روناهي/ الدرباسية – أوضحت الممثلة المسرحية الشابة، نسرين عمر، اختيارها المسرح لأنه يكون على تماس مباشر مع الجماهير، وتمنت من المهتمين ضرورة الاهتمام بالتمثيل المسرحي؛ لأنه يعبر عن هموم الناس.
يعد العرض المسرحي من العروض الأولى في التمثيل، حيث اعتمد الممثلون المسرحيون إلى هذا النوع من التمثيل في عكس صورة واقعهم المعاش للعالم الخارجي، وذلك قبل تطور وسائل العرض، وظهور وسائل متقدمة في حينه، كالسينما والتلفاز.
كما كان للمسرح دور كبير في إبراز عادات وتقاليد الشعوب، مثل ما عمد إليه المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس، الذي كشف عن فنية وديناميكية التراث والطقوس الشعبية، وأثرى بذلك أشكالا ووسائل تعبيرية،تمنح المسرح الشرقي عموما خصوصيته بغية الوصول إلى العرض الشعبي وتأصيله، وقد أضحى طريق المسرح أكثر وضوحا، وامتلك امتداده التجريبي المؤثر في المسرح الإنساني العالمي بشكل عام.
انطلاقا من ذلك، أثار المسرح في نفوس الكثير من الأشخاص شغفا كبيرا، وقد عملوا على تنمية هذا الشغف وتغذيته، ليصلوا إلى هواية التمثيل المسرحي، بعد أن اكتشفوا في أنفسهم موهبة التمثيل، وعملوا على صقلها.
وقد أتاحت الأحداث السياسية التي عصفت بالشرق الأوسط خلال العقد الماضي دوراً كبيرا في إبراز العديد من المواهب، ومن ضمنها، مواهب التمثيل المسرحي. فسياسات الإقصاء والتهميش، وخنق الحريات، التي كانت متبعة في منطقة الشرق الأوسط، شكلت عائقا كبيرا أمام تنمية المواهب وتخريج المبدعين، لذلك، فإن ثورات المنطقة، وبالدرجة الأولى ثورة روج آفا، أتاحت الفرصة أمام الكثير من المواهب، وبمختلف الفئات العمرية، وفي مختلف المجالات، للعب دورها الاجتماعي بين مجتمعاتها، بعيدا عن القبضة الأمنية المتبعة في المنطقة تاريخيا.
وقد لمعت سيرة الكثير من النجوم في شمال وشرق سوريا إبان ثورتها، ومن بين هذه النجوم، كانت الشابة نسرين عمر، عشرون عاماً، ابنة مدينة قامشلو، طالبة كلية الآثار والمتاحف، والتي كبر معها حب التمثيل حتى باتت ممثلة تقف على الخشبة، وتجسد أدوارا متعددة أمام الجمهور.
بدايات مسيرتها المسرحية
وحول مسيرتها المسرحية، التقت صحيفتنا مع الممثلة المسرحية، الشابة نسرين عمر: “منذ الصغر كنت أشاهد التلفاز، وأحضر العروض المسرحية، وكنت أحاول دائما لعب أدوار تمثيلية من خلال اللعب مع أصدقائي وصديقاتي، وعلى الرغم من صغر سني في ذلك الحين، إلا إني كنت أمثل بشكل جيد، وقد بدأت اهتم بهذا الجانب، وعملت على تلبية حاجات هذا الشغف لدي، كما عملت على صقل موهبتي، ومن جهة أخرى، فقد كان لعائلتي دور كبير في تشجيعي للعمل المسرحي”.
ثقافة المسرح وأدواته كانت غائبة، التي أشارت إليها نسرين: “في صغري، لم تُتح لي الفرصة للمشاركة في عروض مسرحية، وذلك بسبب عدم انتشار ثقافة المسرح في المنطقة، وأيضا بسبب افتقار المنطقة لفرق التمثيل بشكل عام، والفرق المسرحية بشكل خاص، لذلك، بقيت مدة طويلة اعتمد على نفسي في التدريب والتقدم”.
