مثقفات إقليم الجزيرة: المرأة صانعة الحضارة وحامية الثقافة

استطلاع/ عبد الرحمن محمد –

روناهي/ قامشلوـ ثقافة المرأة هي مقياس ودليل على مدى التقدم في مجتمع ما، حيث سخَّرت المرأة الثقافة في تجميل القيم والمبادئ للإنسانية في المجتمع، وعملت على تطوير ثقافتها في ثورة روج آفا من خلال المؤسسات المعنية بالشؤون الثقافية، هذا ما أكدته مثقفات إقليم الجزيرة حول ارتباط المرأة بالثقافة ودورها في التقدم الثقافي.
مقاييس عدة وآراء متعددة قد تؤخذ بعين الاعتبار عندما نتحدث عن التقدم والازدهار في مجتمع وأمة ما، منها الثقافة واللغة والفنون والتقدم العلمي والإرث التاريخي والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، ولعل الأهم في كل ذلك هو مساهمة المرأة في صنع الحياة وإدارة المجتمع في كل نواحيه ومن أهمها مشاركتها في الواقع الثقافي.
حول هذا الموضوع قمنا باستطلاع آراء بعض النساء المثقفات والمساهمات في الحراك الثقافي:

الدور الأساسي للمرأة عبر التاريخ
الكاتبة والشاعرة بشيرة درويش أشارت في البداية إلى الدور التاريخي للمرأة بالقول: «علينا أن لا ننسى دور المرأة عبر التاريخ، فقد كان لها دور في اكتشافات ومجالات عدة من علم الفلك والزراعة وتدجين الحيوانات ومعرفتها بالإدارة وقوانين الطبيعة، وأخص هنا بالذكر المرأة في موزوبوتاميا المعطاءة، إلا إن ظهور البابوية في سومر، طوت صفحة مشرقة لمرحلة المرأة ومكانتها. ابتداءً من سومر مروراً بالإقطاعية والرأسمالية إلا إن المرأة لم تستسلم كافحت وناضلت لنيل حقوقها في كافة المجالات وساعدها في ذلك ظهور أفكار متقدمة تمتاز بفسحة من العلم والحرية نوعاً ما لتتحدى بذلك القوانين التي فُرضت عليها وخاصة في الآونة الأخيرة وكفاحها المستميت لنيل حقوقها فانخرطت في مجالات عدة ومنها المجالات الثقافية وأصبحت تعبّر عن نفسها وعن أحاسيسها مستمدة قوتها من المرأة المقاتلة التي تتحدى القوانين المجتمعية الجائرة تكتب عن ذاتها وثورتها بالفن بكافة أشكاله والأدب بأنواعه. فظهرت العديد من الشخصيات والكاتبات والشاعرات، ولها الحق بأن تحتفل بعيدها/عيد المرأة/ الذي كان بمثابة ميلاد جديد

ثقافة المرأة مقياس ثقافة المجتمع
الكاتبة ليلى بونجغ ترى بأن ثقافة المرأة هي مقياس ودليل على مدى التقدم في مجتمع ما وتضيف: «قبل الثورة لم يكن للمرأة أي نشاط يذكر سوى مساهمات بسيطة في بعض الفرق الفنية بالمناسبات الوطنية، في بيئة يسودها جو من الخوف والخشية من الظهور على الملأ وكانت ظروف المجتمع والثقافة السائدة والعادات والتقاليد البالية تكتم أنفاس المرأة وتجهض أفكارها وإبداعها، ومع بزوغ الثورة في روج آفا أخذت تلعب دورها الفعال والحيوي بكل جرأة وثقة بالنفس عن طريق التدريب المستمر والتوجيه والتنظيم، لأن ثقافة المرأة في أي مجتمع تعتبر مقياس تقدم ذاك المجتمع وعن طريق المؤسسات والحركات والمنظمات والاتحادات النسائية طورت نفسها ثقافياً وروحياً وواكبت مسيرة التقدم في جميع المجالات، وأبدعت فيه، وأصبحت تقوم بالدور الذي يقع على عاتقها دون ملل وتصحح الانحرافات الموجودة وتقوم بكفاح جاد ضد كل من يصر على فرض نفسه وعملت المرأة على أن تكون الثقافة والفن في سبيل حل مشاكل وأزمات المجتمع، والوقوف في وجه الإرهاب والاحتلال.
وأضافت ليلى بونجغ: « سخَّرت المرأة الثقافة في تجميل القيم والمبادئ للإنسانية في المجتمع، وزرع مفاهيم الحب والفخر والاعتزاز به خاصة بناة الأجيال الشباب الصاعد والمرأة المثقفة والواعية لعبت دوراً في خدمة الشعب وتنظيمه وتعزيز الروح الجماعية، وشاركت في النضال السياسي والعسكري والثقافي وفي المناضلات ليلى كوفن وروجدا فلات وآفستا خابور خير أمثلة لنا على ذلك، وأصبحت المرأة في شمال شرق سوريا مضرب مثل وقدوة لنساء العالم في الثقافة والأخلاق والعلم والمعرفة والصبر وروح المسؤولية التي تملكها والمقاومة والنضال للوصل إلى هدفها حتى ولو كان هذا يكلفها حياتها في سبيل الوطن و ترابه».

