روناهي/الشهباء- ينطلق مهرجان ميتان المسرحي الرابع نهاية الشهر الحالي في ظروف مغايرة عما سبق، ورسائل متعددة يحاول المنظمون عبرها التأكيد على الصمود في وجه الاحتلال، والاستمرار بالحياة تيمّناً بشعار ميتان الأزلي “إننا نزرع الحياة”، لتكون هذه النسخة من ميتان في ظروف التهجير مُهداةً إلى مقاومة روج آفا، وتأكيداً على أن عفرين المقاومة كانت نضرة بفنها وطبيعتها وستظل كذلك.
اليوم وفي الشهباء، “ميتان” هو استمرار لمسيرة ستة سنوات من العمل والنشاط الفني المسرحي، واليوم يكافح مجموعة من شباب المستقبل لبث الروح في هذا المهرجان كرسالة على الاستمرار بالحياة والمقاومة ويقولون كلمة واحدة وهي “ميتان ستعود إلى عفرين المحررة بدورتها المقبلة حتماً”، هذه هي عبارتهم اليوم، لكن كيف بدأ هذا المهرجان وماذا سيقدم هذا العام لمُهجري عفرين الذين باتوا أكثر إصراراً على العودة إلى ديارهم المحتلة منذ أكثر من عام ونصف.
كيف كانت مسيرة ست سنوات؟
بدأت فكرة إطلاق مهرجان ميتان المسرحي عام 2014م، بهدف تعريف هذا الفن للمجتمع العفريني وتأسيس اللبنة الأولى لفن المسرح ضمن عفرين، وبعد أشهر من إطلاق الفكرة من قبل عدد من المهتمين بهذا المجال ومن بينهم المخرج المسرحي “محي الدين أرسلان”، بات المهرجان واقعاً بانطلاق أولى دوراته في نهاية 2014م، على أن ينطلق دورته الثانية بعد عامين، وتقول الإدارية في حركة الثقافة والفن في عفرين وإحدى المشاركات في مهرجان ميتان بدورته الرابعة “رومات بكو“:
“مهرجان ميتان قدم خلال مسيرته في عفرين نتائج متميزة من حيث تعريف المجتمع العفريني على فن المسرح الذي كان ينظر إليه عامة الناس، كفقرات ترفيهية أو سكيتشات تقدم في الحفلات فقط، ومع انطلاق ميتان بات الفن المسرحي بأجناسه وأنواعه المختلفة بين أيدي المجتمع، وشكل أرضية ثقافية خصبة لنمو هذا النوع من الفن الحي”.
وعن صدى ميتان في عفرين خلال مسيرته المتلاحقة، قال الرئيس المشترك لكومين المسرح “سلام إيبو”، لقى الفن المسرحي صدى جيداً في المجتمع العفريني والدليل على ذلك الإقبال الكبير من قبل عامة الشعب والمثقفين لحضور مسرحيات مهرجان ميتان في دوراته الثلاث المقامة في عفرين، وتابع “في بعض الأحيان كانت قاعة المسرحة تمتلئ بالمشاهدين والعديد منهم كان يقف على الأرجل لمشاهدة العروض المسرحية، إضافة إلى أن المهرجان ساهم في إنشاء فرق مسرحية شابة ضمن عفرين”.
لم تقتصر نتائج مهرجان ميتان على ثقافة المجتمع ونظرته للفن المسرحي فقط، بل وجهَّ العملية التعليمية في عفرين لضرورة افتتاح فروع خاص بالفنون المسرحية وباقي أجناس الفنون في معهد عفرين، وكانت البداية بافتتاح فرع خاص بالفن المسرحي ضمن المعهد، وتقول رومات بكو”:
“بعد انطلاق ميتان ورغبتي بالمشاركة فيه، تقدمت لدراسة الفن المسرحي ضمن معهد عفرين، واجتزت اختبار المقابلة برفقة ثمانِ طلاب أخرين، وبعد سنتين تخرجنا وانشائنا فرقة مسرحية خاصة بنا وشاركنا في ميتان بدورته الثانية والثالثة واليوم نحن ننظم ميتان بنسخته الرابعة لكن الظروف والأهداف هنا مغايرة عن كونه مهرجان مسرحي يهدف لانتقاء أفضل الأعمال، بل هدفنا الأول هنا هو بيان آلام هذا الشعب ومقاومته والتأكيد على استمرارنا في حياتنا بكل السبل والتأكيد على العودة المشرفة إلى عفرين”.
