فتاة ألهمها الصمت طرقاً للتواصل والإبداع

فتاة في مقتبل عمرها، تعيش عالماً خاصاً بها، الكلمات عندها أصوات مبهمة لا تعيها أذناها، وحركات الناس حولها، لها معانٍ خاصة عندها، تفسر بعضها، وتترك الكثير منها دون تفسير، وحين بلغت من العمر تقدما، كان لها منطق بالتواصل مع من حولها، فوجدت ضالتها في الرسم، الذي أصبح لها متنفسا عما يجول في خاطرها وعقلها، للتعبير عن مشاعرها وأفكارها، مستخدمة الألوان والخطوط وطريقة الإشارة لغة لها، للخروج من الصمت المرافق لها. 

زهرة البديوي، شابة تبلغ من العمر 31 عاماً، من الرقة في إقليم شمال وشرق سوريا، ولدت في أسرة مكونة من تسعة أولاد، هي الثالثة بينهم، إلا أنها تختلف عنهم فقد وُلدت صماء وبكماء.

حاول الإنسان قديماً، وقبل اكتشافه اللغة المنطوقة أو المحكية، التعبير عن نفسه والتواصل مع محيطه، عبر وسائل وطرق عديدة كاستخدام لغة الإشارة، والتواصل البصري والرسم، وكانت هذه اللغات وسيلة لنقل المشاعر والأفكار.

لا تزال هذه الوسائل تحافظ على وجودها، وقد تطورت مع تطور الإنسان، فالشابة زهرة، التي ولدت صماء بكماء، ابتدعت لغة ثانية تجيدها للتعبير عن نفسها، ونقل أحاسيسها ومشاعرها إلى العالم الخارجي، باستخدامها الفرشاة، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتها اليومية، وأصبحت بديلاً عن لسانها.

تحدٍّ في وجه الصعاب

أُبعدت زهرة بعد إنهائها المرحلة الإعدادية، عن مقاعد الدراسة بسبب بعض العادات والتقاليد الرجعية السائدة في المنطقة، والتي وقفت في وجه آمالها وطموحاتها وحرمتها مثل غيرها من الشابات من الدراسة وحق التعلّم، لكن إصرارها لم يتوقف وواظبت على الاجتهاد في الكتابة والرسم.

اكتشفت زهرة التي واجهت تحديات كبيرة ضمن المجتمع، وحيث يكون التواصل والشرح والتعبير لشابة في مثل وضعها في غاية الصعوبة، موهبتها في فن الرسم وهي في الرابعة من العمر وطورتها لتغدو مع مرور السنوات أجمل.

إصرار زهرة التي تجيد إلى جانب فن الرسم، لغة الإشارة، نابع أيضاً من القوة والروح المعنوية، التي تستمدها من والدتها التي شجعتها دائماً على تطوير شخصيتها ووقفت إلى جانبها، حتى تمكنت من الوصول إلى هذه المرحلة، فقد حسنت زهرة من نفسها في البعد الفني، بتدريب نفسها وبذل قصارى جهدها لنقل ما يجول في داخلها والتعبير عن أحلامها وآمالها بمشاركة العالم في رحلتها الفنية عبر ألوان فرشاتها ورسوماتها.

وتطمح زهرة التي تعمل في مركز للثقافة والفن التابع للإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الرقة، من خلال رسوماتها ولوحاتها إلى تجسيد الفظائع، التي ارتكبت بحق المنطقة في ظل سيطرة داعش، ونقل صورة المقاومة الشعبية، التي تبديها مكونات المنطقة في وجه هجمات دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها.

لوحات زهرة المتعددة

تبذل زهرة قصارى جهدها لتشارك مشاعرها واعتزازها بالثورة المجتمعية القائمة في شمال وشرق سوريا، وإظهار أصالة وعراقة التاريخ السوري والملاحم التاريخية التي تُسطّر في لوحاتها، التي لطالما أبدعت في نقشها منذ صغرها.

رسمت زهرة البديوي إلى الآن أكثر من 200 لوحة فنية، بين الثقافية والتاريخية والاجتماعية والخاصة بالمرأة، ومعظم مشاركاتها في المهرجانات الثقافية، وتكون لوحاتها مجانية؛ لأن هدفها إيصال إبداعها، وليس مقايضة فنها بالمال.

وكالة هاوار