في الذكرى الثانية لاتفاقية العار بين الديمقراطي وبغداد، أهالي شنكال مصممون على الانتصار

غاندي إسكندر _

بغية القضاء على إرادة الشعب الكردي الإيزيدي، وتفكيك مؤسساته وإدارته الذاتية، ما زال أولئك، الذين كانوا سببا مباشراً في تهجير وذبح أهالي شنكال، وتركهم لقمة سائغة بين يدي مرتزقة داعش، يواجهون مصيرهم المجهول، يسعون من خلال ابرام اتفاقيات مشؤومة إلى إكمال مسلسل التآمر لوأد الحالة الديمقراطية المعاشة، التي بناها أهالي شنكال بعد أن دفعوا فاتورة باهظة في الأرواح في مواجهة أعتى الإرهابيين المدعومين والممولين من حزب العدالة والتنمية، لكن ترتطم مؤامراتهم واتفاقياتهم الغير شرعية أمام صلابة المقاومة، والإصرار على الحفاظ على المنجزات المحققة.

فرمانات ممهورة بالختم العثماني

الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات، والعقائد على وجه الأرض، ويأتي مصطلح (الإيزيدي) من كلمة (يزد) أو (يزدان) بمعنى عبدة الله، ويطلق الكرد الإيزيديون على أنفسهم هذا الاسم نسبة إلى كلمة (أزداي)، والتي تعني الشعب الذي يؤمن بالله من دون نبي، ووفقا للأدلة التاريخية يرتبط اسم (أزدا) ببداية عصر السلالات عصر (إيزيدي سور)، والديانة الإيزيدية تختلف عن الأديان الأخرى، بأنها غير تبشيرية، ولا تقبل بانضمام جدد إليها، إلا من يولد من أم وأب إيزيديين، يقدس أبناء الديانة الإيزيدية الظواهر الطبيعية، من شمس، وقمر، ونار، وتراب، وماء باعتبارها تجليات الخالق، ونتيجة للحالة الفريدة والطقوس الدينية المختلفة، واجه الشعب الكردي الإيزيدي عبر التاريخ تحديات اجتماعية وسياسية وأمنية وخدمية جمة وتهميش وإقصاء واضطهاد ممنهج، ومنذ القرن الثالث عشر إلى يومنا هذا تعرض للعشرات من فرمانات الإبادة بحقه بلغت أربعة وسبعين فرمانا أو مجزرة، وقد كانت جل الفرمانات تصدر من الباب العالي إبان الحكم العثماني للمنطقة وممهورة بختم بالسلطان، كفرمان السلطان العثماني (سليمان القانوني) سنة 1570م، الذي أصدر فتوى أباح فيها قتل الكرد الإيزيديين علنا، وبيعهم بالأسواق شرعا، وفرمان أحمد باشا والي (آمد دياربكر) عام 1630حيث قتل أحمد باشا ما يقارب عشرة آلاف رجل من الإيزيديين، وفرمان والي (وان) شمسي باسا 1650، وفرمان كابلان باشا 1655وفرمان حسن باشا 1715، وفرمان والي (الموصل) محمد باشا الجليلي 1792، وفرمان والي (بغداد) سليمان باشا الصغير 1809، واستمرت الفرمانات والويلات، التي مارسها العثمانيون للنيل من الورثة الحقيقيين لحضارة بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا)، وفي القرن الحادي والعشرين يكمل حفيدهم المتطلع إلى إحياء العثمانية من جديد زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا رجب طيب أردوغان ما قام به أسلافه من سلاطين بني عثمان في سحق وإبادة الكرد بجميع طوائفهم وأديانهم من خلال اتباعه لسياسة ممنهجة باستخدام أقذر الأدوات ومنها لعبة استغلال منابر الجوامع لتنفيذ مخططات التصفية.

