قاتل الطفلين (ميزر و سارة) في قبضة العدالة

تحقيق / إيفا ابراهيم –

---

روناهي / قامشلو – جريمة مروعة يرتكبها قاتل مهووس بالمال لا يتورع عن إزهاق روحين بريئتين هما ابن عمه وابنة عمه، منتهكاً جملة القيم الأخلاقية والمجتمعية، متنكراً لرابط الدم الذي يجمعه بضحيتيه. والجريمة تضع المجتمع بأفراده ومؤسساته أمام مسؤولية جامعة هي الحفاظ على الأمن المجتمعي.

الجريمة انحرافٌ سلوكيّ لا شيء يبرره، ولا تقتصر توصيفها على أنها خرقٌ لمنظومة القيم الأخلاقيّة المجتمعيّة، وتصل أقصى درجات الشناعة بارتكابِ جريمة القتل وإزهاق الأرواح، لما تسببه من آثار سلبيّة عميقة في المجتمع وتستهدف بعمق مفهوم الأمن المجتمعيّ، على اعتبار أنّ الأمن من أهم أولويات الحياة وضرورياتها.

في الوقت الذي عمّت الفوضى كلّ الجغرافيا السوريّة وارتفعت فيه معدلات الجريمة على يد الجماعات الإرهابيّة، كانت معادلة الأمان محققة في مدن وبلدات شمال وشرق سوريا، انسجاماً مع القيم والأعراف السائدة في هذه المناطق.

وفي توقيت بالغ الدقة وبعد تحرير كلّ مناطق شرق الفرات وإنهاء الإرهاب المتطرف، ضجّت مدينة الحسكة بخبر جريمة مروّعة تمثلت بقتل الطفلين (ميزر وسارة) وسرقة مبلغ ماليّ كبير، وفي سياق هذا التقرير نتحدث عن وقائع الجريمة التي تمكنت مكافحة الجريمة المنظمة في قوى الأمن الداخليّ من كشف النقاب عن ملابساتها وتفاصيلها وإلقاء القبض على الجاني في زمن قياسيّ. وإذ لا يسعنا تقييم الجريمة ومدى فظاعتها نترك للقارئ قراءة تفاصيلها وسرد الحكاية واعترافات الجاني.

الطمع…ضرَّ وما نفع

 (ع. ص) رجل في العقد الرابع، من أهالي الحسكة يعمل في محل إصلاح الدواليب (كومجي)، ويعيش حالة ميسورة ومتزوج ولديه عائلة.

(ع. ص) لديه عم يعيش بالجوار، ولكن عمه مسافر إلى دولة الإمارات العربيّة المتحدة بقصد العمل، وكذلك ابنه البكر مسافر بغاية العمل أيضاً، فيما ظلت بقية العائلة في البيت وهم (الأم إلهام، وابنها الشاب محمد الذي يعمل في سوق الهال، والبنت سارة 15 عاماً، والطفل ميزر 9 أعوام).

في أحد الأيام تحضر زوجة العم في زيارة لمنزل الجاني، وفي سياق حديثها ذكرت أنّ زوجها، قد أرسل مبلغاً من المال، وأنّها بصدد شراء منزل (أبي ناجي) بناءً على طلب عمه الذي اشترط أن يكون المنزل بجوار بيت الجاني نظراً لثقته الكبيرة بابن أخيه وليكون على مرأى منه وتحت رعايته، ليقدم لهم ما يحتاجون من مساعدة وبذلك يكون مطمئناً على عائلته بوجود ابن الأخ والسند. وذكرت أيضاً أنّ المبلغ المخصص لشراء المنزل يبلغ حوالي 35 مليون ليرة سوريّة.

بعد ثلاثة أيام علِمَّ الجاني أن زوجة عمه ستشارك في تقديم واجب العزاء لأحد المتوفين من العائلة في قرية العجاجة الهليلية، وتوقع الجاني أن تصطحب زوجة عمه أولادها معها وستخلو الدار من سكانها، حيث أودعت زوجة عمه مبلغاً كبيراً من المال، وفجأة قفزت فكرة غريبة إلى رأسه وسيطرت على عقله، والفكرة أنّه يمكن أن يحصل على هذا المال بسرقته خلال غياب أهل الدار.

