عشائر شمال وشرق سوريا.. عشائر دير الزور

يوسف العنزي-

البكارة عشيرة كبيرة قديمة تنزل على الضفة اليسرى من نهر الفرات وطرف الجزيرة السورية، على بعد 70-80 كيلو متراً غربي مدينة دير الزور، و40 كيلو متراً شرقي هذه المدينة نحو مصب نهر الخابور عند البصيرة، تعد من أكثر العشائر اختلاطاً ومصاهرة مع سكان مدينة دير الزور، ناهيك عن كثرة صلاتها التجارية بالمدينة لوجود بعض الأسر فيها، والتي تنتمي إلى فروع هذه العشيرة.

حول تاريخ هذه العشيرة وأصلها روايتان غير مدعومتين ببراهين، شأنها شأن أكثر دعاوى الأنساب، الرواية الأولى تقول بأنهم من بقايا أنمار وإياد اللتين كانتا في هذه الديار، فإن صح ذلك تكون البكارة مضريين عدنانيين وقدماء في أنحاء الفرات والجزيرة قبل الإسلام.

الرواية الثانية تذكر بأنهم ينتسبون إلى سلالة محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين، وأنهم بلغوا أنحاء الفرات في عهد الفتوح بقيادة عياض بن غنم فاتح الجزيرة، وتم تسميتهم بالبكارة نسبةً لمحمد الباقر، لأن هذا الاسم لم يأتهم من تربية الأبقار فهم لا يعنون بالبقر أكثر من غيرهم من العشائر، كما أنه ليس من عادة العرب أن تسمي العشيرة باسم الماشية التي تربيها، ولا باسم المهنة التي تمارسها. يقول المقدم مولر الفرنسي عنهم “إنهم شجعان شرسون” وقد بذلت جهود جمة لوقف غاراتهم التي كانوا يقومون بها على أعدائهم القدماء (الفدعان، الخرصة، قوم مزود بن قعشيش، الجيس، يزيديو شنكال)، وما من مرة كانت تلتقي بهم سرايا الهجانة الفرنسية إلا وقابلوها بالرصاص، حتى احتاج الأمر في عام 1926م إلى استخدام الطائرات، إلا أنهم الآن على أفضل الصلات مع العشائر المجاورة لهم.

البكارة فِرق كثيرة متباينة في العدد والقوة، ولا يقل مجموعهم عن 3000 بيت، قراهم تقع في منطقة الانتخاب حتى أصبحوا يشاركون في الانتخابات النيابية، ليفوز أحد مرشحيهم وهو الشيخ راغب البشير ليمثلهم كنائب في البرلمان عن المدينة، أما شيخهم الأكبر فهو أسعد البشير، وهو وافر الحرمة ونافذ الكلمة لديهم. ويقال أن جدهم الأكبر كان له ولدان عابد وعبيد، وله ولد بالتبني يدعى مملوك عزيز أطلق عليه اسم صالح، ويزيد بعضهم ولداً ثالثاً اسمه سلطان، وهؤلاء أعقبوا ثلاث فرق وهي:

أولاً- العابد: هؤلاء منازلهم بين الدير والكسرة مع الشيخ أسعد البشير الذي يرأس فخذ البو عرب، وأفخاذ هذه الفرقة: بوعرب والخنجر والرفيع والعبد القادر والراشد والحمد العابد، وهذه الفرقة هي المتقدمة على غيرها بحكم وجود بيت الرئاسة فيها منذ أمد بعيد.

ثانياً- العبيد: هؤلاء يقطنون بين الدير والبصيرة مع حسين الغانم الذي يرأس فخذ البو مصعة الذي فيه بيت الرئاسة وعرافة العشيرة كلها، وأفخاذ هذه الفرقة: البو مصعة والجاسم العبيد والعلي والهلامية والناصرة.

ثالثاً- البو سلطان: هؤلاء يسكنون ناحية الكسرة مع بدر العبد الله وأفخاذهم: البو رحمة والبو صالح والمشهور والبو شمس وبيت الرئاسة في فخذ البو صالح ويضاف إلى هذه الفرقة أفخاذ عديدة متفرقة: كالبو بدران والعبد الكريم والبو حسن والبو شيخ و البو معيش والكليزات، وبقارة الجبل يدعون الانتساب إلى عشيرة الولد علي من عنزة.

وقد نزح قسم من البكارة إلى الجزيرة العربية منذ أمد بعيد بعد أن ضاقت بهم قرى الفرات، وتملكوا في شمالي جبل عبد العزيز وسموا بكارة الجبل تمييزاً لهم عن بكارة الزور، الذين نحن بصددهم، وبكارة الجبل ينزلون في موقع الغرة غرب الحسكة وكانوا في مشيخة عيسى السليمان إلى أن قُتل غيلة فخلفه ابنه عبد الكريم، وبكارة الجبل يعدون من عشائر الجزيرة. وهم رحالة أهل ضرع في الغالب، أما قرى البكارة في ضفة الفرات اليسرى فهي في ناحية كسرة ومراط وأسماؤها (حسينية – معيشية – سفيرة الفوقانية – التحتانية – حطلة – مظلوم – خشام – طابية – ميلاج – جديدة بقارة – جزرة بوحميد – شاطي في جبل – أم مدفع – تلول الطرمبة – وادي الصماد – خربة الموزر – بئر برزان – تل التبان الجنوبية).

