغلال منصبه في مصالحه الخاصة والعائلية بما يخالف النظام الداخلي لقوات سوريا الديمقراطيّة. وكان ذلك أول إعلان رسميّ فيما يتصل بمصير أبو خولة الذي أضحى مثار الجدل.

في المعطى التنظيميّ والعسكريّ، فإنّ إقالة أو عزل أو إجراء يُتخذ بحق قياديّ في قسد هو إجراءٌ داخليّ، تمليه الضرورة والنظام الداخليّ المعتمد، وكانت إقالة أبو خولة مطلوبة قبل اليوم، عبر بيانات أو احتجاجات سابقاً. لكن واقع منطقة دير الزور بكلّ تفاصيله وتداخلاته له حسابٌ خاص، فالمنطقة تخضع للروابط العشائريّة بصرف عن تقييم الشخص. كما أنّ المنطقة بشكل عام فيها وجود عسكريّ متعدد الجنسيات، ما يضفي حساسيّة إضافيّة على المسألة، إلا أنّه ورغم كلّ هذه الحسابات، فإنّ ثمة إجراء كان يجب اتخاذه في حينه كأولوية لضبط الأمن والاستقرار ومنع الإساءة باسم الإدارة الذاتيّة ومؤسساتها الأمنيّة والعسكريّة.

الفاسد أضحى رمزاً وبطلاً

حتى الأمس القريب كان أحمد الحامد الخبيل أبو خولة قائد مجلس دير الزور العسكريّ يُوصف بأنّه عميل وخائن، وقالوا عنه أنّه “انقلب على أصله ونسبه وبات في خدمة مشروع العمال الكردستانيّ التقسيميّ الانفصاليّ”، وهذا الوصف المسيء جداً شمل كلّ العربَ عسكريين ومدنيين وعشائر ممن يدعمون مشروع السلم الأهليّ في إطار الإدارة الذاتيّة.

الكلّ يعرف أنّ أبو خولة أسرف في تجاوزاته على أهله، إلا أنّ كلّ التجاوزات احتسبت في سجل تجاوزاتِ قسد… وليس معروفاً ما الغاية من الصمت حيال سلوكيات أبو خولة، ربما خشية إثارة إشكاليّة عشائريّة… وقبل الأزمة السوريّة عُرف بممارسة أعمال سلب الدراجات الناريّة وتعرض مراراً للتوقيف بسبب ذلك، والأسوأ في ذلك الحين تورطه مع أحد أشقائه باغتصاب عروس وقتل زوجها وقد اختفى عن المنطقة حينها بسبب الغضب الشعبيّ، بينما تم اعتقال أخيه الذي قتل بعد الأزمة ووجدت جثته محروقة في سيارة من نوع “فان” انتقاماً منه على ما يبدو.

حاول أبو خولة أواخر تموز 2019 فرض نفسه أميراً عاماً على عشيرة البكير التي ينتمي لها ما دفع أبناء العشيرة إلى إصدار بيان رافض ذكّر الخبيل بتاريخه الحافل بالإجرام والفساد، وتم تداول تنازل الشيخ عبد العزيز الحمادة، ما خلق جدلاً عشائريّاً كبيراً، ووجهت إليه وإلى أشقائه اتهامات كثيرة من جملتها اغتصاب وقتل القاصر “ازدهار نبيل مهنا” (16 عاماً) وزوجة أخيها الحامل نجلاء عبد الحكيم في كانون الثاني 2022. وخرجت في 21/12/2022، مظاهرات في بلدات محيميدة وحوايج بومصعة بريف دير الزور الغربي، تطالب بمحاسبة قائد “مجلس دير الزور العسكريّ” المدعو أحمد الخبيل/ أبو خولة وأشقائه. إضافةً إلى لائحة قضايا تهريب وعلاقات مشبوهة. وبالجملة كانت علاقته مع قيادة قسد مزيجاً من الاضطراب وعدم الاستقرار… حتى وصلت الخلافات إلى ما هي عليه اليوم من توتر واشتباكات…

أبو خولة الذي وصفوه عندما كان في صفوف قسد “عميلاً” وكانوا يشتمونه على الدوام، فجأةً بقدرةِ قادر أصبح رمزاً ثوريّاً وبطلاً استثنائياً، وخرجت من أجله المظاهرات ونُظمت عشرات البيانات تعلن دعمه، والسبب بساطة لأنه دخل “الحرب المقدسة” بإعلان التمردِ على قسد… فالمستهدف الحقيقيّ هي قوات سوريا الديمقراطية وليس مهماً الأداة المستخدمة ضدها!