تفاصيل دقيقة لجريمة مروعة

بعد سيطرة الفكرة عليه، بدأ الجاني التخطيط لتنفيذ جريمة السرقة والدخول إلى الدار عن طريق الأسطح، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى تحولت الفكرة إلى عزم وإرادة.

يقول الجاني (ع): اتصل بي ابن عمي محمد مستفسراً عن وجود حملة للالتحاق بواجب الدفاع الذاتيّ فأخبرته بالإيجاب، وعلى هذا الأساس ذهب إلى سوق الهال حيث يعمل، وحوالي الساعة 2.00 أغلقت دكاني، وحوالي الساعة 2.20 توجهت إلى دار عمي بالسيارة العائدة لأبي، وأوقفت السيارة قبل دار عمي ببيتين، حيث يقع بيت جدي، التي لا يسكنها أحد، نظراً لوفاة جدي وجدتي، والباب ينفتح تلقائيّاً بمجرد الدفع، عبر بيت جدي عبرت إلى بيت عمي، صاعداً سريراً معدنياً من جهة ونازلاً على سلم صغير في الطرف الآخر، وعند دخولي وجدت ابناء عمي (ميزر – سارة)، وسألتهما عما يفعلان بالبيت، فأجابا بأنّ والدتهما قد غادرت إلى القرية من أجل العزاء فيما بقيا للدراسة. جلست في الدار ودخنت سيجارة، وفي تلك الساعة خطر لي أن أقتل الطفلين وأسرق المبلغ وأخرج من الدار.

بأعصاب باردة وهدوء يستدرج الجاني ابن عمه الصغير إلى الغرفة متذرعاً بتفقد العصافير، وبدخول الغرفة يغلق الباب خلفه ويمسك بالطفل ميزر من رأسه، ويضع يده على فمه ورأسه على الوسادة كيلا يصرخ، ويخرج السكين من جيبه وينحره، ويضغط على رأسه حتى تأكد بأنه مات.

يخرج الجاني (ع) ويذهب إلى الطفلة سارة ويخبرها بأن العصافير قد طارت ويستدرجها إلى الغرفة أيضاً، ومجرد دخولها إلى الغرفة يغلق الباب ويضع يده على فمها ويسألها عن مكان المال، تشير الضحية إلى “مجموعة التلفزيون”، وهنا يشير الجاني  إلى حيث الرقبة ويقول: “ضربتها من هون إلى هون”.

 يقتل القتيل ويمشي بجنازته

يصل إلى كيس المال ويأخذه ولكنه يتذكر بوجود بصماته في الغرفة، فيتفتق عقله عن فكرة حرق المكان ليمحو آثار بصماته، بواسطة منديل ورقي ويخرج كما دخل بهدوء.

يتجه إلى محله حيث يضع المال ويباشر بالتخلص من أدوات الجريمة الكيس الملوث بالدم نتيجة جرح يده ورجله والسكين، ويتخلص منهما في مكانين مختلفين، بعودته إلى داره يكذب على زوجته حول قصة جرح يده ورجله، والمفارقة أنه يلبي النداء عندما يحضر ابن عمه، ويذهب معه عندما يسمع خبر الحريق في البيت، ويخرج جثة الولد المحروقة ويرافق ابن عمه إلى المشفى لإسعاف بنت عمه التي كانت قد فارقت الحياة.

السؤال الذي يطرح نفسه لِمَ لَم يكشف الكادر الطبي تعرض الفتاة للذبح عندما تم إسعافها إلى المشفى؟ هذا السؤال يحيلنا إلى مسألة تعاون المؤسسات المجتمعية على اختلافها في قضايا ذات أهمية كبرى وبخاصةٍ المؤسسات الطبية في القضايا الجرمية.

يحضر الجاني مراسم العزاء ويشارك العائلة المصابة وكأن شيئاً لم يكن، فيما كانت الخطوات الأولى للتحقيق قد بدأت.

 أولى خيوط الجريمة تتكشف

آثار الدم المتبقية والتي لوثت الكفن كانت رأس الخيط بالشك بوجود جريمة قتلٍ وليس مجرد حادثة حريق عرضي في المنزل، ومن هذه النقطة تبدأ المهمة العسيرة لقوات مكافحة الجريمة المنظمة لكشف ملابساتها وإماطة اللثام عنها، وبالكشف الطبي يتبين تعرض الضحيتين لعملية ذبح.