الرئيس المشترك لكومين المسرح سلام إيبو هو الآخر شارك في الدورة الثالثة لميتان، وكان طالباً في السنة الثانية عندها، وعن تأثير ميتان على اختياره فرع الفن المسرحي يقول: “ولد ميتان في داخلنا أمل المستقبل، وأنا شخصياً اخترت طريق التمثيل المسرحي برغبة شخصية، والهدف هو إيصال ما يجول في خلدي وروحي للمجتمع عبر الفن، ولكن وجود ميتان أعطانا الثقة بأنه ثمة شيء على أرض الواقع يمكننا من خلاله تقديم رسائلنا هذه، ويضمن مستقبلاً المهني والفني”، ويٌشير سلام إلى أن الثقافة الكردية كانت تركز على الرقص الفلكلوري وبعض الأجناس الفنية الأخرى، لكن اليوم مع ميتان بات الفن المسرحي جزءاً أساسياً وبات الشعب يترقب ذلك بشكلٍ أساسي.
“خالقو الأمل”… استمرار روح الشباب في المخيمات
“خالقو الأمل” هي فرقة مسرحية تضم تسعة من شبان عفرين المُهجرين في الشهباء، تأسست هذه الفرقة في الشهباء بعد تهجير العفرينيين من ديارهم، وتضم الفرقة أربعة من خريجي المعهد المسرحي في عفرين، ومن بينهم رومات وسلام، قدمت هذه الفرقة عدد من اللوحات المتمازجة خلال العام المنصرم، وشاركت الفرقة كذلك في مهرجان يكتا المسرحي العام الفائت في إقليم الجزيرة بمسرحية تحت اسم “الحقائب السوداء”، ونالت تقديراً من الحضور.
كرنفال اليوم هو تجديد صدى كرنفال الانطلاق
أول ظهور لميتان في 2014م، كان عبر كرنفال غنائي راقص جاب شوارع عفرين، وكان هذا الحدث الأول من نوعه في تاريخ عفرين الحديث، لذا كان بمثابة إطلاق مرحلة جديدة للعمل المسرحي ونظرة المجتمع له، وبهذا الشكل بات الكرنفال التمهيد لإطلاق ميتان رمزاً لهذا المهرجان، ويفكر المنظمون لمهرجان ميتان الرابع في الشهباء بإطلاق كرنفال مشابه ولكن يحمل معانٍ مغايرة تماماً.
اليوم في الشهباء، في ظل ظروف التهجير القسرية والنزوح التي يعيشها العفرينيون، يعمل الفريق المسرحي وحركة الثقافة الفن في عفرين، ليلاً نهاراً لإنجاح إطلاق ميتان بنسخته الرابعة، وسيكون شعار هذه الدورة “زاهية وستبقى زاهية” في إشارة إلى عفرين إلى جانب شعار ميتان السنوي “أننا نزرع الحياة” وتم إهداء هذه النسخة من ميتان إلى مقاومة روج آفا، ويقول الفريق المنظم أنه ثمة دافع قوي لإتمام مسيرة ميتان، وبالأخص في ظروف التهجير هذه، والمقاومة التي يبديها الشعب هنا، وبهذه الروح تقول رومات “ميتان لن يتوقف في أي ظرف، لأن ولادة ميتان كانت بمثابة ثورة ثقافية وبالتالي استمرارها يدل على استمرار هذه الثورة وبالتالي إيصال الرسالة للمحتل والشعب المقاوم معاً”.
يشارك قرابة أربعون شخصاً بين ممثل مسرحي وأعضاء في حركة الثقافة والفن والهلال الذهبي، وفرق غنائية، في هذه النسخة من مهرجان ميتان، ويبدأ المهرجان بكرنفال فني في اليوم الخامس والعشرين الشهر الحالي، ويليه يوم الافتتاح والعروض المسرحية تبدأ في السابع والعشرين، ويستمر لمدة عشرة أيام، وسيعرض خلال هذه الأيام عشر مسرحيات متنوعة بين “المسرح الغنائي والتمثيلي”، وربما يتم عرض مسرحية “الحقائب السوداء” التي تم تقديمها في مهرجان شهيد يكتا من قبل فرقة “خالقو الأمل”.