أهوال عصية على النسيان

ويلات وأهوال، وقتل وتهجير واغتصاب وسبي ومقابر جماعية وخيانة، مصطلحات ارتبطت بالفرمان الرابع والسبعين الذي تعرض له الشعب الكردي الإيزيدي في الثالث من آب عام 2014على يد مرتزقة داعش، الذين سيطروا على شنكال ومحيطها، بعد الانسحاب المخزي، والمخطط لقوات البيشمركة التابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني المكلفين بحماية المنطقة حيث ترك البيشمركة المدججين بالسلاح والعتاد الحربي أطفال وشيوخ ونساء شنكال يواجهون مصيرهم لوحدهم، وقدموهم دون خجل قرابين  لمرتزقة داعش، وقد دفعوا نتيجة الخيانة التاريخية، التي تعرضوا لها على يد من كانوا يحسبونهم من أبناء جلدتهم تكلفة باهظة وجرح عميق لن يندمل مهما طال الزمن، حيث تسببت الحملة الوحشية للمرتزقة إلى مقتل ما لا يقل عن ثلاثة آلاف إيزيدي، واختطاف خمسة آلاف آخرين، وتشريد أربعمائة ألف في دهوك وهولير وزاخو، فضلا عن تعرض 1500امرأة للاغتصاب الجماعي، وبيع ألف منهم في أسواق الموصل والمدن، التي سيطرَ عليها المرتزقة، ولولا المقاومة التاريخية، التي أبدتها قوة صغيرة من قوات الدفاع الشعبي، لما تمكن عشرات الآلاف من الإيزيديين من النجاة، والذين استطاعوا إلى جانب وحدات حماية الشعب من تحرير كامل جغرافية شنكال من رجس مرتزقة داعش وداعميه، وكانت من نتائج الانتصار التاريخي على زبانية أردوغان تنظيم الشعب الكردي الإيزيدي لنفسه وبناء قوة من أبنائه (وحدات حماية شنكال)، وتشكيل إدارة ذاتية مدنية تعبر عن إرادته كمجتمع ذات خصوصية خاصة لأول مرة في تاريخه.

اتفاقية العار (الفرمان الخامس والسبعون)

