روناهي/ قامشلو –
لا يزال مواطنو قامشلو يستذكرون مشاهد المجزرة الدموية التي ارتكبها مرتزقة داعش في الحي الغربي بمدنية قامشلو بتاريخ 27 تموز 2016 بمشاعر ملؤها أسى، مُحملين الاحتلال التركي مسؤولية المجازر المستمرة على شعوب المنطقة، ومنتقدين صمت الضمير الإنساني حيال ضحاياهم وشهدائهم.
تكاد أوجاع شعوب شمال وشرق سوريا لا تغيب عن روزنامة الأحداث في الساحة السورية، ست سنوات مضت وما زال أثره موجوداً، فبقيت معالمه مرسومة على جدران الحي، وواجهات المحال التجارية التي لم تصمت لتروي للمارة أحداث التفجير، ليصبح كل حجر في هذا الشارع شاهداً على هذه المجزرة، يصادف يوم 27 تموز الجاري ذكرى التفجير الأليم الذي حدث في الحي الغربي بمدينة قامشلو، حيث استيقظت المدينة صباح يوم الأربعاء 27/7/2016 على صوت دوي انفجار هز قلوب قاطنيها قبل أركانها تلاه غمامة حصدت أرواح الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم استيقظوا لبدء يوم جديد في هذه الحياة فكان آخر يوم لهم، ولتتحول هذه المشاهد الأليمة لجرح لا يندمل في ذاكرة كل من نجا من ذلك الجحيم.
وخلّف التفجير اثنين وستين شهيداً وأكثر من 175 جريحاً، عدا عن الدمار الكبير الذي ألحقه بممتلكات المواطنين، فالحي على مساحة دائرية قطرها 500 متر تضررت من التفجير الدموي.
رد فعل إجرامي
الهجوم الإرهابي الذي قام به مرتزقة داعش في هذا الحي حصل في وقت تلقى فيه المرتزقة وداعميه ضربات قوية وهي (تحرير مقاطعة كوباني ومدينة منبج التي كانت على أبواب التحرير).
لم تكن المجزرة ردة فعلٍ انتقامية من قبل المرتزقة فقط إنما كانت فعلاً مباشراً من أفعاله الإجرامية التي طالت عدداً من المناطق في سوريا عموماً وفي شمال وشرقها خصوصاً وقد تبنته وبكل شفافية أمام مرأى العالم أجمع.
حصل التفجير في الساعة التاسعة وعشرين دقيقة صباحاً من خلال دخول شاحنة مفخخة خاصة بنقل المواشي محملة بـ 14 طناً من المواد المتفجّرة.
مع مرور الذكرى السادسة لمجزرة قامشلو التي خلّفت وراءها العشرات من الضحايا المدنيين العزّل وجرح المئات، ما يزال ارتكاب المجازر واستهداف المدنيين والسياسيين والشخصيات الوطنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا مستمراً من قبل الدولة التركية التي تعتبر الأب الروحي والداعم الأول لمرتزقة داعش وخلاياها النائمة وتسعى إلى تنشيطه بدعمه المستمر، كما تستمر دولة الاحتلال التركي في استكمال سلسلة الجرائم التي بدأتها مرتزقة داعش بأوامر ودعم من حزب العدالة والتنمية، وكان آخر هذه الجرائم استهداف ثلاث قياديات من وحدات حماية المرأة بهجوم غادر وجبان عبر طائرة مسيّرة كونهن كنَّ يحاربن الإرهاب وداعش في المنطقة، فكشف نية المحتل التركي الرامية إلى الانتقام لداعش.
نجا ليروي مأساة المجزرة
وبهذا الصدد التقت صحيفتنا “روناهي” مع شهود عيان للتفجير الإرهابي، حيث يرون لنا ما شاهدوه وعاشوه من أحداث في ذلك اليوم الأسود بتاريخ مدينة قامشلو.
