دجوار أحمد آغا
شهر تموز مليء بالأحداث المؤلمة أكثر من الأحداث المُفرِحة بالنسبة للشعب الكردي عموماً، حيث هناك الكثير من الأشخاص الذين فقدناهم خلال هذا الشهر على مر الزمان وبطرق بشعة على يد الأعداء، منهم على سبيل الذكر؛ اغتيال د. عبد الرحمن قاسملو، السكرتير العام للحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران بتاريخ 13 تموز 1989 في قلب أوروبا، مدينة فيينا عاصمة النمسا من جانب عملاء وأزلام نظام الملالي الرجعي في إيران، وكذلك اغتيال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في دمشق بتاريخ 6 تموز 1940، وكذلك اغتيال ديار غريب في جنوب كردستان “باشور كردستان” بتاريخ 5 تموز 2019 وهكذا القائمة تطول ولكن نكتفي بذكر هذه النماذج من الأحداث الموجعة التي تلقاها شعبنا في هذا الشهر.
ولكن، يتسم هذا الشهر بسمة أخرى، فهو شهر مقاومة السجون؛ شهر ثورة روج آفا، هذان الحدثان الذين ألقيا بظلالهما على هذا الشهر وجعلا منه شهر الصمود والمقاومة والانتصار، ففي الرابع عشر من تموز 1982 واستناداً إلى شعلة المقاومة التي أوقدها الشهيد الكبير، مظلوم دوغان بجسده ليلة النوروز في سجن آمد، انطلقت مقاومة من نوع آخر، وبعد الانقلاب الدموي الذي شهدته تركيا في 12 أيلول 1980 والذي ارتكب منفذوه الفظائع والأهوال بحق الشعب عامة والكرد بشكلٍ خاص حيث قاموا باعتقال أعداد كبيرة من أعضاء ومؤيدين وحتى المتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني، ونظراً لأهمية الموقف في سجن آمد فإن الاحتلال التركي مارس مختلف الأساليب الوحشية، واستخدم جميع أنواع التعذيب بهدف النيل من إرادة قادة حزب العمال الكردستاني داخل المعتقلات، فإن تمكنت من النيل من إرادتهم داخل السجن؛ فسوف تتمكن بالتالي من القضاء على الحركة داخل السجن وكذلك القضاء على ما تبقى منها في الخارج بنفس الطريقة.
لذا؛ فإنها بذلك ضربت بكل الأعراف الأخلاقية والقوانين والمعايير الإنسانية عرض الحائط، واستخدمت كل أشكال التعذيب والضرب الوحشي ضد قادة وأعضاء الحزب المعتقلين، وركزت بشكلٍ كبير على من لم يتمكن من المقاومة والصمود ممن بنيتهم الجسدية لم تسمح لهم أو المرضى والمصابين، ولا توجد أمثلة للوحشية التي مورست في سجن آمد، وفي مواجهة هذا التعذيب الوحشي الذي من خلاله حاول الاحتلال التركي تكرار تجاربه الناجحة مع الكرد (ثورة الشيخ سعيد بيران 1925 وثورة سيد رضا 1938) حيث عمد إلى محاكمة قادة الحركة والادعاء بأنهم إرهابيون لكن قادة الحركة حولوا المحكمة إلى محاكمة لدولة الاحتلال التركي حيث دافعوا عن فكرهم ومبادئهم الإنسانية.
تصاعدت المقاومة جنباً إلى جنب في مواجهة القمع والقهر والتعذيب حيث بادر قادة الحركة والرعيل الأول المؤسس لها، رفاق القائد أوجلان بالسير على طريق جديدة وأسلوب من نوع آخر في المقاومة لم يعهده النظام القمعي الفاشي الحاكم في تركيا، واستناداً إلى مقاومة كاوا العصر مظلوم دوغان صاحب الإرادة الفولاذية، أطلق أحد أبرز قادة الحركة ورفيق القائد أوجلان منذ البدايات، محمد خيري دورموش خلال المحاكمة الإضراب عن الطعام حتى الموت، هذا القرار الذي أذهل الحكام والقضاة والسجانين وكان بمثابة صفعة تاريخية في وجه الاحتلال، وانضم بعدها كل من الرفاق كمال بير وعاكف يلماز وعلي جيجك إلى الإضراب الذي سرعان ما انتشرت أصدائه في سائر أنحاء سجن آمد السيء الصيت وشارك فيه الآلاف فيما بعد بحيث لم يعد بيد السلطات القمعية وسيلة للخروج من هذا المأزق سوى التفاوض مع القادة المضربين عن الطعام وكان من بينهم عضو منظومة المجتمع الكردستاني مصطفى قره سو الذي تفاوض معهم بعد أن وافقوا على شروط الرفاق المعتقلين وأوقفوا التعذيب، ولكن كان كل من الرفاق الأوائل الذين بدأوا الإضراب قد وصلوا إلى مرتبة الشهادة (محمد خيري دورموش، كمال بير، عاكف يلماز وعلي جيجك) الذين حددوا مصير شعبهم وكتبوا أسمائهم في سجل الخالدين بأحرف من ذهب، ولم يكتفِ خيري بذلك بل طلب من رفاقه أن يكتبوا على شاهدة قبره “إني مدين لوطني وشعبي”.