الواقع لا يليق بالعشائر أن يتم زجّها في سياقِ الاصطفافِ لصالح شخصٍ تكثرُ حوله الشبهاتُ والاتهامات بالانتهاكات والفساد، بصرف النظر عن تموضعه مع قسد أو غيرها، وإذا كان الخبيل عبئاً على قسد التي على حسابها كوّن مركزه وقوته، فإنّه سيكون عبئاً على غيرها… وبكلّ الأحوال فإنّ بعضَ العشائر نأت بنفسها ولن تعلن دعم أبو خولة!

تحريض وصناعة فتنة

تلقائياً تم تداول القضية على أنها صراع بين العشائر العربية والكرد… هذا ما قالته وسائل إعلام تركية وإيرانيّة، وميدانياً اندلعت اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل 22 شخصاً على الأقل وأغلقت الطرق وأشعلت الإطارات والتوتر ساد العديد من القرى البلدات. والكل يعلم أبو خولة لا يستحق أن تسفك الدماء من أجله، ولكن البعض لا يريد تفويت فرصة استهداف قسد عبر العشائر… مهما كانت التكلفة.

صحيفة الوطن المُقربة من حكومة دمشق قالت في 30/8/2023: ريف دير الزور يشتعل.. وأنّ العشائر العربيّة أعلنت النفير العام في جميع مناطق دير الزور بعد اجتماع جرى بمقر أحمد الخبيل في قرية الربيضة، وطالبوا التحالف الدولي بتحقيق مطالبهم بإخراج الموقوفين لدى «قسد» وأولهم «الخبيل» ورفاقه وفك الحصار عن المحاصرين بالحسكة وعودتهم إلى أهاليهم. ونقلت الصحيفة عن نواف البشير الذي وصفته بشيخ عشيرة قبيلة البكارة أنّ انتفاضة العشائر لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها بطرد الغرباء… وأنّ الأيام القليلة القادمة ستشهد تطهير كامل ريف دير الزور.

خلق إشكاليّة أمنية في دير الزور هدف قديم، وقد حذّر منه أبو خولة نفسه، 6/8/2020، أنّ أطرافًا عدة داخليّة وإقليميّة تقف وراء الأحداث التي تحصل في ريف دير الزور الشرقي؛ بهدف تحريض أبناء العشائر ضد قسد، وخلق فتنة بين شعوب المنطقة.

ووجّه “البشير” دعوات لشيوخ العشائر العربية يحرضهم فيها على الانتفاضة ضد قوات سوريا الديمقراطيّة في مناطق شمال وشرق سوريا، وقال: “أهيب بكل عشائرنا العكيدات الأبرز وين النشامى افزعوا حرروا دير الزور….”، واتهم في حديثه قوات سوريا الديمقراطية والقوات الكرديّة بالعمالة لإسرائيل، وقال “الديرة الما يحررها رجالها ما يستاهلونها”، وذكر العديد من الأحداث التاريخيّة لمقاومة العشائر العربيّة للاحتلالات ومشاركتهم بثورات في المنطقة. وحرض البشير على استهداف المراكز والنقاط التابعة لقوات سوريا الديمقراطية في مناطق سيطرتها.

ادعاءات وتحريض

في 30/8/2023 قال مدير المرصد السوريّ: يجب على “قسد” أن تولي الحكماء والعقلاء على أهالي دير الزور لا فاسدين مثل أبو خولة وأخوته.. وعلى “قسد” أن تجلس مع شيوخ عشائر ريف دير الزور للتفاهم على حل ما للمنطقة.. أبو خولة كان على تواصل مع قوات النظام ونواف البشير لتأمين اتصال مع الإيرانيين.

تواصل الميليشيات التابعة لإيران العمل على وضع استراتيجيات وخطط لضرب مصالح التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية في مناطق نفوذهم على الأراضي السورية، حيث يتم تعزيز فكرة استراتيجية تجنيد أبناء المنطقة في دير الزور بشكلٍ رئيسي، وتدريبهم بشكلٍ احترافي لإسناد مهمة تنفيذ الهجمات ضد الأمريكان أو التحالف وقسد في مناطقهم، وذلك لسهولة تنقل هؤلاء بين مناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية و”قسد” عبر نهر الفرات.