“أحمد محمد علي” صاحب مكتب عقاري يبعد مكتبه عن مكان التفجير الإرهابي بضعة أمتار، نجا من الموت لتأخره عن العمل للحظات، وعند وصوله لمكان التفجير لم يجد سوى الخراب والدمار والجرحى والشهداء وأبنية محطمة تلونت بالدماء: “تناثرت الأشلاء في كل مكان وغطت الدماء الشوارع والأرصفة وتحولت البيوت إلى مقابر فوق ساكنيها حين صب المرتزقة جام غضبهم وحقدهم الأسود على الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، على البشر والحجر في الحي الغربي وكان لها أثر كبير على كافة شعوب المدينة وليس على ذوي الشهداء والمصابين فقط”.
وأكد علي بأن التفجير الإرهابي قد تم التحضير له بشكلٍ كبير من قِبل المرتزقة، ولاستهداف إرادة شعوب المنطقة وبث الرعب في قلوب المواطنين من أجل دفعهم للهجرة وإفراغ المدينة من السكان الأصليين.
واختتم “أحمد محمد علي” حديثه: “في هذه الذكرى الأليمة ندعو كافة أبناء شعبنا للوقوف صفاً واحداً ضد كافة التهديدات والمحاولات الرامية لضرب مكتسبات ثورتنا والنيل من عزيمتنا ونؤكد الاستمرار على نهج الثورة حتى تحقيق كافة تطلعات شعبنا”.
الأعمال الإرهابية صفحات لم تنطوِ بعد
والحال ذاته مع مواطن يبعد دكانه عن مكان التفجير الإرهابي حوالي خمسين متراً أثناء تواجده صباحاً في محله ليحل السواد فجأة ومع تبدد غمامة الدخان كانت أشلاء البشر والحجارة منتشرة في كل مكان، ليصف لنا “محمد خير عزت” اللحظات التي عاشها جراء ذلك العمل الإرهابي، مشيراً في حديثه إلى أن التفجير الإرهابي الذي استهدف الحي الغربي من مدينة قامشلو، كان الأول من نوعه من حيث قوة التفجير والدمار الذي خلّفه، وقد تم التحضير لهذا التفجير الإرهابي من قبل مرتزقة داعش بطريقة منظمة ودقيقة، وبهدف بث الرعب في قلوب المدنيين: “ذكرى التفجير الإرهابي في قامشلو تعيد إلى الأذهان تلك اللحظات المروّعة، ومن المؤكد أنّ أهالي قامشلو يعيشون تلك الذكرى الأليمة طوال ست سنين مضت، فكنا شهوداً، على الألم الذي عشناه لفقدان عشرات الشهداء الأبرياء من كلّ الأعمار ومن كلا الجنسين”.
ونوه عزت في حديثه إلى استمرار استهداف شعوب شمال وشرق سوريا من قبل دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها واستمرار ارتكاب المجازر بحق المدنيين والمضي قُدماً فيما بدأه داعش من جرائم وأعمال لا إنسانية، حيث يستمر الاحتلال التركي في قصف القرى والبلدات والمدن المتاخمة لحدوده، ويقوم أيضاً باستهداف المدنيين والسياسيين والعسكريين من خلال الطائرات المسيّرة، وخير مثال على إرهاب الدولة التركية وجرائمها هو استهداف الطيران المسير التركي لثلاث نساء قياديات حاربن مرتزقة داعش، وقد تم استهدافهن قبل أيام على طريق قامشلو وانضممنَ إلى قافلة الشهداء.
شاهد صامت… الضمير الإنساني
في يوم مات فيه الضمير لوهلة وتجردت الإنسانية من قيمها وأخلاقها وخذلت السكان الآمنين الذين وقعوا فريسة لمخالب المرتزقة ومن يقف خلفهم هذا ما أوضحه عزت بقوله: “هذا هو باختصار الإرهاب الذي لا يفرّق بين أحد سواءً كان صغيراً أم كبيراً، رجلاً كان أم امرأةً، فقط يحصد الأرواح البريئة، نعم نجح الإرهابي في اقتحام هدوء مدينتنا وجعل كلّ البيوت تبكي في صبيحةٍ أبى القتلة إلّا أن يجعلوها ملطّخةً بالدماء، ليسجّل في تاريخ قامشلو ذكرى أليمة لن تُنسى للأبد، ولكن لم ينجح في كسر إرادة شعبنا المقاوم والمتشبث بأرضه حتى الرمق الأخير”.