لماذا المسرح؟
الممثلة نسرين تابعت حديثها حول أسباب اختيارها للمسرح دون سواه من الفنون: “لقد اخترت المسرح لأسباب عديدة، أهمها، هو أن المسرح على تماس مباشر مع الجمهور من خلال المواجهة المسرحية، فيستطيع الممثل أن يظهر الشخصية المرغوبة بشكل مباشر إلى المشاهد، بعكس السينما أو التلفاز، واللذين يشكلان حاجزا بين الممثل والمشاهد، فيظل المشهد مشهدا تمثيليا، دون أن يُطعم بأي حركة واقعية، بينما المسرح، ومن خلال مواجهة الممثل مع المشاهد، يبعث الممثل في المشهد روحا، تجعل المشاهد يعيش تلك الحالة على أنها واقعية، وليست مجرد حالة تمثيلية، من هنا يكتسب المسرح أهميته، ولهذا السبب اخترت التمثيل المسرحي بشكل خاص بعيدا عن أنواع التمثيل”.
خصوصية التجربة الأولى
وعن تجربتها الأولى: “بدأت بالتمثيل عام 2018، فحصلت على فرصة للانضمام لفرقة “شانو” المسرحية، في مسرحية “موت الحجل”، والتي لعبت فيها دور البطولة، ومن ثم توالت مشاركتي في العروض المسرحية، حيث شاركت في مسرحيات عدة، من ضمنها: أبيض وأسود – مظلة الأمل- لعبة العصا- بيت العجوز- الشريط الأسود، وغيرها من الأعمال. وقد استفدتُ من هذه الأعمال، لأني بدأت اتعلم أساسيات المسرح، وانتقلت من التمثيل العشوائي، إلى التمثيل المنظم القائم على قواعد أساسية في المسرح، ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلتي التمثيلية المستمرة حتى اللحظة مع “فرقة شانو”. وقد شاركنا منذ فترة بعرض مسرحية “مظلة الأمل” في مهرجان دولي عبر الإنترنت، والذي يُقام من قبل مسرح غروتوفسكي في بولندا، بمشاركة “شبكة مسرح مناطق الصراع”، التابعة لمعهد المسرح الدولي لليونسكو”.
الصعوبات والعوائق
وبينت نسرين المصاعب، التي تواجهها في مسيرتها المسرحية: “الصعوبات الرئيسية تتلخص في التوفيق في الوقت بين الدراسة والعمل المسرحي، أضف إلى ذلك، أحاديث المحيط، التي كانت سلبية جداً تجاه هذا الموضوع، بحجة أن المسرح يُشغلني عن دراستي، ولكن مع الوقت، استطعت التنسيق بين المسرح والدراسة، ولم أسمح لتلك الأحاديث أن تُثنيني عن هدفي، لأنني كنت مصممة على تحقيق حلمي في الانخراط بالتمثيل المسرحي، وقد قطعت أشواطا كبيرة على طريق تحقيق حلمي، خاصة وإن ثورة روج آفا أتاحت لنا مثل هذه الفرصة، فباتت المرأة أكثر حرية، وأكثر قدرة على تحقيق طموحاتها”.
المطلوب لتطوير المسرح
الممثلة المسرحية، نسرين عمر اختتمت حديثها: “يجب إيلاء المسرح أهمية أكبر في مناطق شمال وشرق سوريا، وذلك من خلال افتتاح معاهد خاصة بتدريب المسرحيين، لسهولة القيام بتدريباتهم، ومع الأسف لا نزال نفتقر لمثل هذه المعاهد في منطقتنا. من جهة أخرى، لا بد من فصل المسرح عن الولاءات والخلافات السياسية، لأن مثل هذه الخلافات تُقيد عمل المسرح، وبالتالي يصعب على المسرحي إيصال رسالته التي يعمل على إيصالها من خلال مسرحه”.
يبقى الطموح سيد الموقف، والإرادة التي تصمم على التميز والوصول بالرسالة التي نودها، إلى من يهمه أمرها، ويبقى للفن بكل ينابيعه وموارده ومشاربه رسالته في تقدم المجتمعات على مختلف مشاربها.