مرت قبل أيام الذكرى الثانية لاتفاقية التاسع من تشرين الأول 2020ضد أهالي شنكال، فتحت مسمى (تنظيم الأمور الإدارية والأمنية) في قضاء شنكال، أبرمت حكومة الكاظمي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني اتفاقية مكتوبة بحبر تركي، حيث تزامنت الاتفاقية مع التاريخ، الذي تآمرت فيه قوى الحداثة الرأسمالية، ضد القائد والمفكر الأممي عبد الله أوجلان، والتي أفضت إلى إخراجه من ساحة الشرق الأوسط، ومن ثم اعتقاله في الخامس عشر من شباط عام 1998، فليست مصادفة أن يتزامن تاريخ الاتفاقية مع المؤامرة الدولية، التي استهدفت الشعب الكردي، والتي ما تزال فصولها مستمرة، وكأن هذا التاريخ، هو تاريخ تنفيذ مخططات الإبادة بحق الشعب الكردي، فكل من  بغداد وهولير، اللتين، لم تقدما للمجتمع الإيزيدي سوى خيبات الأمل، اتفقتا على استهداف الإرادة الحرة لأهالي شنكال، وتقويض وإنهاء الإدارة الذاتية لشنكال، والذي عده مجلس الإدارة الذاتية الديمقراطية لشنكال الفرمان الخامس والسبعين، حيث أوضح خلال بيان رسمي في الثالث والعشرين من تشرين الثاني 2020 “أن الهدف من الاتفاقية، التي تتم باسم تطبيق القانون، هي القضاء على إرادة الشعب الكردي الإيزيدي، وهزيمة قوات حماية شنكال، والزج بأبناء وبنات الإيزيديين، الذين حاربوا مرتزقة داعش في المعتقلات، وإعادة الذين ساندوا داعش، وفتحوا له أبواب شنكال لارتكاب الجرائم إلى المنطقة من جديد” كما أن الغاية من تلك الاتفاقية، التي لم يؤخذ فيها بآراء أهالي شنكال، هو فرض حصار على شمال وشرق سوريا، وما الجدار الذي بناه الجيش العراقي على الحدود بين روج آفا، وشنكال إلا جزء من مخطط الحصار، وللحفاظ على ماء وجهه حاول الجيش العراقي اقتحام قرية كر زرك بالقوة، لكنّ المقاومة الشديدة لأهالي القرية، ردته على أعقابه، كما أفشل الأهالي محاولة دخول بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني في الثاني من تشرين الأول 2021اقتحام مزار (شرفدين)، تنفيذاً لأجندات وأوامر صادرة من أنقرة، التي تجرعت العلقم، ولاسيما عندما مني مرتزقة داعش، الذين كان يعول عليهم أردوغان في القضاء على الكرد الإيزيديين بهزيمة نكراء، وعندما قاوم الأهالي اتفاقية العار، ومنعوا القوات العراقية وبيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني من تنفيذها، هدد أردوغان بأنه سيتدخل عسكريا في شنكال قائلا: “قد نأتي على حين غرة ذات ليلة” وقد نفذ المحتل التركي لأكثر من مرة هجمات عبر طائراته الحربية على المدنيين في مناطق متفرقة من شنكال ففي تاريخ 7/12/2021 ، الذي صادف يوما مقدسا، وهو أول أيام صيام الإيزيديين وتحديدا في (خانصور) عملية إرهابية حيث استشهد الرئيس المشترك لمجلس الإدارة الذاتية في شنكال (مروان بدل) نتيجة هجوم نفذته طائرة مسيرة تركية، ذلك الهجوم الجبان، الذي عده مجلس شنكال ورجال الدين جزءاً من اتفاق التاسع من تشرين الأول، الذي يهدف الموقعون عليه إلى تدمير أركان المجتمع الإيزيدي، فتركيا التي لا تمتلك أي معايير أخلاقية وقانونية، ولا حتى احترام سيادة دول الجوار ترفض أن يكون هناك أي دور للكرد في رحلة التغيير، التي تعصف بالمنطقة؛ لذلك تشن حربا شعواء ضد الشعب الكردي في أجزائه الأربعة، فاحتلال (عفرين وسري كانيه، وكري سبي) وهدم مآذن الجوامع وأجراس الكنائس في (زركان وتل تمر) واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا في باشور كردستان، وحملة الاغتيالات للسياسيين الأحرار والصحفيين في باكور، واللعب على ورقة الصراع الكردي- الكردي جميعها تصب في خانة الحفاظ على الدكتاتورية التركية، ومبدأ العلم الأوحد، واللون الأوحد، واللغة الواحدة.

إصرار على التمسك بالإرادة الحرة

استطاع المجتمع الإيزيدي، الذي امتلك ميراثا من المقاومة بفضل التضحيات الجسام، التي قدمها في سبيل الحفاظ على هويته الدينية والقومية، أن يفشل اتفاقية الخزي والعار والإذعان لمتطلبات المحتل التركي، وأضحت نساؤه، وأطفاله وكافة طبقاته الدينية سداً منيعاً، وصخرة صلدة أمام محاولات حكومتي بغداد وهولير، الرامية إلى اغتصاب إرادة الحرية، التي بات الحفاظ عليها على رأس أولويات الشعب الكردي الإيزيدي، فأهالي شنكال الذين كانوا مقيدين بقيود السلطة المركزية في بغداد وألعوبة انتخابية بيد سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبعد أن تجرعوا كأس الخيانة والتخاذل، وتمت التضحية بهم فريسة سهلة الانقضاض عليها، أضحوا بعد تاريخ الثالث من آب 2014شعباً ذا إدارة ذاتية ديمقراطية حرة وشخصية مستقلة، وكيان يُحسب له ألف حساب، فمقومات المقاومة، التي كان يفتقدها في السابق باتت جزءا من الجسد والروح الشنكالية اليوم، تلك الروح التي استلهموها من أساطير المقاومة والروح الفدائية، التي أظهرتها قوات الدفاع الشعبي، ووحدات حماية الشعب والمرأة، التي جعلت من أجسادهم جسورا ومعابر إلى مرافئ الأمان.