محمود عوينات-
الإبداع ظاهر واضح في القصيدة بشقيها الأول والثاني، ففي نص “الحدود ١” فالبداية تمثل لي جس نبض؛ فهي تحاول معرفة مدى حبه ومعزته لها “المحبوب”، لكنه رد برد مزلزل قوي.. اعتمد نَقدياً على الحوار الذي يُمثل إثارة وحيوية ودفعاً للملل وإشراك للمتلقي لانتظار الأحداث.
اعتمد الشاعر محمد عاطف أيضاً على أنها بدأت بفعل القول “قالت” في الماضي، أي أنها لم تُكرر الطلب لقوة الرد، حيث رد هو بقوة وثبات محاولاً وضع حُدوده وعَلمه وحبه داخل أرضها منتظراً التأشيرة العاطفية.
كما اعتمد أيضاً علي الرمز، فهي تمثل له وطناً متكامل الأركان والحدود.. لا يستطيع أحد منازعته عليه حتى لو كانت هي ذاتها… التأشيرة تمثل عواطفها وعلمه يمثل حبه… تبادل أدوار ورموز موحية معبرة.
“الحدُود1”
قَالت لي لاَ بُدَ من تَرسيم
الحدُود!!
فَقُلت لها وكَيف ذَلكَ
وأنتِ وَطَني ولا حُدودَ لهْ
وخرائطي منذُ سِنينَ عددا
وَضِمنَ مَناطقِ نُفوذي
ودون تَردُّد…
أخذتُ خَيمتي…
وَنَصبْتُها على أَرضِها…
وَرفعتُ عَلمي…
وتَلوتُ نَشيدي..
وطالبتُها بِحق لُجُوئي العَاطفي
وللآنَ لم أَحصُل على التَأشيرة”.
أما في نصة الثاني الموسوم بـ “الحدود ٢” فهو في هذا المقطع الذي يبدأ بالسؤال وبالزمام والفعل وليس رد الفعل، ويعتمد أيضاً على المفاجأة.. فيبدأ بسؤال للترقب عن حالة الحب والعشق لها.. فتتبدل حالتها وتبدو مسكينة ضعيفة بعد ما تأكدت من قوة حبه لها.. فردت في تسليم بأنها أصبحت ملكه، بل احتلها وصال وجال وطار وأنها غرقت في بحر الهوى، وأنها تأكدت من قوة سلاحه فصارت أسيرة لا حول لها ولا قوة.. ومع ذلك هي محبة راضية بذلك، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الغرض من المحاورة هو بيان مدى حبه لها ومعرفة قوته.. فصار مؤسساً لدولة العشق مُتخذاً من صورتها العلم أي الشكل… والابتسام هو النشيد… والعيد القومي يوم ميلادها في صورة تشبيهية بديعة توحي بالانتصار في صورة الحب الذي يشمل الشكل والمضمون… استخدم الشاعر مع التشبيه الأفعال المضارعة التي توحي بالاستمرار والتجدد في الحب..
الشاعر محمد عاطف يثبت أن الحب الحقيقي هو الحِمىَ والسكن والأمان… الحبيبة وطن.. وللوطن أجمل القصائد بل كلها.
“الحدود ٢”
ماذا إذن عن مُوَافقْتِكْ ..
على أوراقِ اعتمادي
عاشقاً وَلْهانا…
فقالت..
كيف تَطلبُ اعتماداً…
مِمَنْ صارت
ضِمنَ مَناطقِ نفُوذِك
وتَصُوُلُ وتَجُولُ على أرضها…
وتَطيرُ بِسمائها…
وبأَنهَارها تُبحر..
فلقد غَرِقتُ في هواكَ لأُذني…
وقُمتَ أنت باحتِلالي..
وَسَلبتَ إِرادتي وجميعَ أَختَامي
وأنت تُجَرجرُني حَيثُ مِحرَابك
وأَشهرتَ بِوجهي سِلاحَك السَاهر
فَدّكَ كُلَ حُصُوني…
وأَشعلَ فيَّ الجَوى والجُنونَ..
فَصِرتُ لَديكَ أَسيرةً…
ولا أُريدُ أن أَفْتدي نَفسى..
فأُلقِيتُ بِنَفسِي…
على صَدرك..
أَحتمى بِكَ رَغم أنكَ أَتعبتني
آه منكَ يَامن في الهَوى مُجرمْ..
فَقُلت لها…
الآن أُعلنُ قِيام مَملكتي
مُتخذاً صُورةَ وجِهك
لها عَلماً
وابتسامَتِك لها نشيداً