البكارة ودورهم في التصدي للعدوان الفرنسي

البكارة أكثر من جيرانهم العقيدات تعلقاً بالرعي وتربية الماشية، ومما يسجل لهم بالمحمدة نصرتهم لأهالي دير الزور في دفع العدوان الفرنسي في شهر أيار سنة 1945م، وقد أبلوا فيه بلاءً حسناً، أكثر من العقيدات وغيرهم، ومما يذكر من أحداثهم القديمة أن مجاورتهم في الغرب للعفادلة وفي الشرق للعقيدات والجبور لم تخلُ من الصِدَام والتناحر، على المراعي والمناهل ومن أحداثهم الجديدة أنهم بعد أن كانوا في الماضي موالين لشمر حدث خلاف قوي بينهم وبين شمر (سنجاره) سنة 1941م، جراء التنازع على ملكية بعض القرى، ونشبت معارك بين جموع بكارة الجبل وبكارة الزور وجموع شمر مع أنصارها الشرابيين وعشيرة الكيكية الكردية، قُتل فيها مئة وثمانون شخصاً من الجانبين بينهم بعض رؤساء شمر الذين لا تفتدى دماؤهم بدية، ودمرت القرى ونهبت الأموال، وكان الفرنسيون ينفخون في أوار الفتنة حتى اتسعت واحتدمت، ثم عقدت في عهد الاستقلال عدة مؤتمرات للصلح ووضعت مقررات لم تُنفذ بكاملها. هذه المعارك أكرهت البكارة على هجر قراها وتبوير أراضيها والحرمان من غلالها، ولم تكفها أنعامها في كفاف العيش فوقعت في ضائقة شديدة، من هؤلاء البكارة أناس انفصلوا عن عشيرتهم ونزحوا إلى شرقي حلب وغربيها، وتحضروا وقطعوا صلاتهم بأصولهم وقد ذكرناهم في أماكنهم.

العقيدات

عشيرة كبيرة تُعد أكبر العشائر الريفية في بلاد الشام عدداً وأوسعها منازلاً ومضارباً، وهي ليست من أصل واحد بل مؤلفة من فرق عديدة أكثرها أصلي وبعضها ملتحق، وهي غير قديمة في وادي الفرات بل طارئة جاءت واحتلت هذا الوادي في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، فيما يظن الكثيرون وسبب التسمية بالعقيدات، ففيها أقوال، منها أنهم قحطانيون من نجد من قبيلة زبيد جدهم الصحابي الجليل عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وقد تقدم معنا في ابحاث كل من عشائر البو شعبان والجبور وبعض عشائر جبل الدروز انهم ينتسبون أيضا إلى زبيد، ولم نقطع بمن دعواه اصح في ذلك، ويقول العقيدات أيضاً أن جدهم الأكبر كان اسمه سالم الصهيبي نشأ في نجد من مجموعة قرى القريات منتشرة إلى الجنوبي الغربي من حائل تدعى عقدة فسموا (العقيدات)، ثم جاؤوا إلى وادي الفرات بقيادة عبد الله الهفل جد جدعان الهفل شيخ العقيدات الأكبر في يومنا.

وثمة قول آخر أن العقيدات الأصليين هم من سلالة ثلاثة إخوة: كامل، وكمال وزامل، وهناك من يجعلهم أربعة ويضم اسم زمال إليهم ويجعل زمال هذا مقطوعاً أي محروم من النسب، لكن هذا القول غير مؤيد وهؤلاء الإخوة الثلاثة أو الأربعة أبناء رجل واحد اسمه غنام بن علي بن سالم بن صهيبي بن مهيب بن عبدا لله بن جحيش بن عمرو بن معد يكرب الزبيدي. وإن علي السالم هذا هو الذي جاء بالعقيدات إلى وادي الفرات في القرن الثاني عشر فمانعتهم العشائر القديمة التي كانت في المنطقة كالجبور والجحيش والدليم، فقاتلوها وتغلبوا عليها ودحروا منها الجبور إلى وادي الخابور الأوسط، وعشيرة الدليم إلى وادي الفرات الأوسط في العراق وعشيرة الجحيش التي حاولت أن تهينهم فأفنوا معظمها، وأبعدوا فلولها نحو براري الموصل ثم استصفى أعقاب علي السالم وادي الفرات بين الدير والبو كمال، وتوسعوا فيه ثم انضمت إليهم عشائر غريبة عنهم نسباً، وإن كانت اليوم تعد من العشائر الأساسية كالبوسرايا والبو خابور والبو حردان والبو بدران والبو ليل البقعان والمجاودة والمشاهدة وأمثالهم.