سيهانوك ديبو ـ صدى سيا –
الباغوز محلّة سوريّة من دير الزور شرقي الفرات، سيُذكرها التاريخ كثيراً، فعلى تراب الباغوز سيُسجل التاريخ ويجلّه كثيراً؛ لأن عليها لفظت دولة سوداء (دولة الإسلام في العراق والشام) أنفاسها الأخيرة، وفيها تمّ دفنها دون رجعة على يد ثائرات وثوار قوات سوريا الديمقراطية (قسد). قريباً سترفع قسد إشارة النصر في الباغوز، معلنة نهاية مرحلة لأخطر فاشيّة مرّت على سوريا والهلال الخصيب وميزوبوتاميا، وشعب سوريا كما عموم شعوب الشرق الأوسط تتجلى معركتهم العظيمة في تحقيق كامل اجتثاث الإرهاب والاستبداد سويّاً فكراً وكيفية؛ للعلاقة والعُرى الوثيقة بينهما؛ وكلاهما يتعكز على الآخر؛ وكلاهما استطالة لبعضهما الآخر. وكل الشقوق التي يحدثها الاستبداد ينمو من خلالها الإرهاب، وكل ظهور للإرهاب إنما تقوم خلالها الأنظمة الاستبدادية بترويع شعوبها وتزلزلهم في أن لا ينبسوا ببنت شفة، فبديل الاستبداد هو الإرهاب، هكذا أصاب العفن مشاريع وتلوثت عقول وفق هذه الثنائية المدمرة، وهذا بحد ذاته يعتبر أحد أهم دواعي المرحلة التنويرية والمضي في تحصين روافع المشروع النهضوي واستنبات الديمقراطية الجذرية في مجتمعات الشرق الأوسط.![]()
ثائرات قسد وثوارها لا ينظرون إلى معاركهم بأنها إطلاق الرصاص على الإرهاب، لم ينتصروا لأن رغبة في الثأر والقتل تملكتهم على شذاذ آفاق مارقين هراطقة كمثال داعش، يتعدى الأمر هذا بكثير ليصل كل متابع لا تتحكم به قصدية أو رغبة من منطلق الفئوية الضيقة؛ إلا أن ثائرات قسد وثوارها ينطلقون من فكر وبراديغما الأمة الديمقراطية تتحقق من خلاله المجتمع الديمقراطي. المجتمع الأخلاقي السياسي الذي بطبيعة الأحوال تحتاجه شعوب الشرق الأوسط هذه اللحظات أكثر من أي لحظة أخرى، أما مجلس سوريا الديمقراطية؛ مظلة قسد السياسية؛ فلديه مشروع حل للأزمة السورية. أعوام الأزمة بكل مآسيها أثبتت صحة وجدوى هذا المشروع المتمثل بأن سوريا اللامركزية أفضل بكثير من سوريا المركزية، وإلى الغلوِّ في الأخيرة ترجع الأزمة ويتسلل الإرهاب، وبات بالمحفِّز لكل التدخلات الإقليمية والدولية إلى سوريا، وعلاوة على أن مشروع سوريا اللامركزية الديمقراطية؛ والإدارات الذاتية الديمقراطية تجسيداً لها؛ بات بالخيار الأمثل فإنه يضع جميع المتدخلين وأطراف الأزمة بعضاً منها أطراف الحل أمام مسؤولياتهم في إظهار الأخطار والتحديات التي تظهر نتيجة الإِصرار على أي تحرك ارتجالي يخلفه أي نشاط لداعش الإرهابي وفي الوقت نفسه يجعل المنطقة على شفير مواجهة مباشرة؛ الكل فيها يحارب الكل، ولاسيّما لو أدركنا بأن الإرهاب لا ينتهي بانتهاء داعش؛ لأن داعش ليس سوى اسم من بين الأسماء الكثيرة التي ظهرت أو تستعد للظهور في الفترة القادمة، فيما لو وجدت لنفسها الشقوق وأماكن الظلّ التي تعود بدورها والمسؤول عنها أي فكرة تؤدي إلى إعادة إنتاج النظام الاستبدادي المركزي.
إن استخدام أنقرة لمثل هذه التنظيمات المتعددة كان بسبب رغبتها بتحقيق أكبر قدر من الاحتلالات للجغرافية السورية، وبالتالي فرض شروطها في الملفات الأخرى التي تمر عبر ملف الأزمة السورية، هكذا تستمر النصرة الإرهابية إلى اللحظة؛ بكل ما تلقاه من دعم من أنقرة, وإذا ما كانت أنقرة الأكثر استخداماً لداعش التي تكاد أن تنتهي، وللنصرة التي تود تركيا بإجراء تحولات ظاهرية فيها بعد أن عجزت المعارضة الإخوانية من تقديمها كفصيل معارض معتدل وبيدق على شطرنج المفاوضة، حينما تبدأ حقيقة؛ فإن استخدام أنقرة لمثل هذه التنظيمات المتعددة كان بسبب رغبتها بتحقيق أكبر قدر من الاحتلالات للجغرافية السورية. وبالتالي فرض شروطها في الملفات الأخرى التي تمر عبر ملف الأزمة السورية، وفي جانب كبير لمثل هذا الاستخدام قتل الكرد شعباً وقضية و إبادتهم بشكل كامل. الفاشية التركية لم تتخلَ عن ذلك وبمساعدة من المتواطئين معها عرباً أم أكراداً ومن غيرهم كانوا في سوريا، أو في خارجها أيضاً؛ بالرغم من الانسداد الحاصل والانسداد الحادث على مشروع الفاشية التركية الذي بات بالظلام المنحسر أمام مدِّ التنوير، الذي يحصل من قِبل مشروع الحل الديمقراطي الذي يحمله مسد بالمشاركة مع القوى والأحزاب والشخصيات الديمقراطية السورية، وهم بطبيعة الحال أطراف الحل المؤثّرين حينما يحين وقت الحل. والخلاصة فإن المعركة ضد الإرهاب والاستبداد مستمرة، بالرغم من إسدال الستار على أهم فصولها من كامل شرقي الفرات؛ من على تراب الباغوز التي سيذكرها التاريخ كثيراً.
