سوزدار وقاص (إعلامية)_
حين تدخل إليها تستنشق منها روائح الشهداء، تفوح في أرجائها نسمات باردة، تأتي من هذه الجهة، وهناك يأتيك رحيق ذكريات من ناضل في هذا الحي.
لكل مقاومة ونضال إرث سيّر أبناء وأحفاد تلك المدينة، والأرض على خطا من كانوا سبباً لذلك النضال، مقاومة الشيخ مقصود واحدة منها، التي شكّلت اسماً لها، ويُستذكر على لسان كل من ينطق به.
خلال الأعوام ما بين 2012 و2016 حيث الحرب والمعارك الشديدة، التي طالت حييّ الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب من قبل المرتزقة التابعين للاحتلال التركي، جابهوا كل صغير وكبير، عمدوا على مبدأ الدفاع المشروع، أبناؤه ومقاتلوه ونساؤه سوياً، لأعوام، وانتصروا بتلك الإرادة المكتسبة من فلسفة القائد “عبد الله أوجلان”.
منطقة الشقيف، معروفة بين أوساط أهالي الحي، ولربما بين العفرينيين بمنطقة عيد النوروز، تتربّع على سفح هضبة، تطلّ على حي الشيخ مقصود في الجهة الشمالية منه.
أثناء اندلاع المعارك لعدة السنوات، كانت منطقة الشقيف النقطة الأمامية لصد الهجمات، اتخذ مقاتلو ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة، منها مكانهم، وبنوا حوله أسواراً وخنادق لحماية أنفسهم.
اليوم… وبعد سنوات من انتهاء المعارك تغير شكل المنطقة تماماً، تبدو وللوهلة أولى بستاناً للأشجار وللمزروعات، ولم تكن يوماً مكاناً تُصد منه الهجمات، تحولت اليوم من منطقة كان تفوح روائح الحرب والبارود منه إلى مكانٍ تنبعث منه روائح الشهداء، حيث “حديقة الرابع من نيسان” نسبة إلى يوم ولادة القائد عبد الله أوجلان.
على مساحة تُقدر بـسبعة آلاف متر مربع، بنيت الحديقة بأيدي أبنائها المقاتلين والمقاتلات، والعديد ممن شاركوا في بنائها هم شهداء اليوم، الذي رحلوا جسداً وتركوا روحهم وصورهم داخل تلك المساحة، وفي ذاكرة من عرفوهم وهم “فراس، جيا، حيدر، حسن مليس، فدكار”.
حين تطال قدماك الحديقة، ترف عيناك في جهاتها كلها، وفي كل زاوية منها أعلامٌ لوحدات حماية الشعب والمرأة، صور لعشرات الشهداء، الذين دافعوا عن الحي، ورسومات لصور القائد آبو، أشجار الزيتون.
في زاوية من الحديقة المربعة، توجد غرفة جدرانها زجاجية، تضم ألبسة شهداء رحلوا، وتضم رصاصات وأسلحة لهم، ودفاتر ورسائل كانوا قد كتبوها لمن أحبوا، وما يشد انتباهكم فيها، هناك طبل لأحد الشهداء كان يعزف عليه أغاني القتال، وتعلو ذلك كله صور وأسماء لأولئك الأبطال، الذين ضحوا من أجلنا.
الغرفة لم تكن مجرد حافظ لمقتنيات الشهداء، بل هي حافظة لذكراهم، تنبعث من داخلها روائحهم التي ما زال رحيقها منتشرا في الأرجاء، وتُعطر كل من يدخل إليها، وتحكي للزوار قصص بطولاتهم.
وعلى جدار طويل تنتشر صور المقاتلين معلقة بجلال وهيبة، تستذكر قصص استشهادهم، الذين ضحوا بكل ما ملكوا، هؤلاء هم شهداء الشيخ مقصود، وحينما يجول نظرك بالمكان تشعر بالارتياح والطمأنينة…
في قسم آخر من الحديقة الكبيرة تقع مكتبة تحوي مؤلفات القائد أوجلان بالنسختين العربية والكردية، مؤلفة مانيفستو الحضارة الديمقراطية والمدنية الرأسمالية، تضم المكتبة عناوين لكتب القائد، مثل: حقيقة القيادة، أهمية التدريب، تاريخ كردستان، الدفاع عن الشعب، وكتاب: حياتي كلها صراع للمناضلة ساكينة جانسير وكتب عن المناضلة شيلان، وبيريتان.
أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الحديقة هي العبارة “بلا وطن… بلا علم… ودنيا بلا عنوان” المكتوبة على أحد جدرانه.
في الرابع من نيسان من كل عام الذي يصادف فيه ميلاد القائد عبد الله أوجلان يقوم المقاتلون والمقاتلات مع الأهالي بزراعة الأشجار الدالة على نشر السلام، كما فكر القائد، وذلك لرسالة “ميلاد القائد أوجلان هو ميلاد الحياة “.
حينما تتأمل المكان تجد القوة والنماء والمستقبل، الذي يوحي للأجيال القادمة السير على نهج الشهداء، الذين رووا بدمائهم أرض البطولات، كل ذلك تجده في حديقة الرابع من نيسان ذكرى ميلاد القائد عبد الله أوجلان.