قلة النصوص المسرحية الكردية هي إحدى معاناة المشاركين
ويقول سلام إيبو أن الساحة الكردية تعاني مشكلة قلة النصوص المسرحية الكردية، وبالتالي نضطر في بعض الأحيان إلى تعديل بعض النصوص وفق الواقع الكردي، ومن بين تلك النصوص، هو نص مسرحي للكاتب السوري “ممدوح عدوان” يتحدث عن الصراع بين السلطة والشعب، وهذا النص يعاصر الوقت الحاضر وشكل المقاومة لهذا الشعب، لذا تم تعديله وإعداده تحت اسم “طريفي حيدوا”، وهناك بعض النصوص المحلية مثل مسرحية “نسرين” لكاتب كردي يتحدث عن طروف التهجير والنزوح، وتم إعداده بما يتناسب مع ظروف التهجير من عفرين، إضافة لمسرحية “سبع خيم” للكاتب والمخرج المسرحي “محي الدين أرسلان”.
وتتوزع المسرحيات المشاركة في هذه النسخة من ميتان، بين “المونو دراما والديو دراما، والمسرح الغنائي والتراجيديا”، وكافة المسرحيات ستقدم باللغة الكردية وهناك مسرحية “مجرد مزاح” ستقدم باللغة العربية، إضافة لمشاركة فرقة مسرحية من حلب وأخرى من إقليم الجزيرة في هذه النسخة من ميتان.
المنافسة مُغيّبة، وتقييم الأعمال من قِبل الجمهور إحدى ميزات هذا العام
وما يميز العروض المسرحية هذا العام، هو تغير نوع التحكيم، إذ لا منافسة بين العروض هذا العام خلاف الأعوام السابقة، بل سيكون هناك مناقشة حول أداء الممثلين ونوعية النصوص وقد يشمل حواراً بسيطاً بين الجمهور والممثلين، وتقول رومات: “هذا العام يشكل جوهر ميتان روح المقاومة، لذا سيكون هناك عروض تتفق مع روح المقاومة”، ومن هذه الأعمال “قصة درويش عفدي الشهيرة في التاريخ الكردي” بشكلٍ غنائي، وهذه المسرحية الغنائية تهدف لإظهار أهمية ترابط الإنسان بوطنه وأرضه.
التغلب على ظروف النزوح… رسالة مقاومة
أما عن الظروف التقنية التي واجهة إقامة المهرجان في الوقت المحدد أي “شهر تشرين الثاني من عام 2019م” وتسبب في تأخره إلى اليوم، هو عدم وجود مكان ملائم لتقديم العروض المسرحية، وقدم كومين المسرح مشروعه لإقامة مسرح بسيط لحركة الثقافة والفن، والتي بدورها باشرت بترميم مبنى مترهل في ناحية الأحداث، حتى بات اليوم مسرحاً يتسع لثلاثمئة مشاهد، وتم تزويد المسرح بأجهزة الصوت والإضاءة اللازمة، ويتم حالياً إنهاء التحضيرات التقنية والخاصة بالديكور والألبسة، الذي يترافق مع بروفات يومية وعلى مدار تسع ساعات باليوم لكافة الأعضاء المشاركين بالمسرحيات، وبروفات فردية أخرى على خشبة المسرح المشيد.
خشبة المسرح هذه ستعود إلى عفرين حتماً
مهرجان ميتان الذي أبى الموت مع احتلال تركيا لعفرين، يستمر اليوم على خشبة مسرح صنعت بأيدي العفرينيين في الشهباء حيث يقطنون، وسط صيحات تبث الأمل على أن ميتان سيعود إلى خشبة مركز عفرين الثقافي كما كان في الأيام الخوالي، ليُعيد تأسيس تاريخ جديد يُبشر بالحرية والتحرر، ويؤكد على دور الفن في بناء المجتمعات وتوجيهها وتمتين سبل المقاومة ضد الاحتلال وأفكاره.
في بعض الأحيان إلى تعديل بعض النصوص وفق الواقع الكردي، ومن بين تلك النصوص، هو نص مسرحي للكاتب السوري “ممدوح عدوان” يتحدث عن الصراع بين السلطة والشعب، وهذا النص يعاصر الوقت الحاضر وشكل المقاومة لهذا الشعب، لذا تم تعديله وإعداده تحت اسم “طريفي حيدوا”، وهناك بعض النصوص المحلية مثل مسرحية “نسرين” لكاتب كردي يتحدث عن طروف التهجير والنزوح، وتم إعداده بما يتناسب مع ظروف التهجير من عفرين، إضافة لمسرحية “سبع خيم” للكاتب والمخرج المسرحي “محي الدين أرسلان”.