في 6/1/2023 ذكر المرصد السوريّ لحقوق الإنسان بأنَّ حزب الله اللبنانيّ والحرس الثوري الإيراني وميليشيا لواء فاطميون الأفغانيّ، درّبت مؤخراً، عشرات الأشخاص من أبناء الميادين ودير الزور بعد التحقيق معهم أمنيّاً من قبل حزب الله اللبنانيّ، وأخضعتهم لدورات عقائديّة وجسدية كمرحلة أولى، ومن ثم دورات عسكريّة على استخدام السلاح الثقيل والخفيف وقيادة الطائرات المسيرة لخدمة المصالح الإيرانية كمرحلة ثانية. ومن ثم ابتعثت الميليشيات نخبة المجموعات المتدربة إلى إيران لتدريبهم بشكل أفضل ويقدر عددهم بنحو 70 شخص المجموعة التي ذهبت لإيران.

ولأن عمليات التجنيد لم تكن بالسهولة المطلوبة ولو بسخاء ماديّ، اعتمدت الميليشيات الإيرانيّة على الشيخ نواف البشير قائد عشيرة البكارة بعمليات تجنيد الشبان والرجال من أبناء عشائر المنطقة، لاستهداف قواعد التحالف الدوليّ في مناطق “قسد”، للاستفادة من تمكنهم التنقل بأريحية بين مناطق السيطرة، بحجة زيارة ذويهم. ووفقاً للمصادر فإنّ المنتسبين الجدد يخضعون لدراسة أمنية قبل قبولهم من قبل ضباط في “حزب الله” اللبناني، فيما يتم إخضاعهم لدورة فكرية وثقافية لعدة أسابيع لا تزيد عن ثلاثة أشهر، في المكتب الثقافي بمدينة معدان شرق الرقة. وبعدها يتم إخضاعهم لدورات عسكرية بإشراف ضباط من حزب الله اللبناني. وتتجمع ميليشيات إيرانيّة عند أطراف مطار الطبقة العسكري ودبسي فرج ودبسي عفنان في ريف الغربي، وصولاً إلى منطقة السفيرة بريف حلب الشرقي، التي يتواجد فيها لواء فاطميون و”حزب الله” اللبناني، ويعتبر معمل السكر بمنطقة مسكنة شرقي حلب من أكبر التجمعات.

وتخطط إيران لتنفيذ هجمات ضد “التحالف الدولي” من داخل مناطق شمال وشرق سوريا لإبعاد التهم عن نفسها في مناطق نفوذها، وليتم اتهام خلايا داعش النشطة بكثرة بتلك الهجمات.

وفي أيلول 2019 تم تداول مقطع مصوّر يظهر فيه قياديّ في لواء «الباقر» يؤكد على جهوزيته لتحرير ريف دير الزور الغربي وطرد «قوات سوريا الديمقراطية» منه، مشدداً على أن عشائر الجزيرة لا تقبل بحكم الكرديّ أو الأمريكيّ والصهيوني، وخلال حديثه للضابط الروسي قال القيادي: «قريباً خلال يومين أو ثلاثة الشيخ نواف البشير قادم من دمشق إلى دير الزور للقاء ضابط روسي، ونحن مجموعة قتالية جاهزين للحرب نطالب باقتحام الخط -أي ريف دير الزور الغربي- وتحرير أراضي سورية شبراً شبراً لأن الكرديّ لا يملك شيئاً في مناطقنا من حدود العراق حتى الرقة ونحن عشائر لا نرضى بالكرديّ أو الأمريكيّ والصهيونيّ، بأن يحكمنا ولسنا بحاجة وأموالهم، ولن نقبل بحكم غير السيد الرئيس بشار الأسد والدولة السورية، ونحن جاهزون للحرب والاقتحام بأي ساعة وأي ثانية».

السؤال المطروح، لماذا لم تُطرح فكرة مقاومة الاحتلال التركيّ الذي يسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي السوريّة، أو على الأقل يتم دعم مقاومته، لأنّ هذه المقاومة موجودة فعليّاً وكذلك حاضنتها الشعبيّة، وكذلك عمليات مكافحة الإرهاب، عندئذٍ لن يبقى للأمريكيّ مبرراً للبقاءِ؟

بالمجمل كانت قصة “أبو خولة” مجرد طعم للتحريض العشائريّ، ومدخلاً لفتنةٍ كبيرةٍ تضرب الأمن والاستقرار، وتستغل طبيعة المنطقة وروابطها الاجتماعيّة، وتربك قوات سوريا الديمقراطيّة، لتتزامن مع إشعالِ أنقرة الجبهات في تل تمر ومنبج… ولكن العشائر العربيّة التي تحدثوا باسمها هي محلُ الرهان في الأمنِ الاستقرار، فالعشيرة معدن الأصالة والانتماء، فيما أرادها البعضُ مجردَ خزانٍ بشريّ لحملةِ السلاح…