المرأة في شمال شرق سوريا نِتاج حضارة رفضت العبودية
الشاعرة والكاتبة أناهيتا سينو ترى نضال المرأة في شمال شرق سوريا امتداد وناتج لثقافة مترسخة منذ قرون وتقول: «لو رجعنا للتاريخ سنجد بأن المرأة الكردية ومنذ عصور قديمة ناضلت في سبيل استقلاليتها على كافة الأصعدة ونجحت ولو بشكل نسبي سواء أكان على صعيد القيادة أو على الصعيد الثقافي. التاريخ يشهد بذلك فلا ننسى هنا (عدلة خان) التي قادت عشيرتها بعد وفاة زوجها في أوائل القرن العشرين، أما على الصعيد الثقافي فيتبادر إلى أذهاننا (مستورة خان) الإردلانية التي ألفت كتاب تاريخ أردلان، وما أريد الإشارة إليه هنا هو إن المرأة الكردية بخاصة نتاج حضارة رفضت العبودية، ولأسباب كثيرة، لا مجال لذكرها الآن وقعتنا في براثن العبودية رجالً ونساء ولكن النساء كان نصيبهم مضاعفاًـ إلى أن جاءت ثورة روج آفا التي كانت ثورة المرأة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وبغض النظر عن كل ما هو سلبي حاله حال كل الثورات في العالم، إلا إن الإيجابيات كانت أكثر وأرقى وأوضح وخاصة فيما يتعلق بالمرأة واستقلاليتها».
وذكرت بأن المرأة في هذه الثورة أثبتت نفسها بجدارة وفي كافة المجالات وكانت مثالاً يقتدى بها في جميع أنحاء العالم، أما في المجال الثقافي فحاله كحال بقية المجالات ولاسيما أن الثقافة الحقيقية ولدت من رحم المرأة فكانت ثورة روج آفا الطلق الذي يسبق الولادة، فولدت المقاومة في روح المرأة وأرجعت لها ثقتها التي تاهت لزمن عميق وأرجعتها لكينونتها التي تاقت أبداً إلى الإبداع.
ونوهت بأنه من خلال المؤسسات التي ساقتها الثورة إلى المجتمع ككل والمرأة بشكل خاص فتحت الأبواب على مصراعيها أمام فن المرأة وإبداعها ولم يبقَ أي عائق أمامها سوى الاندماج بذاتها ومحاربة عصور من الظلام سكنتها، وما نلاحظه في الآونة الأخيرة من النتاجات النسوية في كافة مجالات الثقافة والإبداع والأدب سواء من طباعة الكتب إلى المهرجانات الثقافية الخاصة بالمرأة وفي كافة أنواع الأدب ليس إلا دليلاً قاطعاً على تبني المرأة هذه الثورة والسير في طريق الإبداع، ولا يسعني في الختام إلا أن أقول أرادت المرأة فكان لها ما أرادت وبحثت عن الدواء لجروح أزلية فكانت الثورة لها الدواء والطريق الذي وضعت أقدامها على بدايته، وليس عليها إلا المضي قُدماً وإلى الأمام.