منظمة العفو الدولية وازدواجية المعايير

أيمن روج_

منظمة العفو الدولية هي منظمة غير حكومية مقرها في مدينة لندن البريطانية تأسست في ٢٨/٥/١٩٦١ على يد بيتر بينيس – شون ماكبرايد – إريك بيكر وهي حركة عالمية حائزة على جائزة نوبل للسلام وتناضل من أجل عالم يتمتع فيه الجميع بحقوق الإنسان ومن مهامها التحقيق وكشف الحقائق كلما وحيثما تقع الانتهاكات.

أما ازدواجية المعايير فهو مفهوم سياسي صيغ بهيئة حديثة عام ١٩١٢ ويشير إلى مجموعة من المبادئ يُنظر إليها على أنها مقبولة لاستخدامها من قبل مجموعة من الناس، ولكنها تُعتبر غير مقبولة ومن المحرمات عندما تستخدم من قبل مجموعة أخرى ويمكن وصفها بأنها نوع من التحيّز وظالمة لأنها تنتهك مقولة أساسية في الفقه القانوني الحديث. إن جميع الأطراف يجب أن تقف على قدمِ المساواة أمام القانون وأيضاً انتهاكاً لمبدأ العدالة باسم الحياد وعملت منظمة الأمم المتحدة منذ إنشائها على إرساء قواعد ومبادئ الشرعيّة الدوليّة كمبدأ حظر القوة ومبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول وغيرها من المبادئ التي اعتُبرت كدعائم لتجسيد مبدأ سيادة القانون على الصعيد الدولي إلا أن هيمنة الدول الكبرى على مجلس الأمن باستحواذها على امتيازات العضوية الدائمة وحق النقض أدى إلى تطبيق ازدواجية المعايير في الكثير من القضايا الدولية منحرفاً ومبتعداً بذلك عن أهم مبادئه وهو مبدأ المساواة في تطبيق القانون.

بتاريخ ١٧/٤/٢٠٢٤ أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً تناول قضية مرتزقة داعش المحتجزين في سجون الإدارة الذاتية وارتكاب ما أسمته “انتهاكات” بحقهم ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لست على علم على أي أساس أصدرت المنظمة هكذا تقرير، وبناءً على أي معطيات، أو إثباتات أو أدلة، أن الآلاف ممن كانوا يشكلون خطراً على العالم أجمع قاموا بارتكاب أبشع الإبادات والإعدامات الميدانية وسبي النساء وبيعهن، عدا عن حالات السلب والنهب والاغتصاب والدمار وزرع أفكار متطرفة وتجنيد قاصرين، وتجييشهم، أصبحوا الآن لدى هذه المنظمة “ملائكة” ومن دافع عن البشرية جمعاء وضحّى بخيرة شبابه وبناته أصبح “مجرم حرب” على الرغم من الإمكانيات الضعيفة والهجمات الوحشية التي تتعرض لها مناطق الإدارة الذاتية من قبل دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها بالإضافة إلى خلايا داعش ومرتزقة موالين ومدعومين من حكومة دمشق.

أليس الأجدر على منظمة العفو الدولية أن تضغط على النظام التركي لوقف هجماته على إقليم شمال وشرق سوريا الذي يأوي مئات الآلاف ممن هُجِّروا من بيوتهم نتيجة الأزمة السورية؟

أليس الأجدر على منظمة العفو الدولية أن تُصدِر مئات التقارير والبيانات حول الانتهاكات الساعية واليومية التي تقوم بها الحكومة التركيّة ومرتزقتها في عفرين وسري كانيه وكري سبي وتهجير أهلها وإجراء تغيير ديموغرافي وتغيير هوية المناطق المحتلة وبناء مستوطنات دخيلة وتدمير البيئة؟

أليس الأجدر بمنظمة العفو الدولية أن تضغط على مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار بفرض حظر جوي على إقليم شمال وشرق سوريا لمنع النظام التركي من قصف البنية التحتية والمؤسسات الخدمية بالأسلحة المُحرمة دولياً وفتح قنوات المياه المقطوعة عن مدن شمال وشرق سوريا لينعم الشعب بحياة كريمة ويتمتع بحقوقه التي “من المفروض ” أن المنظمة تناضل من أجلها؟

أليس الأجدر بمنظمة العفو الدولية أن تسعى جاهدةً من أجل إنشاء محكمة دوليّة لمحاكمة مرتزقة داعش في إقليم شمال وشرق سوريا، وأن ترفع الأصوات عالياً لكي تستلم الدول مواطنيها الذين قدِموا من كل أصقاع العالم للقتال في صفوف داعش؟

أليس الأجدر بمنظمة العفو الدولية أن تستنكر وتُدين النظام التركي الذي يستغل المرتزقة، ويُرسِلهم للقتال إلى دول ومناطق بناءً على قرارات من الدولة التركية، وكذلك إصدار تقارير تُدين ممارسات الدولة التركية بحق الشعب الكردي في شمال كردستان وقمع الحريات وإيداع آلاف الكرد في سجونها لأنهم كرد فقط؟

وأخيراً وليس آخراً أليس الأجدر بمنظمة العفو الدولية أن تضغط على الدولة التركية لإطلاق سراح القائد الأممي عبد الله أوجلان أو حتى السماح لمحاميه وأهله بزيارته والاطمئنان على وضعه الصحي؟

ولكن عندما تتعلق الأمور والمسائل بالكرد وحقوقهم المشروعة تتوضح ازدواجية المعايير لدى جميع المنظمات الإنسانية والدولية، وحتى مجلس الأمن الدولي، ويقفون مكتوفي الأيدي، يُغمضون أعينهم ويغلقون أفواههم ويسدّون آذانهم عن مشاهدة وسماع ما يجري بحق الكرد، فقط لأنهم كرد وليس لذنب آخر، ولأنهم يعلمون جيداً بأن الشرق الأوسط لن يتغيّر، إلا بحل القضية الكردية، لذلك يلجؤون إلى المعايير المزدوجة، لكي لا تتضارب مع مصالحهم وتزعج طفلهم المدلل النظام التركي، فأين الحقوق التي ينادون بها، وأين السلام الذي يسعون إليه؟