عن كارثة الزلزال الذي لم تضمّد جراح ضحاياه بعد

هيفيدار خالد_

خلّف الزلزال المدمِّر الذي ضرب سوريا وتركيا فجر الإثنين الماضي، من ورائه كارثةً إنسانية حقيقية، تعدّ الأكثر إزهاقاً للأرواح في تاريخ المنطقة، وواحدة من أكبر الكوارث في الذاكرة الحديثة، ذلك بما تركته من آثار سلبية على العالم أجمع وعلى وجه الخصوص الضحايا، الذين نجو بأعجوبة من تحت الأنقاض، بعد أيّامٍ من وقوع الضربة المميتة، وترك المئات من الأطفال في ظروف بائسة، تتلقفهم المصائب من كل حدب، وصوب من خوف وبرد ويتم… لترمق أعينهم البريئة فتات مجتمعٍ فيَّاض أمام هذا المصاب الجلل الذي لم يبقِ حجراً على حجر.

نعم نزح الآلاف من ديارهم، بعد أن سوَّى الزلزال منازلهم بالأرض، فلم يبقِ لهم شيئاً، حتى الأمل بحياة جديدة ربما لن يكتبه القدر لهم مرة أخرى، نتيجة الصدمة النفسية، التي تعرضوا لها من هول الكارثة، اليوم الملايين من الضحايا الناجين يكافحون للبقاء على قيد الحياة بعد أكثر من أسبوعين من الزلزال المدمر.

 معاناتهم كبيرة وتتفاقم أكثر فأكثر يوما بعد آخر، فهم مشردون يعيشون في درجات حرارة متجمدة، في ظروف صعبة لم تمر على الإنسانية قط، وخاصة أولئك الذين كانوا في مرمى الكارثة ممن دُمِّرَت منازلهم، وباتوا في العراء يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، فهم ليسوا بأوفر حظاً ممن قضوا تحت أنقاض منازلهم، إذ إن الموت لأهون ممّا يعيشونه الآن.

في المناطق المنكوبة، الجميع في حيرة من أمره، الضحايا في ازدياد ولا مجيب لدعوات هؤلاء المتضررين… دعوات ذوي الضحايا ومناشداتهم تتصاعد عالياً وصرخات الأطفال، وأنينهم لا يكاد يفارق أذهاننا، إلا أنها لم تلقَ آذناً صاغية حتى الآن، الكل يعيش معاناة لا تكاد تنتهي فالخوف يحيط بهم من كل جانب… بيوت مدمرة، طقس قاس، أطفال مشردون، أمهات ثكلى، آباء عاجزون أمام مصاب فاق مدارك استيعابهم.

وأما المساعدات والمواد الإغاثية، التي يتم إرسالها للمتضررين لا تصلهم، بل يتم توزيعها لفئات وأطراف، هي ليست بحاجة إليها من الأساس، وتحاول كل من الحكومة السورية، والنظام التركي تحقيق مكاسب سياسية دبلوماسية على حساب أرواح ومآسي هؤلاء الناس، واستغلال الفرص المتاحة لهم من أجل تكريس سياستهم العدائية تجاه الشعب المتضرر والمنكوب، إلا أن ضمير محبي عروش السلطة ومصاصي دماء الشعوب لم يتحرك، ولن يتحرك أبدا.

بيد أننا كذلك لا نعلم متى سيتحرك ضمير الإنسانية لوضع يده على جراح هؤلاء المنكوبين، وكف يد هؤلاء المجرمين والوقوف أمام سياستهم الاستغلالية وحساباتهم ومصالحهم الخاصة، ذلك إذا ما تحرك السياسيون في العالم ومنظمات الأمم المتحدة التي تدعي الإنسانية، ووقفوا جميعاً وقالوا بصوت واحد “معاً في وجه هذه الأنظمة”، كفوا عن سياستكم الخبيثة، وظلمكم ومتاجرتكم بقضية المتضررين، اتركوا الناس يعيشون حياتها كما يريدون، لا كما تريدونها أنتم، اتركوا حساباتكم السياسية جانباً في هذه اللحظات العصيبة، الوقت غير مناسب لعقد مقايضات، وصفقات على حساب الأرواح التي فقدت في الفاجعة الأليمة، وما يتطلب منا كبشر بعيدا عن العقائد والأعراق، والقوميات التكاتف معاً في وجه النظم الاستبدادية التي تعادي الإنسانية الحقيقية في القرن الحادي والعشرين.