وبمرور أسبوعين توهم الجاني بأنه قد أصبح في منأى عن الشك، فراح يحاول تحويل المبلغ من الليرة السورية إلى دولارات استدل عن طريق صديق لهُ، توجس الصراف خيفةً عندما شاهد أن الصندوق والمال ملوثان بالدم، وتهرب من صرف العملات الملوثة بالدم واحتج بسفر صاحب المحل إلى الرقة وسأل عن السبب، فيبرر الجاني بجرح إصبعه، وحتى ذلك الوقت لم يكن الجاني يعلم مقدار المبلغ الذي سرقه وكان يعتقد بأنه يبلغ 35مليون ليرة سورية.

عاد الجاني إلى محله ليقوم بعملية فرز العملات الملوثة فيضعها في كرتونة، وفي وقت لاحق يفكر بالتخلص من تلك العملات حرقاً، واضعاً المال الملوث في كيس وذهب إلى مكان قريب من بيت عمه ورش عليه المازوت وأشعلها، واعتقد أن إكثار المازوت كفيل بحرق الأوراق المالية كلها وغادر المكان، وفي وقت لاحق يحضر عمه ويسأله عن سبب حرق المال فيجيب بالنفي وأنه أحرق علبة كرتونة فقط، لكن العم يرد عليه مؤكداً أنها أوراق مالية وعليها أرقام متسلسلة، العم الذي لم يقتنع بالإجابة ذهب إلى بيت أخ الجاني، وهنا يعود الجاني سريعاً إلى المحل ليغير مكان المال خشية افتضاح أمره، ولا يمضي وقت طويل حتى يحضر الأخ ويسأل الجاني عن سبب حرقه للمال، وفيما كانت لديه أموال، فينكر كل شيء، وفي المساء يعاود سؤاله مرة ثانية.

وفي صباح اليوم التالي يحضر الأخ ويخبر الجاني بأنه وجد أموالاً في السيارة ويسأله مجدداً عن علاقته بالمال والدم.

وفي يوم السبت بعد العيد يذهب الجاني إلى المحل كالعادة، وبعد وقت قليل يُستدعى للتحقيق من قبل مكافحة الجريمة المنظمة، وفي وقت لاحق يعترف الجاني بكامل تفاصيل جريمته.

حديث رسمي حول الجريمة

وفي هذا السياق أفادنا المتحدث الرسمي باسم قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا علي الحسن فقال: “نحن قوى الأمن الداخلي في قسم مكافحة الجريمة المنظمة تلقينا بلاغاً بوجود حالة حريق في أحد المنازل في الحسكة والضحية طفلتان، ولكن بعد التحقيق تبين بأن الطفلين تعرضا للقتل، وبدأت التحقيقات المكثفة وجمع الأدلة ومتابعة القضية تبين لنا بأن القاتل هو أحد أقارب الأطفال فألقي القبض عليه، وتم تحويله إلى محكمة العدل لينال جزاءه الذي يستحق”.

وأهاب علي الحسن بالأخوة المواطنين بأن يبلغوا الجهات الأمنية المختصة لدى الاشتباه بأي واقعة أو حدوث طارئ، والتعاون من أجل سير التحقيق باتجاه سليم والكشف المبكر عن الجرائم وكذلك من أجل ضمان أمن وسلامة المجتمع.

رغم أن هذه الجريمة تشكل حالة شاذة منفردة ومنفصلة عن القيم والعادات في مجتمعنا إلى أنها تستدعي وقفة مطولة من أجل اتخاذ إجراءات الكافية لتحسين المجتمع وزيادة مناعته، وهذا جهد مركب على مستويات متعددة اعتباراً من التربية المنزلية ووصولاً إلى إطار المجتمع ككل.

وما دامت مسألة أمن المجتمع بنتائجها وثمارها تتعلق بمجتمع ككل، فالمسؤولية تقع على عاتق كل أفراده، ولو بنسب متفاوتة، وذلك يستدعي التعاون الكامل مع الجهات الأمنية المختصة.